عبد الكاظم حسن الحابري
ونحن نعيش ذكرى المصاب الاليم لسيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام, لابد لنا وان نعرج على ذكر ومضات من حياتها الشريفة, وعلى سلوكها العقائدي, والاخلاقي, والانساني, فهي سلام الله عليها كانت الكاملة في كل صفاتها, وايما كاتب حاول ان يكتب عنها فلن يحيط بكنهها, ولا يمكن ان يسبر اغوار شخصيتها الفذة.
مثلت سيدتنا الزهراء عليها السلام النموذج الكامل للمرأة المؤمنة العقائدية, فكانت مثالا للعفة والشرف, ونموذجا للستر والحجاب, وقدوة في الطاعة والعبادة, وهي بما تحمله من ملكات ايمانية, ونفحات روحانية, كانت سيدة منزل من طراز خاص, ربت اولادها على حميد الصفات, ومكارم الاخلاق, وادت دورها في المنزل كربة بيت مارست كل الادوار التي تؤديها المرأة في خدمة عيالها.
كانت السيدة الزهراء عليها السلام ذات عقيدة صلبة, عارفة لوصية اباها رسول الله صلوات الله عليه وعلى اله, لذا دافعت عن امام زمانها بكل قوة, وحاربت الفتنة بعد تشتت المسلمين وتفرقهم ما ان اغمض النبي صلى الله عليه واله عينه, وبعد ان انكرت الامة الامر الالهي بتمام الدين وكمال النعمة بولاية الوصي علي علبه السلام.
لقد وقفت السيدة الزهراء عليها السلام ذلك الموقف العظيم الذي ظل صداه يسمع الى الان, حينما أُنْكِرَتْ وصية رسول الله صلى الله عليه واله, مدافعة عن امير المؤمنين علي عليه السلام رغم مصابها بفقد ابيها وسقط جنينها, وما لاقته خلف الباب واحراقه عليها, حيث اتجهت الى القوم الذين تعاهدوا في سقيفة بني ساعدة, وهم مجتمعين في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله تعرفهم بنفسها وتحاججهم بالقران وتذكرهم بوصية النبي صلى الله عليه واله, حيث افتتحت كلامها –المعروف بالخطبة الفدكية- قائلة فيما يُروى, بعد توحيد الله جل وعلا والصلاة على نبيه “أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْعَلُ ما أفْعَلُ شَطَطاً”
ثم استرسلت صلوات الله عليها بعد ذكرها لفضائل ابيها صلوات الله عليه واله تحاجج القوم, وتوبخهم لنكراهم الوصية ورسول الله صل الله عليه واله لما يقبر, حيث خاطبتهم قائلة “فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.
فَخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُمْ، وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ، وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ، وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ”
مشاهد تُروى رسمتها الخطبة الفدكية في صلابة وايمان واعتقاد السيدة الزهراء عليها السلام الراسخ بالحق, ومع هذا الاعتقاد الإيماني والعرفان الرباني, كانت الزهراء مشتملة على مكارم الاخلاق, واحسن الصفات في اغاثة الملهوف والتواضع والصبر والزهد والعبادة.
كانت سلام الله عليها مثالا للابنة البارة, وللزوجة الصالحة, والام الكريمة, والسيدة العطوف, ونموذجا للمرأة العالمة العاملة, حيث كانت معلمة لنساء المدينة اصول دينهم وشرائع احكام الاسلام.
رحلت الزهراء سلام الله عليها مغصوبة الحق, مُسقطة الجنين, محزونة مكروبة, ساخطة على هذه الامة الخائنة, والناكرة لاحكام القران والجاحدة لوصايا رسول الله صلى الله عليه واله, رحلت وهي توصي بان لا يحضر جنازتها احد ممن ظلمها, فدفنت صلوات الله عليها سرا في الليل, لم يحمل جنازتها الا امير المؤمنين علي عليه السلام وولديه الحسنان سلام الله عليهما وبعضٌ من الصحابة كسلمان وعمار.
فسلام الله عليها يوم ولدت ويوم استُشهِدت ويوم تبعث حية شاهدة على فعال اللئام وخيانة الامة لنبيها صلى الله عليه واله.
https://telegram.me/buratha