الصفحة الإسلامية

الأرض المباركة في القرآن الكريم (ح 3)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب تفسير غريب القرآن للمؤلف فخر الدين الطريحي النجفي: (برك) "تبارك الله" (الاعراف 53) (غافر 64) أي تقدس والقدس: الطهارة، ويقال: تبارك: تعظيم ويقال: تبارك من البركة وهي الزيادة، والكثرة، والنماء، والاتساع، و "شجرة مباركة" (النور 35) شجرة الزيتون لأنها كثيرة البركة والمنفعة لأنه يسرج بدهنها، ويؤتدم به، ويوقد بحطبها، ويغسل الإبريسم برمادها، وهي شجرة نبتت بعد الطوفان في الأرض وقيل: لأن سبعين نبيا باركوا فيها منهم إبراهيم عليه السلام، و "بورك في النار ومن حولها" (النمل 8) معناه: بورك من في مكان النار ومن حول مكانها، ومكانها البقعة التي حصلت فيها وهي قوله تعالى "البقعة المباركة" (القصص 30) وحواليها حدوث أمر ديني فيها وهو تكلم الله جل جلاله موسى عليه السلام، وقيل: المراد بمن بورك فيهم موسى عليه السلام والملائكة وقيل: هو عام في كل من كان في تلك الأرض وذلك الوادي وحواليها من أرض الشام، و "ليلة مباركة" (الدخان 3) هي ليلة القدر.

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: "فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (المائدة 26) الضمير في قوله "فَإِنَّها" راجعة إلى الأرض المقدسة، والمراد بالتحريم التحريم التكويني وهو القضاء، والتيه التحير، واللام في "الْأَرْضِ" للعهد، وقوله "فَلا تَأْسَ" نهي من الأسى وهو الحزن، وقد أمضى الله تعالى قول موسى عليه ‌السلام حيث وصفهم في دعائه بالفاسقين. والمعنى: أن الأرض المقدسة أي دخولها وتملكها محرمة عليهم، أي قضينا أن لا يوفقوا لدخولها أربعين سنة يسيرون فيها في الأرض متحيرين لا هم مدنيون يستريحون إلى بلد من البلاد، ولا هم بدويون يعيشون عيشة القبائل والبدويين، فلا تحزن على القوم الفاسقين من نزول هذه النقمة عليهم لأنهم فاسقون لا ينبغي أن يحزن عليهم إذا أذيقوا وبال أمرهم. بل يؤكده فإن قوله "كَتَبَ اللهُ لَكُمْ" (المائدة 21) كلام مجمل أبهم فيه ذكر الوقت وحتى الأشخاص، فإن الخطاب للأمة من غير تعرض لحال الأفراد والأشخاص، كما قيل: إن السامعين لهذا الخطاب الحاضرين المكلفين به ماتوا وفنوا عن آخرهم في التيه، ولم يدخل الأرض المقدسة إلا أبناؤهم وأبناء أبنائهم مع يوشع بن نون، وبالجملة لا يخلو قوله "فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (المائدة 26) عن إشعار بأنها مكتوبة لهم بعد ذلك. وهذه الكتابة هي التي يدل عليها قوله تعالى "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ" (القصص 6) وقد كان موسى عليه‌ السلام يرجو لهم ذلك بشرط الاستعانة بالله والصبر حيث يقول "قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (الاعراف 129). وهذا هو الذي يخبر تعالى عن إنجازه بقوله "وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا" (الاعراف 137) فدلت الآية على أن استيلاءهم على الأرض المقدسة وتوطنهم فيها كانت كلمة إلهية وكتابا وقضاء مقضيا مشترطا بالصبر على الطاعة وعن المعصية، وفي مر الحوادث.

جاء في موقع الدكتور منصور العبادي عن فلسطين هي الأرض المقدسة والمباركة: وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض: وبعد دخول بني إسرائيل الأرض المقدسة استقر بهم المقام فيها كما جاء ذلك في قوله تعالى "وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا" (الإسراء 104). والأرض في هذه الآية هي أرض فلسطين التي سيقومون بالإفساد فيها مرتين كما جاء في بداية سورة الإسراء والأخرة في هذه الآية هو الإفساد الثاني الذي سيتم بعد جمع اليهود من الشتات (لفيفا). لقد تعرض اليهود لشتى أنواع العذاب من الأمم المحيطة بهم في غياب قيادة لهم بموت يوشع بن نون ولذلك طلبوا من نبيهم في ذلك العصر أن يجعل عليهم ملكا يقاتلون تحت رايته الأعداء الذين من حولهم فأوحى الله إلى نبيهم أن يملكوا طالوت عليهم فقبلوا هذا الأمر بعدد تردد طويل كعادتهم وكان ذلك في عام1025 قبل الميلاد كما جاء في قوله سبحانه وتعالى "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 247). وبعد اختيار طالوت ملكا على اليهود قام بمحاربة الأقوام في المناطق المجاورة بقلة من بني إسرائيل بعد أن تقاعس أكثرهم عن القتال وانتصر على أعدائه وأصبح لليهود دولة قوية وبدأ بذلك ما يسمى بعهد الملوك. وحكم اليهود بعد طالوت داود عليه السلام وكان نبيا وملكا كما جاء ذلك في قوله تعالى "فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" (البقرة 251). ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها: وبعد موت داود عليه السلام استلم الحكم ابنه سليمان عليه السلام كما جاء في قوله تعالى "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ" (النمل 16). وقد آتى الله عز وجل نبيه سليمان ملكا عظيما شمل معظم بلدان الشرق الأوسط وسخر له الجن والريح والطير كما جاء ذلك في آيات كثيرة كما في قوله تعالى "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)" (ص 35-37) وقوله تعالى "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ" (الأنبياء 81). ومن الواضح أن الأرض المباركة التي كانت تجري الريح العاصفة إليها بأمر سليمان عليه السلام هي فلسطين حيث كانت عاصمة ملكه. ومما يؤكد على أن سليمان عليه السلام كان في فلسطين هو أنه كان يجهل وجود مملكة سبأ فلو أنه كان في عسير أو الحبشة كما يزعم البعض لعلم بها بسبب قربها منها ولكنه علم بها بعد أن أخبره به الهدهد وذلك في قوله تعالى "فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ" (النمل 22).

عن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام ما معنى السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لما خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الأئمة عليهم السلام وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتقوا الله ووعدهم أن يسلّم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن وأن ينزّل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع ويريحهم من عدوهم والأرض التي يبدّلها الله من السلام ويسلم ما فيها لا شية فيها قال لا خصومة فيها لعدوهم وأن يكون لهم فيها ما يحبون وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الأئمة عليهم السلام وشيعتهم الميثاق وبذلك وإنما السلام عليه تذكرة نفس الميثاق وتجديد له على الله لعله أن يعجّله عزّ وجل ويعجّل السلام لكم بجميع ما فيه. عن الامام الصادق عليه السلام: في خبر اخرجه علي بن ابراهيم في تفسيره، (كان عرشه على الماء، والماء على الهواء، والهواء لايحد ولم يكن يومئذ خلق غيرهما، والماء يومئذ عذب فرات، فلما اراد ان يخلق الارض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا، ثم ازبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد، ثم دحا الارض من تحته، فقال: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ" (ال عمران 96). ثم مكث الرب تبارك وتعالى ماشاء، فلما اراد ان يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى ازبدت بها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السماء، وجعل فيها البروج والنجوم، ومنازل الشمس والقمر، وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الاخضر، وكانت الارض غبراء على لون الماء العذب، وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك