الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أموالكم "انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" ﴿التوبة 41﴾ اخرجوا أيها المؤمنون للجهاد في سبيل الله شبابًا وشيوخًا في العسر واليسر، على أي حال كنتم، وأنفقوا أموالكم في سبيل الله، وقاتلوا بأيديكم لإعلاء كلمة الله، ذلك الخروج والبذل خير لكم في حالكم ومآلكم فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا لله ورسوله. قوله سبحانه و "وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ" ﴿سبإ 37﴾ جزاء اسم، جَزَاءُ الضِّعْفِ: تضاعف لهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة، لهم جزاء الضّعف: لهم الثواب المضاعف، وليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا قربى، وترفع درجاتكم، لكن مَن آمن بالله وعمل صالحًا فهؤلاء لهم ثواب الضعف من الحسنات، فالحسنة بعشر أمثالها إلى ما يشاء الله من الزيادة، وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والأحزان، "تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" ﴿الصف 11﴾ بِأَمْوَالِكُمْ: بِ حرف جر، أَمْوَالِ اسم، كُمْ ضمير، تداومون على إيمانكم بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله، لنصرة دينه بما تملكون من الأموال والأنفس، ذلك خير لكم من تجارة الدنيا، إن كنتم تعلمون مضارَّ الأشياء ومنافعها، فامتثلوا ذلك، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" ﴿المنافقون 9﴾ يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تَشْغَلْكم أموالكم ولا أولادكم عن عبادة الله وطاعته، ومن تشغَله أمواله وأولاده عن ذلك، فأولئك هم المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته، و "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ" ﴿التغابن 15﴾ ما أموالكم ولا أولادكم إلا بلاء واختبار لكم. والله عنده ثواب عظيم لمن آثر طاعته على طاعة غيره، وأدَّى حق الله في ماله. قوله جل جلاله "مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ" ﴿النساء 24﴾ بِأَمْوَالِكُم: بِ حرف جر، أَمْوَالِ اسم، كُم ضمير، ويحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء، إلا مَنْ سَبَيْتُم منهن في الجهاد، فإنه يحل لكم نكاحهن، بعد استبراء أرحامهن بحيضة، كتب الله عليكم تحريم نكاح هؤلاء، وأجاز لكم نكاح مَن سواهن، ممَّا أحله الله لكم أن تطلبوا بأموالكم العفة عن اقتراف الحرام. فما استمتعتم به منهن بالنكاح الصحيح، فأعطوهن مهورهن، التي فرض الله لهن عليكم، ولا إثم عليكم فيما تمَّ التراضي به بينكم، من الزيادة أو النقصان في المهر، بعد ثبوت الفريضة. إن الله تعالى كان عليمًا بأمور عباده، حكيما في أحكامه وتدبيره. وقوله سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" ﴿النساء 29﴾ يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، إلا أن يكون وَفْقَ الشرع والكسب الحلال عن تراض منكم، ولا يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله ومعاصيه. إن الله كان بكم رحيمًا في كل ما أمركم به، ونهاكم عنه.
على الانسان المؤمن ان يحاسب نفسه هل استوفى تجارته مع الله جل جلاله كما قال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" (الصف 10-11)؟ كان في الازمان السابقة لا يستطيع العبد ان يقول لسيده كلا انما فقط نعم. لذلك فحتى تسمي نفسك عبدا لله سبحانه عليك ان تطيع اوامره "تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (الصف 11) وذلك بالتسليم المطلق لاوامره "وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (النساء 65) فعند تنفيذ الاصل الاول من عقد التجارة فالله يزد ارباحك "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" (الكهف 13) و "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ" (الصافات 99). والاصل الثاني الايمان بالرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم "تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" (الصف 11) فعندما لا تتبع اوامر الرسول فتجارك خاسرة لانه هو الذي يشرح اوامر الله سبحانه "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" (الحشر 7).
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء 24) "كتاب الله عليكم": يعني كتب الله تحريم ما حرم وتحليل ما حلل عليكم كتابا فلا تخالفوه وتمسكوا به. وقوله "و أحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم" (النساء 24): قيل في معناه أربعة أقوال (أحدها): أحل لكم ما وراء ذات المحارم من أقاربكم عن عطاء (وثانيها): أن معناه أحل لكم ما دون الخمس وهي الأربع فما دونها أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح عن السدي (وثالثها): ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم عن قتادة (ورابعها): أحل لكم ما وراء ذات المحارم والزيادة على الأربع أن تبتغوا بأموالكم نكاحا أو ملك يمين وهذا الوجه أحسن الوجوه ولا تنافي بين هذه الأقوال ومعنى أن تبتغوا أن تطلبوا أو تلتمسوا بأموالكم أما شراء بثمن أو نكاحا بصداق عن ابن عباس.
جاء في كتاب مصباح المنهاج / التجارة للسيد محمد سعيد الحكيم: حرمة الرشوة في الجملة من القطعيات المدعى عليها الإجماع منّا ومن المسلمين عامة. وقد استدل عليها ـ مضافاً إلى ذلك ـ بالكتاب المجيد والسنة الشريفة. أما الكتاب المجيد فبقوله تعالى: "وَلاَ تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأكُلُوا فَرِيقًا مِن أَموَالِ النَّاسِ بِالإِثمِ وَأَنتُم تَعلَمُونَ" (البقرة 188). حيث قد يستدل به بحمل المال الذي يدلى به للحكام على الرشوة التي تكون سبباً للحكم بالجور وأكل فريق من أموال الناس حراماً. لكن الذي يظهر من غير واحد من المفسرين أن المال الذي يدلى به للحكام هو المال الذي يدعى بلا حق ويرفع أمره لهم ليحكموا فيه بالجور لغير أهله، فهو عين المال الذي أريد بقوله تعالى: "لِتَأكُلُوا فَرِيقًا مِن أَموَالِ النَّاسِ" (البقرة 188). وهو وإن كان لا يناسب ظهور التعبير المذكور في التباين بينهما، إلا أنه يناسبه ما في معتبر أبي بصير: (قلت لأبي عبدالله عليه السلام: قول الله عز وجل في كتابه: "وَلاَ تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ" (البقرة 188)، فقال: يا أبا بصير إن الله عز وجل قد علم أن في الأمة حكاماً يجورون. أما إنه لم يعن حكام أهل العدل، ولكنه عنى حكام أهل الجور. يا أبا محمد إنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل، فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن حاكم إلى الطاغوت) لظهوره في ورود الآية للردع عن التحاكم لحكام أهل الجور، لا عن الرشوة للحكام. وأظهر منه في ذلك ما رواه في مجمع البيان عنه عليه السلام أنه قال: (علم الله أنه سيكون في هذه الأمة حكام يحكمون بخلاف الحق، فنهى المؤمنين أن يتحاكموا إليهم وهم يعلمون أنهم لا يحكمون بالحق).
https://telegram.me/buratha