الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: في ما يتعلق بصيغة الأمر والنهي المراد بصيغة الامر في كلماتهم هي هيئة فعل الامر ثلاثيا كان أو غيره. والحق بها لام الامر الداخلة على الفعل المضارع، لاتحادهما فيما هو المهم من محل الكلام، وهو الدلالة على الطلب والالزام، أما النهي فلا هيئة تخصه، وإنما يستفاد من لا الناهية، كما يستفاد الامر من اللام. وقد ذكروا لصيغة الامر معاني متعددة، كالطلب الذي هو الشايع من موارد استعمالها والإباحة، كقوله تعالى: "وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا" (المائدة 2). كما يجري نظيرها في لام الامر. بل في لا الناهية، حيث تصلح للاستعمال في تلك المعاني، مع استبدال الطلب بالنهي. وقد وقع الكلام بينهم في اشتراكها بين المعاني لفظا، أو اختصاصها بالأول مع كونها مجازا في الباقي. وإن كان الظاهر تبعا لجمع من المحققين أنها موضوعة لنحو نسبة خاصة لا تخرج عنها إلى غيرها في مقام الاستعمال، لا حقيقة ولا مجازا، واختلاف المعاني المذكورة لها راجع لاختلاف دواعي الاستعمال، فكما أن القضية الحملية تستعمل تارة بداعي الاخبار والحكاية، وأخرى بداعي الاستهزاء والسخرية، مع عدم خروج هيئتها عن معناها، كذلك الحال في المقام، وفي كثير من الهيئات والحروف على ما يشهد به التدبر في المرتكزات الاستعمالية. والنسبة المذكورة حيث كان من المعاني الحرفية التي سبق اختلافها سنخا مع المعاني الاسمية فلا يكون شرحها بالاسم، كالطلب والبعث والزجر ونحوها إلا لفظيا لضيق التعبير على ما سبق في مبحث المعنى الحرفي. ولعل الأنسب التعبير عن النسبة التي تؤديها هيئة الامر ولأمه بالنسبة البعثية، دون الطلبية، لأنها أقرب ارتكازا للبعث الصاد من الباعث والقائم بين المبعوث والمبعوث إليه منها إلى الطلب القائم بالطالب والامر المطلوب، وليس المطلوب منه إلا آلة له من دون أن يكون طرفا له. وبهذا كانت مقابلة ل لا الناهية التي يكون الأنسب التعبير عن النسبة التي تؤديها بالنسبة الزجرية، لقيام الزجر بالمزجور عنه، وليس الزاجر إلا فاعل له.
جاء في المحكم في أصول الفقه لآية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: لا إشكال في أن التذكية فعل للمكلف يقتضي استناد الذكاة إليه، وإنما الاشكال في أنها متحدة مفهوما مع الذبح ونحوه بحيث تكون الذكاة هي الانذباح، وهو فعل المكلف بالمباشرة، فتكون أمرا مركبا، كغسل الثوب من البول مرتين، أو أن صدقها على الذبح ونحوه بلحاظ كونه سببا للذكاة فهي فعل المكلف بالتسبيب، وتكون أمرا بسيطا مفهوما، كالتطهير المترتب على غسل الثوب، والآية الكريمة ونحوها من الاستعمالات الشرعية لا تنهض بإثبات الأول، لصحة النسبة في الثاني أيضا بلا تجوز. نعم، قد يستشهد لما ذكروه بما في كلام غير واحد من اللغويين من أنها الذبح، كما في الصحاح، ولسان العرب، والقاموس وغيرها، أو الذبح والنحر، كما في نهاية ابن الأثير، ومجمع البحرين. لكن من القريب تسامحهم في التعريف المذكور بأن يكون ذكرهم الذبح والنحر من حيث كونهما موجبين للتذكية وسببا لها، لا لاتحادهما معها مفهوما، كما يشهد به ما في مفردات الراغب: (وذكيت الشاة ذبحتها، وحقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية. لكن خص في الشرع بإبطال الحياة على وجه، دون وجه) فإنه صريح في أن اطلاق التذكية على الذبح من حيث كونه سببا لها. ويؤيده عدم مناسبة الذبح والنحر مفهوما لبقية المعاني المذكورة لمادة التذكية، من ذكاء النار، وذكاء الفهم وذكاء الرائحة ونحوها، لبعد الاشتراك جدا. ويشهد بما ذكرنا أيضا ما في لسان العرب عن بعضهم: (وأصل الذكاة في اللغة كلها إتمام الشئ، فمن ذلك الذكاء في السن والفهم، وهو تمام السن. قال: وقال الخليل: الذكاء في السن أن يأتي على قروحه سنة، وذلك تمام استتمام القوة)، وقريب منه في مجمع البيان. وكأن إطلاق التذكية على الذبح والنحر بلحاظ ذلك، كما يشهد به ما في لسان العرب: (يقال: ذكيت النار إذا أتممت إشعالها. وكذلك قوله تعالى: "إلا ما ذكيتم" (المائدة 3) ذبحه على التمام) وقريب منه ما عن ابن الأنباري، وحيث أنه لا معنى لتمامية الذبح إلا بلحاظ ترتب الأثر المطلوب عليه، تعين كون إطلاق التذكية عليه بلحاظ ترتب أثره المطلوب منه من رفع خباثة الموت وقذارته المرتكزة في أذهان العرف والمتشرعة. وبالجملة: لا مجال للاستشهاد بما ذكره اللغويون على أن التذكية مفهوما نفس الذبح والنحر مع تمام ما يعتبر شرعا، بل تنزيل كلامهم على كون هذه الأمور سببا لها قريب جدا. بل مقتضى الجمود على ما تقدم منهم كون جميع ما اعتبر شرعا من القيود زيادة على الذبح والنحر خارجا عن التذكية زائدا عليها، لا مقوما لها كما ادعاه من عرفت بل يلزم كون إطلاق التذكية والذكاة في غير مورد الذبح والنحر كما في صيد البر والبحر والجراد وقتل الحيوان الممتنع شرعيا تنزيليا لا حقيقيا، ولا يمكن الالتزام بذلك. فلابد إما من تنزيل كلام اللغوين على ما تقدم، أو البناء على تصرف الشارع في معنى التذكية والخروج بها عما ذكروه. فالذي ينبغي أن يقال: الظاهر أن الذكاة عند الشارع نحو من الطهارة، كما يشهد به التأمل في الاستعمالات الشرعية الكثيرة، مثل ما في غير واحد من النصوص من إطلاق الذكي على ما لا تحله الحياة من أجزاء الحيوان، وما عن الباقر عليه السلام: (ذكاة الأرض يبسها)، وما عن أمير المؤمنين عليه السلام: (غسل الصوف الميت ذكاته)، وما في صحيح الحلبي، سألته عن الثنية تنفصم وتسقط أيصلح أن تجعل مكانها سن شاة؟ قال: (إن شاء فليضع مكانها سنا بعد أن تكون ذكية)، وما في غير واحد من النصوص من إطلاق الذكي على الجلد، مثل ما ورد في الكيمخت والخفاف والفراء المأخوذة من المسلمين، وما ورد من إنكار ما عليه بعض العامة من أن دباغ جلد الميتة ذكاته، ومثلها ما تضمن إطلاقه على المسك، وغير ذلك مما يظهر منه أن الذكاة نحو من الطهارة والنظافة.
عن كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: أن الوجه هو الالتزام بأن الموضوع له هو خصوص الاجزاء والشرائط الشخصية الثابتة في حق القادر المختار، العالم العامد، من دون حاجة إلى فرض جامع عنواني بسيط بينها، وليس ما ثبت في حق غيره من أفراد المسمى الحقيقة، بل هو بدل مسقط عنه. نعم، قد تكون حقائق متشرعية ناشئة عن توسع المتشرعة في استعمال الألفاظ فيها بسبب ترتب الأثر المهم عليها، وكثر ذلك منهم حتى صارت حقائق عندهم، لكل لا بلحاظ انتزاعهم الجامع بينها وبين المعنى التام بل بلحاظ وضعهم لافراد الناقص لمشاركتها للموضوع له الأصلي في مناط التسمية عندهم، نظير الوضع العام والموضوع له الخاص الذي لا يفرض فيه قدر جامع في مقام الاستعمال في الافراد. ويشكل ما ذكره من وجون: أولها: أن الاجزاء والشرائط الثابتة في حق القادر المختار العالم العامد مختلفة في أنفسها باختلاف الأوقات والحالات والافراد فتختلف اليومية في أفرادها وفي حالتي الحضر والسفر، كما تختلف عن بقية الفرائض، وتختلف الفرائض عن النوافل، والنوافل فيما بينها، وتختلف أقسام الحج والعمرة، إلى غير ذلك، فلو أمكن فرض القدر الجامع بين الافراد المختلفة أمكن فرضه بينها وبين ما ثبت في حق الشخص المذكور. ثانيها: أن دعوى كون الوضع أو الاستعمال في لسان المتشرعة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص مخالفة للمرتكزات الاستعمالية القطعية، حيث لا إشكال في ملاحظة القدر الجامع عند الاستعمال، كما في المثنى والجمع والاستعمال في الماهية. بل دعوى ذلك في لسان الشارع الأقدس أهون من دعواه في لسان المتشرعة، لان إدراك المستعمل فيه في لسانه بالتبادر بضميمة أصالة تشابه الأزمان، وفي لسانهم بالوجدان غير القابل للتشكيك. وثالثها: أن التزام عدم إطلاق العناوين المذكورة في لسان الشارع على ما ثبت في حق المضطر غريب حدا لا يناسب الآيات والنصوص، فقد صدرت آية التميم بقوله تعالى: "إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ" (المائدة 6)، إلى غير ذلك مما يتضح بأدنى نظرة في الاستعمالات. ومن الغريب جدا التزامه بأن ثبوت الاجزاء والشرائط غير المتعذرة في حق من يكتفى منه بالعمل الاضطراري من بعض الجهات ليس لاطلاق أدلتها لان موضوعها المسمي، وهو مصوص التام بل للاجماع على ثبوت تلك الأجزاء في حق من لم تتعذر عليه. وأما ما ذكره من امتناع فرض الجامع المركب الحاكي عن الاجزاء والشرائط الشخصية، فقد أورد عليه سيدنا الأعظم قدس سره بإمكان كون الجامع مركبا ينطبق على القليل والكثير بأن يكون القليل في بعض الأحوال واحدا لجهات يكون بها مصداقا للمفهوم المركب بعين مصداقية الكثير له، فكما جاز أن يكون التراب أحد الطهورين عند فقد الماء جاز أن يكون القليل قائما مقام الكثير في فرديته للجامع بلا قصور فيه. نعم، جعله مركبا من خصوص الاجزاء المعنونة في كلماتهم من التكبير والقراءة ونحوهما مانع من انضباطه بنحو يصدق على القليل والكثير صحيحين، لكن لا ملزم به في مقام تصوير الجامع ثبوتا.
https://telegram.me/buratha