الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن عروشها: "عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّه" ﴿البقرة 259﴾ عُرُوشِهَا: عُرُوشِ اسم، هَا ضمير. عروشها: سقوفها، أي خلت و خرّت أركانها. ومن معاني "عرش": البيت يستظل فيه، و القصر. و العروش و العريش: البناء. أو هل رأيت أيها الرسول مثل الذي مرَّ على قرية قد تهدَّمت دورها، وخَوَتْ على عروشها، فقال: كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام، ثم ردَّ إليه روحه، وقال له: كم قدر الزمان الذي لبثت ميتًا؟ قال: بقيت يومًا أو بعض يوم، فأخبره بأنه بقي ميتًا مائة عام، وأمره أن ينظر إلى طعامه وشرابه، وكيف حفظهما الله من التغيُّر هذه المدة الطويلة، وأمره أن ينظر إلى حماره كيف أحياه الله بعد أن كان عظامًا متفرقة؟ وقال له: ولنجعلك آية للناس، أي: دلالة ظاهرة على قدرة الله على البعث بعد الموت، وأمره أن ينظر إلى العظام كيف يرفع الله بعضها على بعض، ويصل بعضها ببعض، ثم يكسوها بعد الالتئام لحمًا، ثم يعيد فيها الحياة؟ فلما اتضح له ذلك عِيانًا اعترف بعظمة الله، وأنه على كل شيء قدير، وصار آية للناس. قوله سبحانه "وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا" ﴿الكهف 42﴾ عُرُوشِهَا: عُرُوشِ اسم، هَا ضمير. عروشها: سقوفها، أي خلت و خرّت أركانها. خاوية على عُرُوشها: ساقطة على سُقوفها التي سَقطت ومن معاني "عرش": البيت يستظل فيه، و القصر. و العروش و العريش: البناء. وتحَقَّقَ ما قاله المؤمن، ووقع الدمار بالحديقة، فهلك كل ما فيها، فصار الكافر يُقَلِّب كفيه حسرةً وندامة على ما أنفق فيها، وهي خاوية قد سقط بعضها على بعض، ويقول: يا ليتني عرفت نِعَمَ الله وقدرته فلم أشرك به أحدًا. وهذا ندم منه حين لا ينفعه الندم. قوله تبارك وتعالى "فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ" ﴿الحج 45﴾ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا: سقطت حيطانها على سقوفها. فكثيرًا من القرى الظالمة بكفرها أهلكنا أهلها، فديارهم مهدَّمة خَلَتْ مِن سكانها، وآبارها لا يُستقى منها، وقصورها العالية المزخرفة لم تدفع عن أهلها سوء العذاب.
جاء في التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى "وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيهِ عَلي ما أَنفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلي عُرُوشِها وَ يَقُولُ يا لَيتَنِي لَم أُشرِك بِرَبِّي أَحَداً" (الكهف 42) قوله "وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ" معناه هلكت ثمرهم عن آخرها، و لم يسلم منها شيء کما يقال أحاط بهم العدو إذا هلكوا عن آخرهم و الاحاطة ادارة الحائط علي الشيء. و منه قوله "وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِن عِلمِهِ" (البقرة 256) أي لا يعلمون معلوماته، و الحد محيط بجميع الحدود. و قوله "فَأَصبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيهِ عَلي ما أَنفَقَ فِيها" (الكهف 42) أي يتحسر علي ما أنفق في عمارتها «وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلي عُرُوشِها» معناه حيطانها قائمة لا سقوف عليها، لأنها انهارت فصارت في قرارها، و خوت فصارت خاوية من الأساس. و مثله قولهم وقعت: الدار علي سقوفها أي أعلاها علي أسفلها. و قيل خاوية علي بيوتها، و العروش الابنية أي قد ذهب شجرها و بقيت جدرانها، لا خير فيها. و قيل العروش السقوف، فصارت الحيطان علي السقوف. و قوله "وَ يَقُولُ يا لَيتَنِي لَم أُشرِك بِرَبِّي أَحَداً" (الكهف 42) اخبار منه تعالي عما يقول صاحب الجنة الهالكة، و انه يندم علي ما کان منه من الشرك باللّه. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ" (الحج 45) بعد ان قال سبحانه، انه يمهل الكافرين إلى أجل مسمى أشار إلى إهلاك القرى الظالم أهلها، وهي كثيرة كما تشعر كلمة كأين. وتقدم مثله في الآية 3 من سورة الأعراف ج 3 ص 301 "فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها" (الحج 45) تقدم في الآية 259 من سورة البقرة ج 1 ص 405 والآية 42 من سورة الكهف "وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ". البئر المعطلة هي العامرة بالماء ولكن لا يستقي منها أحد، وقصر مشيد أي فخم، وهذا ترك أيضا من غير أهل، والقصد ان ديار الظالمين أصبحت مقفرة موحشة بعد ما كانت مأهولة تعج بالمقيمين والزائرين.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ" (الحج 45) ذكر سبحانه كيف عذب المكذبين، فقال: "فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا" أي: وكم من قرى أهلكناها وأخذناها. والاختيار التاء، وذلك لقوله: "فأمليت". "وَهِيَ ظَالِمَةٌ" أي: وأهلها ظالمون بالتكذيب والكفر. "فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا" (الحج 45) أي: خالية من أهلها، ساقطة على سقوفها. "وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ" عطف على قوله "من قرية" أي: وكم من بئر بار أهلها، وغار ماؤها، وتعطلت من دلائها، فلا مستقي منها، ولا وارد لها. "وَقَصْرٍ مَشِيدٍ" أي: وكم من قصر رفيع مجصص، تداعى الخراب بهلاك أهله، فلم يبق فيه داع ولا مجيب. وأصحاب الآبار ملوك البدو. وجاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: والمعنى: فكم من قرية أهلكنا أهلها حال كونهم ظالمين فهي خربة ساقطة جدرانها على سقوفها، وكم من بئر معطلة باد النازلون عليها فلا وارد لها ولا مستقي منها، وكم من قصر مجصص هلك سكانها لا يرى لهم أشباح ولا يسمع منهم حسيس، وأصحاب الآبار أهل البدووأصحاب القصور أهل الحضر.
جاء في كتاب عقاب الاعمال: قوله تعالى "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة 259) فيه باسناده إلى اسحاق بن عمار الصيرفي، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في حديث طويل يقول في آخره: وإن في جوف تلك الحية سبع صناديق فيها خمسة من الامم السالفة واثنان من هذه الامة، قال: قلت جعلت فداك: ومن الخمسة ومن الاثنان؟ قال: أما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل، ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه قال أنا احيي واميت، وفرعون الذي قال أنا ربكم الاعلى، و يهودا الذي هود اليهود، وبولس الذي نصر النصارى، ومن هذه الامة أعرابيان. أو كالذى مر على قرية: تقديره أو رأيت، فحذف لدلالة (ألم تر) عليه، و تخصيصه بحرف التشبيه، لان المنكر للاحياء كثير، والجاهل بكيفيته أكثر من أن يحصى، بخلاف مدعي الربوبية. وقيل: الكاف مزيدة، وتقدير الكلام: ألم تر إلى الذي مر. وقيل: أنه عطف محمول على المعنى، كأنه قيل: ألم تر كالذي حاج، أو كالذي مر. وقيل: إنه من كلام ذكره جوابا لمعارضته، تقديره: أو إن كنت تحيي فاحي كإحياء الله. ويؤيده ما روي عن الصادق عليه السلام: إن إبراهيم قال له: أحي من قتلته إن كنت صادقا. قال البيضاوي: الذي مر عزير بن شرحيا، أو الخضر، أو كافر بالبعث ويؤيده نظمه مع نمرود وفي مجمع البيان: أو كالذي مر، هو عزير، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام. وقيل: هو أرميا، وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام. أقول: أما ما روي أنه عزير فما روي عن علي عليه السلام أن عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة، فأماته الله مائة سنة ثم بعثه، فرجع إلى أهله ابن خمسين وله ابن له مائة سنة، فكان ابنه أكبر منه، فذلك من آيات الله. وما رواه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى محمد بن إسماعيل القرشي، عمن حدثه، عن اسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل وقد ذكر بخت نصر وأنه قتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريا وخرب بيت المقدس وتفرقت اليهود في البلدان، وفي سبعة و أربعين سنة من ملكه بعث الله عزوجل العزير نبيا إلى أهل القرى التي أمات الله عزوجل أهلها ثم بعثهم له، وكانوا من قرى شتى فهربوا فرقا من الموت فنزلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين وكان عزير يختلف إليهم ويسمع كلامهم وإيمانهم و أحبهم على ذلك وآخاهم عليه، فغاب عنهم يوما واحدا ثم أتاهم فوجدهم موتى صرعى فحزن عليهم وقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، تعجبا منهم حيث أصابهم وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد، فأماته الله عزوجل عند ذلك مائة عام، فهي مائة سنة، ثم بعثه الله وإياهم وكانوا مائ ألف مقاتل، ثم قتلهم الله عزوجل أجمعين لم يفلت منهم أحد على يدي بخت نصر.
https://telegram.me/buratha