الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقتين السابقتين جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أموالهم "فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ" ﴿التوبة 81﴾ بِأَمْوَالِهِمْ: بِ حرف جر، أَمْوَالِ اسم، هِمْ ضمير، فرح المخلفون الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقعودهم في ﴿المدينة﴾ مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وقال بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحرِّ، وكانت غزوة ﴿تبوك﴾ في وقت شدة الحرِّ. قل لهم أيها الرسول: نار جهنم أشد حرًا، لو كانوا يعلمون ذلك. وقوله سبحانه "اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ" ﴿التوبة 111﴾ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم في مقابل ذلك الجنة، وما أعد الله فيها من النعيم لبذلهم نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه لإعلاء كلمته وإظهار دينه، فيَقْتلون ويُقتَلون، وعدًا عليه حقًا في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، والإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام، والقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. ولا أحد أوفى بعهده من الله لمن وفَّى بما عاهد الله عليه، فأظهِروا السرورأيها المؤمنون ببيعكم الذي بايعتم الله به، وبما وعدكم به من الجنة والرضوان، وذلك البيع هو الفلاح العظي. وقوله جل جلاله "وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" ﴿يونس 88﴾ وقال موسى: ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه زينة من متاع الدنيا، فلم يشكروا لك، وإنما استعانوا بها على الإضلال عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم، فلا ينتفعوا بها، واختم على قلوبهم حتى لا تنشرح للإيمان، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الشديد الموجع. قوله عز وعلا "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" ﴿الأنفال 36﴾ إن الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله ينفقون أموالهم فيعطونها أمثالهم من المشركين وأهل الضلال، ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا المؤمنين عن الإيمان بالله ورسوله، فينفقون أموالهم في ذلك، ثم تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم، لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بما يأمُلون مِن إطفاء نور الله والصد عن سبيله، ثم يهزمهم المؤمنون آخر الأمر. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون فيعذبون فيها. قوله جلت قدرته "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه" ﴿الأنفال 72﴾ بِأَمْوَالِهِمْ: بِ حرف جر، أَمْوَالِ اسم، هِمْ ضمير، إن الذين صدَّقوا الله، ورسوله وعملوا بشرعه، وهاجروا إلى دار الإسلام، أو بلد يتمكنون فيه من عبادة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله بالمال والنفس، والذين أنزلوا المهاجرين في دورهم، وواسوهم بأموالهم، ونصروا دين الله، أولئك بعضهم نصراء بعض. أما الذين آمنوا ولم يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفين بحمايتهم ونصرتهم حتى يهاجروا، وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا نصرتكم فاستجيبوا لهم، إلا على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد لم ينقضوه. والله بصير بأعمالكم، بجزي كلا على قدر نيته وعمله.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى قوله تعالى "وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ" (النساء 38)، إلخ أي لمراءاتهم، وفي الآية دلالة على أن الرئاء في الإنفاق ـ أو هو مطلقا ـ شرك بالله كاشف عن عدم الإيمان به لاعتماد المرائي على نفوس الناس واستحسانهم فعله، وشرك من جهة العمل لأن المرائي لا يريد بعمله ثواب الآخرة، وإنما يريد ما يرجوه من نتائج إنفاقه في الدنيا، وعلى أن المرائي قرين الشيطان وساء قرينا. قوله تعالى "وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" (الذاريات 19) الآيتان السابقتان تبينان خاصة سيرتهم في جنب الله سبحانه وهي قيام الليل والاستغفار بالأسحار وهذه الآية تبين خاصة سيرتهم في جنب الناس وهي إيتاء السائل والمحروم. وتخصيص حق السائل والمحروم بأنه في أموالهم مع أنه لو ثبت فإنما يثبت في كل مال دليل على أن المراد أنهم يرون بصفاء فطرتهم أن في أموالهم حقا لهما فيعملون بما يعملون نشرا للرحمة وإيثارا للحسنة. والسائل هو الذي يسأل العطية بإظهار الفاقة والمحروم هو الذي حرم الرزق فلم ينجح سعيه في طلبه ولا يسأل تعففا. قوله تعالى "فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ" (النساء 6) فتشريع للاستشهاد عند الدفع تحكيما للأمر ورفعا لغائلة الخلاف والنزاع فمن الممكن أن يدعي اليتيم بعد الرشد وأخذ المال من الولي عليه، ثم ذيل الجميع بقوله تعالى "وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً" (النساء 6) ربطا للحكم بمنشئه الأصلي الأولي أعني محتد كل حكم من أسمائه وصفاته تعالى فإنه تعالى لما كان حسيبا لم يكن ليخلي أحكام عباده من غير حساب دقيق وهو تشريعه المحكم، وتتميما للتربية الدينية الإسلامية فإن الإسلام يأخذ في تربية الناس على أساس التوحيد إذ الإشهاد وإن كان رافعا غالبا للخلاف والنزاع لكن ربما تخلف عنه لانحراف من الشهود في عدالتهم أو غير ذلك من متفرقات العوامل لكن السبب المعنوي العالي القوي هو تقوى الله الذي كفى به حسيبا فلو جعل الولي والشهود واليتيم الذي دفع إليه المال هذا المعنى نصب أعينهم لم يقع هناك اختلاف ولا نزاع البتة. قوله تعالى "لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ" (ال عمران 10) أي إن الذي دعاهم إلى ما هم عليه متاع الحياة الدنيا الذي هو الأموال والأولاد لكنهم في حاجة إلى التخلص من عذاب خالد لا يقضيها لهم إلا الله سبحانه فهم في فقر إليه لا يغنيهم عنه أموالهم ولا أولادهم شيئا فليؤمنوا به وليعبدوه. قال تعالى "الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ" (النساء 34) والقوام من القيام وهو إدارة المعاش، والمراد بالفضل هو الزيادة في التعقل فإن حياته حياة تعقلية وحياة المرأة إحساسية عاطفية، وإعطاء زمام المال يدا عاقلة مدبرة أقرب إلى الصلاح من إعطائه يدا ذات إحساس عاطفي وهذا الإعطاء. والتخصيص إذا قيس إلى الثروة الموجودة في الدنيا المنتقلة من الجيل الحاضر إلى الجيل التالي يكون تدبير ثلثي الثروة الموجودة إلى الرجال وتدبير ثلثها إلى النساء فيغلب تدبير التعقل على تدبير الإحساس والعواطف فيصلح أمر المجتمع وتسعد الحياة.
عن کتاب من هدي القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: من أسوأ ما يبتلى به الذي يكذب بالدين مسخ الشخصية، وانتكاسة الفطرة، فتراه لا يتأثر بمنظر المسكين الذي يتضور جوعا، ولا يحض أحدا على توفير نصيبه من الطعام، إنه لم يعد إنسانا ينبض قلبه بحب نظرائه من البشر. وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ قالوا: الحض بمعنى الترغيب، وقال بعضهم، الطعام هنا بمعنى الإطعام، وقال بعضهم: بل الطعام بمعنى ما يستحقه اليتيم من الطعام، إشارة إلى أنه من حقهم ومن مالهم، كما قال ربنا سبحانه "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" (المعارج 24-25). و هكذا لا يعتبر إطعام المسكين سوى رد حقه إليه، وعلى المجتمع أن يكون شاهدا على ذلك ورقيباً، كما يُراقب وضع السلطة والأمن والاقتصاد، وكما يشهد على سائر الحقوق أن ترد إلى أهلها، ومن لم يقم بشهادته، وترك المسكين يتضور جوعاً فإنه يستحق العقاب، لأنه ساهم في إفساد المجتمع، ونشر الفقر في أرجائه، كالذي يرى الطاعون ينتشر بين الناس فلم يمنعه وهو قادر على المنع، أو يترك الأسد ينهش طفلا فلا يردعه، أو يترك الصبي يتردى، والأعمى يصطدم ولا يحرك ساكنا. ومن هنا يصبح الحض على طعام المسكين واجباً بحد ذاته وتركه حراماً، وهو واجب يشترك في مسؤوليته القادر على إطعام المسكين وغير القادر عليه.
عن الدكتور مسعود ناجي ادريس في الصفحة الاسلامية لوكالة انباء براثا في مقالته في رحاب القرآن و مساعدات المؤمنين في شهر رمضان /3: قوله تعالى "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (البقرة 261). الملاحظات: إن طلب الصدقات وتحريم الإسراف والهدر هو أفضل طريقة لحل الخلافات الطبقية. حيث إن ظهور الربا وانتشاره هو أساس الطبقات وخلقها. (تفسير الميزان، ج 2، ص 40) لذلك فقد ورد في القرآن آيات تدل على وجوب الإنفاق وتحريم الربا معًا. كل بذرة، في كل أرض، تنمو في داخلها سبعة فروع، والتي تحتوي في كل فرع على مائة بذرة، ولكن يجب أن تكون البذرة صحية، وتزرع في الوقت المناسب، وفي أرض مناسبة. كما أن إنفاق المال الحلال بقصد التقرب ودون أذى وبالنية الحسنة سيكون له آثار إيجابية. الرسائل: 1 إن الأجر في الإنفاق ليس في الآخرة فقط، ولكنه يؤدي أيضًا إلى نمو الوجود البشري وتطوره. "مَثَل الَّذِينَ يُنفِقُونَ" 2 يحمد القرآن أولئك الذين ينفقون بصورة دائمة. "يُنفِقُونَ" فعل مضارع يدل على الاستمرار. 3 الإنفاق، له قيمته عندما يكون في سبيل الله، والاقتصاد في الإسلام لا ينفصل عن الأخلاق. "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" 4 استخدام الأمثلة الطبيعية لا يصبح قديمًا أبدا وهو مثال مفهوم لجميع الناس من جميع الأعمار والظروف. تشبيه المال بالبذور وتشبيه تأثيرات الإنفاق بفروع الحبوب الكاملة يوضح فوائد الإنفاق "كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ" 5 التشجيع والوعد بالمكافآت هما أقوى قوة دافعة. الأجر يتضاعف بمقدار سبعمائة مرة. "وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ" 6 ليس هناك حد لالطاف الله. "وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ" 7 إذا كان الإنفاق يتضاعف بمقدار سبعمائة مرة، "كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَة حَبَّةٍ" (البقرة 261) فماذا يكون حساب أولئك الذين ينفقون حياتهم في سبيل الله؟ "وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ". انتهى. قوله تعالى "الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" (التوبة 20) وعن نظرة على مكانة الشهيد والشهادة في القرآن والعترة للدكتور مسعود ناجي ادريس: في هذه الآية يعرّف المجاهدين من يجاهدون بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله منتصرين ويضمن سعادتهم، لأن مكانتهم عالية في نظر الله، أي يشجع من لا يبالي بالطاغية وينهض ويقاوم الكفار. وأجرهم السعادة والمكانة الرفيعة والنجاة.
https://telegram.me/buratha