الدكتور فاضل حسن شريف
عن کتاب من هدي القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: طبقة الأغنياء تنفق المال ولكن لمن؟ ولماذا؟. إنها تنفق المال لأولئك المتملقين الذين يكيلون لهم الثناء الباطل بغير حساب، ويزينون للناس صورتهم القبيحة، وهم يقصدون من وراء ذلك امتصاص المزيد من جهد الناس وحقوقهم. وهذه الطبقة المتملقة يسميها القرآن هنا شيطاناً لأنها تخدع صاحبها وتضله عن الصراط وتزين له أعماله السيئة ويقول "وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً" (النساء 38). ولنتساءل من هؤلاء؟ ولماذا يكفرون بالله ولا ينفقون أموالهم إلا رياء؟ أو ليست هذه الأموال نعم الله عليهم، أولا ينبغي لهم شكر الله على نعمه بالإيمان به والإنفاق في سبيله؟. وما الذي يخشى هؤلاء من الإيمان والإنفاق؟ هل يخشون أن يسلب الله نعمه عنهم لو أنفقوها في سبيله؟ أم يخشون أن لا يجازيهم عليها؟. انتهى. أن المؤمنين لا يتركون الجهاد فيعرف المنافقون التاركون للجهاد تحت غطاء الإستئذان "لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ" (التوبة 44) الذين يخشون الله تعالى لا يتركون الجهاد إلا بعذر حقيقي. انتهى. نجد المؤمنين الذين يجاهدون بكل ما يملكون في سبيل الله، وبذلك يرتفع شأنهم عند الله وعند الرسول صلى الله عليه واله والناس في الدنيا والاخرة. قوله تعالى "لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" (التوبة 88) فلهم المكاسب المادية التي ليست عذابا كما كانت عند المنافقين بل هي فلاح وسعادة ذلك لأن هذه الخيرات اكتسبت عن طريق عمل الخير، وسوف تصرف في سبيل المعروف والصلاح. وبهذه الكلمة تكتمل رؤية الإسلام التي تحدث عنها القرآن في الآية السابقة حول المال والأنصار، وهي إنهما إن كانا قد اكتسبا بعمل صالح ووظفا من اجل اهداف صالحة فهما صالحان ويكونان سبباً للسعادة والفلاح، فالإسلام إذا لا يعطي حكماً مطلقاً وواحداً للثروة والقوة، فلا يمجدهما مطلقا ولا يرفضهما مطلقا، كما لا يصدر حكماً كاسحاً وواحداً على جميع الأغنياء والفقراء، بل يربط حكمه على الثروة والقوة وأصحابهما بالإطار الذي وضعا فيه. فالحكم إيجابي إذا كانا نضيفين، وإلا فهما عند الإسلام وبال وعذاب.
وعن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أموالهم "فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ" ﴿التوبة 55﴾ فلا تعجبك أيها النبي أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم، إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا بالتعب في تحصيلها وبالمصائب التي تقع فيها، حيث لا يحتسبون ذلك عند الله، وتخرج أنفسهم، فيموتوا على كفرهم بالله ورسوله. قوله سبحانه "وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ" ﴿التوبة 85﴾ ولا تعجبك أيها الرسول أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم، إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بمكابدتهم الشدائد في شأنها، وبموتهم على كفرهم بالله ورسوله. وقوله عز من قائل "لَـٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" ﴿التوبة 88﴾ إنْ تخلَّف هؤلاء المنافقون عن الغزو، فقد جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه بأموالهم وأنفسهم، وأولئك لهم النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في الآخرة، وأولئك هم الفائزون. قوله عز وعلا "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ﴿التوبة 103﴾ خذ أيها النبي من أموال هؤلاء التائبين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس ذنوبهم، وترفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل المخلصين، وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم واستغفر لهم منها، إن دعاءك واستغفارك رحمة وطمأنينة لهم. والله سميع لكل دعاء وقول، عليم بأحوال العباد ونياتهم، وسيجازي كلَّ عامل بعمله. قوله عز وجل "لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا" ﴿النساء 95﴾ بِأَمْوَالِهِمْ: بِ حرف جر، أَمْوَالِ اسم، هِمْ ضمير، لا يتساوى المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله غير أصحاب الأعذار منهم والمجاهدون في سبيل الله، بأموالهم وأنفسهم، فضَّل الله تعالى المجاهدين على القاعدين، ورفع منزلتهم درجة عالية في الجنة، وقد وعد الله كلا من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم والقاعدين من أهل الأعذار الجنة لِما بذلوا وضحَّوا في سبيل الحق، وفضَّل الله تعالى المجاهدين على القاعدين ثوابًا جزيلا.
يروى عند ولادة زيد فتح ابوه الامام السجاد عليه السلام القرآن ثلاث مرات فخرجت الايات منها " فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً" (النساء 95) فقال (عزيت عن هذا المولود وانه من الشهداء). جاء في موقع مركز الابحاث العقائدية عن السيد محمد مهدي الخرسان: كعب بن الأشرف، وفيه نزل قوله تعالى: "لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ" (ال عمران 116). جاء في الكلم الطيب عن الرضا: قوله تعالى "وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة 265) أي: يتصدقون بها و يحملون في سبيل الله و يقوّون أهل الحاجة من الغزاة و المجاهدين طاعةً لله و طلباً لمرضاته.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "إِنَّ اَللََّهَ اِشْتَرىََ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوََالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي اَلتَّوْرََاةِ وَ اَلْإِنْجِيلِ وَ اَلْقُرْآنِ" (التوبة 111) المشتري هو اللّه سبحانه و البائع المؤمنون، و الثمن الجنة، و المثمن الأنفس و الأموال، و الواسطة في إتمام الصفقة بين البائع و المشتري محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فهل من متجر رابح أزكى من هذا و أبقى؟ و في نهج البلاغة: كل نعيم دون الجنة محقور، و كل بلاء دون النار عافية. قوله سبحانه "اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوََالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ اَلنَّهََارِ سِرًّا وَ عَلاََنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ" (البقرة 274) نعم كل من فعل ذلك لوجه اللّه، و لكن تواردت الأخبار أنها نزلت في عليّ عليه السلام. انتهى. الوعيد و التهديد الغاضب أقوى و أوضح في الدلالة على ثبوت حق الفقراء في أموال الأغنياء من قوله تعالى: "وَ اَلَّذِينَ فِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ `لِلسََّائِلِ وَ اَلْمَحْرُوم" (المرسلات 22). قال سبحانه: "َلاََ تُعْجِبْكَ أَمْوََالُهُمْ وَ لاََ أَوْلاََدُهُمْ إِنَّمََا يُرِيدُ اَللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهََا فِي اَلْحَيََاةِ اَلدُّنْيََا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كََافِرُونَ" (التوبة 55) و قال الإمام عليّ عليه السلام: ما قال الناس لشيء: طوبى له، إلا و قد خبأ له الدهر يوم سوء "وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ اَلْقِيََامَةِ أَعْمىََ" (طه 124) لأنه في الحياة الدنيا لم ير إلا ذاته و منافعه الشخصية.
عن سماحة الشيخ محمّد صنقور: بعد عودته صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة الشريفة من الطائف واشتداد الوطأة عليه وعلى أتباعه جاء الأمرُ بالهجرةِ إلى يثرب فأخذ المسلمون يتسلَّلون إلى يثربَ سرَّاً فعمدتْ قريشٌ إلى مصادرة ما خلَّفوه من أموالهم والاستيلاءِ على دورِهم ومواشيهم كما وصف القرآن ذلك في قوله تعالى: "فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي" (ال عمران 195) وقوله تعالى: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" (الحشر 8) ثم إنَّ بطون قريشٍ اجتمع رأيُها على تصفية النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إنْ أُتيح لهم ذلك أو حبسه أو إخراجه إلى الجهة التي يُريدونها كما قال تعالى: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الانفال 30) لذلك أمره اللهُ تعالى بالهجرة سرَّاً إلى يثربَ والأمرِ لعليٍّ عليه السلام أنْ يبيتَ على فراشِه إيهاماً لهم، لأنَّهم كانوا قد اجتمع من كلِّ بطنٍ واحدٌ أو أكثر حول داره، وكانوا قد عقدوا العزم على اقتحامها عليه ليضربوه مجتمعين بأسيافهم ضربةَ رجلٍ واحد ليضيع دمُه بين القبائل، وقد أبطل اللهُ مكرَهم، فرجعوا خائبين بعد أن تفاجئوا بأنَّ المضَّجع على فراشِ الرسول عليه السلام كان عليَّاً عليه السلام ولم يكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
https://telegram.me/buratha