الصفحة الإسلامية

آيات الحرب ومتعلقاتها في القرآن الكريم (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قال الله تعالى عن الحرب "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿البقرة 279﴾ "فإن لم تفعلوا" ما أمرتم به "فأذنوا" اعلمَوا "بحرب من الله ورسوله" لكم فيه تهديد شديد لهم ولما نزلت قالوا لا بد لنا بحربه، "وإن تبتم" رجعتم عنه "فلكم رءوس" أصول "أموالكم لاتَظلمون" بزيادة "ولا تُظلمون" بنقص. قوله سبحانه "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ " (المائدة 64) "وقالت اليهود" لما ضيق عليهم بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أكثر الناس مالا "يد الله مغلولة" مقبوضة عن إدرار الرزق علينا كنوا به عن البخل تعالى الله عن ذلك قال تعالى: "غُلَّتْ" أمسكت "أيديهم" عن فعل الخيرات دعاء عليهم، "ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان" مبالغة في الوصف بالجود وثنى اليد لإفادة الكثرة إذ غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيديه "ينفق كيف يشاء" من توسيع وتضيق لا اعتراض عليه، "وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك" من القرآن "طغيانا وكفرا" لكفرهم به، "وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة" فكل فرقة منهم تخالف الأخرى، "كلما أوقدوا نارا للحرب" أي لحرب النبي صلى الله عليه وسلم "أطفأها الله" أي كلما أرادوه ردهم، "ويسعَون في الأرض فسادا" أي مفسدين بالمعاصي، "والله لا يحب المفسدين" بمعنى أنه يعاقبهم. قوله عز وعلا "فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الأنفال 57) تثقفنهم: تثقف فعل، النون للتوكيد، هم ضمير، تثقفنّهم: تُصادفهم، وتظفرنَّ بهم. أو تأسرنَّهم، يُقَالُ: ثَقِفْته أَثْقَفُهُ ثَقَفًا إذَا وَجَدْته، "فإما" فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة، "تثقفنَّهم" تجدنهم "في الحرب فشرِّد" فرق "بهم من خلفهم" من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة "لعلَّهم" أي الذين خلفهم "يذَّكرون" يتعظون بهم. قوله جلت قدرته "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ" (محمد 4) "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" مصدر بدل من اللفظ بفعله، أي فاضربوا رقابهم، أي اقتلوهم وعبَّر بضرب الرقاب لأن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة "حتى إذا أثخنتموهم" أكثرتم فيهم القتل "فشدوا" فأمسكوا عنهم وأسروهم وشدوا "الوثاق" ما يوثق به الأسرى، "فإما منا بعد" مصدر بدل من اللفظ بفعله أي تمنون عليهم بإطلاقهم من غير شيء "وإما فداءً" تفادونهم بمال أو أسرى مسلمين "حتى تضع الحرب" أي أهلها "أوزارها" أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد وهذه غاية للقتل والأسر، "ذلك" خبر مبتدأ مقدر، أي الأمر فيهم ما ذكر "ولو يشاء الله لانتصر منهم" بغير قتال، "ولكن" أمركم به "ليبلو بعضكم ببعض" منهم في القتال فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار، "والذين قتلوا" وفي قراءة قاتلوا، الآية نزلت يوم أحد وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات "في سبيل الله فلن يضل" يحبط "أعمالهم".

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله سبحانه "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿البقرة 279﴾ ولا موجب لإعلان الحرب من اللَّه ورسوله على من أصر على أكل الربا الا انه كافر، أو بحكم الكافر، حتى ولو أكله تهاونا لا جحودا. ولكن الروايات عن المعصوم قسمت أكل الربا إلى نوعين: الأول من يأكله مستحلا له، وهذا كافر من غير شك، لأنه قد أنكر ما ثبت بضرورة الدين. قبل للإمام جعفر الصادق عليه السلام: ان فلانا يأكل الربا ويسميه اللبأ. قال: لئن أمكنني اللَّه منه لأضربن عنقه. النوع الثاني: ان يأكله تهاونا بحكم اللَّه، مع الايمان بتحريمه، وهذا يستتاب أولا وثانيا فان أصر يقتل. فعن الإمام الصادق عليه السلام: (آكل الربا يؤدب بعد البينة، فان عاد أدب، فان عاد قتل). وقيل: يقتل في الرابعة. قوله تعالى "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ" (المائدة 64) إن كلمة الحرب وضعت أول ما وضعت للقتال، واستعملت في هذا المعنى قرونا طوالا، وبمرور الزمن تطورت، حتى أصبحت تدل الآن على ضد السلم والأمن والرخاء، فأي بلد يخشى على نفسه من احتلال دولة أقوى منه، أو ارتفعت أسعار المعيشة فيه لقتال في بلد من البلدان فهو في حالة حرب، وإن لم تسل الدماء على أرضه، لأنه قد تأثر بذاك القتال، وأفقده الكثير من أمنه وراحته.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: وتشير الآية في الختام إلى المساعي والجهود التي كان يبذلها اليهود لتأجيج نيران الحروب، وعناية الله ولطفه بالمسلمين في انقاذهم من تلك النيران المدمرة الماحقة، فتقول "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ" (المائدة 64). وتعتبر هذه الظاهرة إحدى معاجز حياة النّبي الأكرم محمّد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم، لأنّ اليهود كانوا الأقوى بين أهل الحجاز والأعرف بمسائل الحرب، بالإضافة إلى ما كانوا يمتلكون من قلاع حصينة وخنادق منيعة، ناهيك عن قدرتهم المالية الكبيرة التي كانت لهم عونا في كل صراع بحيث أن قريشا كانوا يستمدون العون منهم، وكان الأوس، والخزرج يسعى كل منهما إلى التحالف معهم وكسب صداقتهم ونيل العون منهم في المجال العسكري، لكنّهم فقدوا فجأة قدرتهم المتفوقة هذه وطويت صفحة جبروتهم دفعة واحدة، بشكل لم يكن متوقعا لديهم، فاضطر يهود بني النضير وبني قريظة وبني القينقاع إلى ترك ديارهم، كما استسلم نزلاء قلاع خيبر الحصينة وسكان فدك من اليهود خاضعين للمسلمين، وحتى أولئك الذين كانوا يقطنون في فيافي الحجاز منهم اضطروا إلى الخضوع أمام عظمة الإسلام، فهم بالإضافة إلى عجزهم عن نصرة المشركين اضطروا إلى ترك ميدان النزال والصراع. ثمّ تبيّن الآية أيضا أنّ هؤلاء لا يكفون عن نثر بذور الفتنة والفساد في الأرض فتقول "وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادا" وتؤكّد أيضا قائلة "وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (المائدة 64). قوله عز وجل "وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" ﴿الأنفال 16﴾ دبره: دبر اسم، الهاء ضمير، ومن يُوَلِّهم منكم ظهره وقت الزحف إلا منعطفًا لمكيدة الكفار أو منحازًا إلى جماعة المسلمين حاضري الحرب حيث كانوا، فقد استحق الغضب من الله، ومقامه جهنم، وبئس المصير والمنقلب. قوله جل جلاله "وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولً"ا ﴿الأحزاب 15﴾، و "فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ" ﴿الصافات 90﴾ ولقد كان هؤلاء المنافقون عاهدوا الله على يد رسوله من قبل غزوة الخندق، لا يفرُّون إن شهدوا الحرب، ولا يتأخرون إذا دعوا إلى الجهاد، ولكنهم خانوا عهدهم، وسيحاسبهم الله على ذلك.

الاسلام يتصف بانه تعامل مع النساء والاطفال والشيوخ وغير المشتركين في الحرب بالرعاية حتى خلال المعارك فكيف بخارج ميدان المعركة كما قال الله تعالى "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة 190). وتكرر عدم الاعتداء في آيات اخرى كما في الاية "وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (المائدة 87). وجاء في الحديث الشريف (فإذا كانت الهزيمة بإذن الله، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصِبوا معُوراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء). بينما نجد اليوم المنافقين الذين يدعون الاسلام زورا وبهتانا كيف يتعاملوا مع النساء من خوف واعتداء فهم لا يمثلون القرآن الكريم الذي اوصى بالاحسان للاسرى من النساء كما جاء في "ما ملكت ايمانكم" في الاية "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" (النساء 36) فالمختال الفخور هو الذي لا يحسن للسبايا وهؤلاء هم اهل الجاهلية من اتباع ابو لهب وابو سفيان. بل اكد على فك رقاب الرجال المحاربين السبايا فكيف بالنساء التي لم تشترك بالحروب "فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ" (البلد 11-13). وهذا كان في وقت الرق والسبايا في زمن الجاهلية وجاء الإسلام للقضاء على هذه الظواهر الجاهلية. ان ملكة سبأ التي قيل ان اسمها بلقيس قد شاورت الاخرين الذين معها ولم تتخذ القرار لوحدها. وكان رأيها حكيم بأن السلم أفضل عندما تكون الحرب مدمرة. ولم تستعجل بقراراتها كملكة بل طلبت ان تذهب مجموعة الى الملك سليمان عليه السلام لدراسة الوضع وصحة المعلومات. وبعد ان رأت حقيقة نبوءة سليمان عليه السلام لم تعاند واسلمت. وكل هذا يدل على ان المرأة لها الأهلية لتكون حاكمة " قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (النمل 44).

جاء في موقع الحرة عن ما معنى فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ للدكتور توفيق حميد: وجميع الآيات القرآنية الأخرى التي وردت فيها كلمة "الرقاب" في كتاب الله جاءت بمعنى الأسرى الذين كان يتم أخذهم كعبيد بعد الحروب وهي ما يلي: "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة 177). وآية "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (التوبة 60). والمعنى كما يتضح الآن في آية "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ" (محمد 4) أي أنه في هذه الحالة وفي وقت الحرب (لدفع العدوان) لا بد من فصل الأسرى (أو الرقاب) فلا يتم استخدامهم أثناء القتال كدروع بشرية. ولا يعنى ضرب الرقاب في الآية قتل الأسرى على الإطلاق، لأنه لا معنى لشد الوثاق بعد قتل الإنسان كما يتضح من الآية "حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ" (محمد 4) فشد الوثاق لا يكون إلا للحى حتى لا يهرب. ومعنى "أَثْخَنتُمُوهُمْ" في هذا السياق قد يعني أنهم أصبحوا غير قادرين على مواصلة العدوان والقتال وقد يعني في اللغة العربية "إقامة الحجة" عليهم في المناقشة (أو كما نسميه اليوم بالمباحثات الدبلوماسية). فكما جاء في معجم (لسان العرب) فإن الاثخان يعني أيضا إقامة الحجة الدامغة على الطرف الآخر فكما ذكر (لسان العرب) (وفي حديث عائشة وزينب لم أَنْشَبْها أي لم أتركها حتى أَثْخَنْتُ عليها أَي بالَغْتُ في جَوابِها وأَفْحَمْتها). ثم كيف يأمر القرآن بأن يتم المن على هؤلاء الأسرى أو مبادلتهم مع أسرى آخرين "فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً" إذا كان ضرب الرقاب يعنى القتل ويتضح من ذلك أن ضرب الرقاب تعنى فصل الأسرى لا ذبحهم. ويبدو أن المشهد كله في السرد القرآني للآية هو في مرحلة ما بعد نهاية الحرب وكيف يتم التعامل مع الأسرى. فكما جاء في القرآن الكريم "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (الانفال 70). ويؤكد هذا المعنى للآية وسياقها قوله تعالى بعد ذلك "حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا" فإن قتل الأسرى وذبحهم يزيد الحرب اشتعالا لا يطفئها، وعلى النقيض من ذلك فإن فصل الأسرى وعدم استخدامهم كدروع بشرية، والمن عليهم بعد ذلك هو ما يجعل الحرب تضع أوزارها لكي تطفأ نيران الحرب، وذلك يتفق مع إرادة الله للبشر أن يعيشوا في سلام مع بعضهم البعض: "ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ" (البقرة 208 ويتسق تماماً مع ما أمر به القرآن في معاملة الأسرى " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (الانسان 8-9).

في ليلة العاشر من محرم استطلع الامام الحسين عليه السلام التلاع والروابي، وامر بحفر خندق خلف الخيم ثم القوا فيه حطب لحرقه عند بدأ الحرب، وتصبح المجابهة من جهة واحدة. وقال ما قال ابي عبد الله قبل المعركة (لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد). ومن دلالات صبره عليه السلام فانه لم يبدأ اعدائه الحرب رغم محاصرته وعياله لايام وعطشهم ولم يرضخ لمطالب الظالم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (ال عمران 200). لم يطع الامام الحسين عليه السلام الظالم الاثم يزيد "فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا" (الانسان 24) بل اوجب اللعن عليه " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" (هود 18). وفي معركة الطف بدأ معسكر ابن سعد الحرب فرموا السهام فقال الامام الحسين عليه السلام لاصحابه (قوموا رحمكم الله الى الموت). واول من قتل من اصحابه مسلم بن عوسجة او الحر الرياحي. وأول شهيدة ام وهب. وشهدت كلمته عليه السلام المشهورة مخاطبا الاعداء (الا وان الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك، هيهات مني الذلة) بانه لا يقبل الذل وانما هو اب العزة والاباء متبعا ايات القرآن "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا" (فاطر 10) و "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (المنافقون 8) حيث يزيد امير المنافقين لا علم له بان الحسين امير مؤمنين زمانه يعلم لمن العزة وكما قال الشاعر حيدر الحلي وسامته يركبُ إحدى اثنتين * وقد صرّت الحربُ أسنانها فأمّا يُرى مذعناً أو تموت * نفس أبي العز إذعانها. يقول السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه مراسم عاشوراء عن الضرر والهلاك في النصوص والآثار: قوله تعالى "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً" (الكهف 6). وقال تعالى: "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (الشعراء 3) فهو صلى الله عليه وآله يعرض نفسه لأمور صعبة، تصل به إلى حد الهلاك، من أجل أناس يعلنون الحرب عليه، ويقتلون ذويه وأصحابه، ويفتكون حتى بمثل عمه حمزة، وعبيدة بن الحارث، وغيرهما ولو قدروا على قتله هو أيضاً، لاعتبروا ذلك من أعظم الأعياد عندهم. مع أن بإمكانه صلى الله عليه وآله أن لا يهتم لهذا الأمر. وهذا يشير إلى أن هذا المستوى من التعامل مع القضايا، أمر مسموح به، بل هو راجح، يستحق عليه رسول الله صلى الله عليه وآله هذه التسلية الإلهية، ولا يمكن أن يكون ما يفعله الرسول صلى الله عليه وآله من موارد لقبح العقلي، ولا هو محرم ذاتاً في أي حال من الأحوال.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك