الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن عرش: "إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" ﴿النمل 23﴾ عرش اسم، عَرْشٌ عَظِيمٌ: سرير عظيم تجلس عليه مزخرف بالذهب والجواهر. إني وجدت امرأةً تحكم أهل "سبأ"، وأوتيت من كل شيء من أسباب الدنيا، ولها سرير عظيم القدر، تجلس عليه لإدارة ملكها. قوله سبحانه " وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" ﴿الحاقة 17﴾ عرش اسم، فإذا نفخ المَلَك في "القرن" نفخة واحدة، وهي النفخة الأولى التي يكون عندها هلاك العالم، ورُفعت الأرض والجبال عن أماكنها فكُسِّرتا، ودُقَّتا دقة واحدة. ففي ذلك الحين قامت القيامة، وانصدعت السماء، فهي يومئذ ضعيفة مسترخية، لا تماسُك فيها ولا صلابة، والملائكة على جوانبها وأطرافها، ويحمل عرش ربك فوقهم يوم القيامة ثمانية من الملائكة العظام. في ذلك اليوم تُعرضون على الله أيها الناس للحساب والجزاء، لا يخفى عليه شيء من أسراركم.
جاء في تفسير القرآن المجيد المستخرج من تراث الشيخ المفيد للسيد محمد علي أيازي: قوله تعالى "وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" (النمل 23) قال الشيخ أبو جعفر الصدوق: اعتقادنا في العرش أنه حملة جميع الخلق. قال الشيخ أبو عبد الله المفيد: العرش في اللغة: هو الملك، قال الشاعر بذلك: إذا ما بنو مروان ثلث عروشهم * وأودت كما أودت أياد وحمير، يريد إذا ما بنو مروان هلك ملكهم وبادوا، وقال آخر: أظنت عرشك * لا يزول ولا يغير، عني أظننت ملكك لا يزول ولا يغير. وقال الله تعالى مخبراً عن واصفى (واصف) ملك ملكة سبأ: "وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" (النمل 23)، يريد لها ملك عظيم، فعرش الله تعالى هو ملكه، واستواؤه على العرش، هو استيلاؤه على الملك، والعرب تصف الاستيلاء بالاستواء، قال الشاعر: قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق، يريد به قد استولى على العراق. فأما العرش الذي تحمله الملائكة، فهو بعض الملك وهو عرش خلقه الله تعالى في السماء السابعة وتعبد الملائكة عليهم السلام بحمله وتعظيمه، كما خلق سبحانه بيتاً في الأرض وأمر البشر بقصده وزيارته والحج إليه وتعظيمه، وقد جاء الحديث: إن الله تعالى خلق بيتاً تحت العرش سماه البيت المعمور تحجه الملائكة في كل عام، وخلق في السماء الرابعة بيتاً سماه الصراح، وتعبد الملائكة بحجه والتعظيم له. والطواف حوله، وخلق البيت الحرام في الأرض وجعله تحت الضراح. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (لو ألقي حجر من العرش لوقع على ظهر البيت المعمور، ولو ألقى حجر من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام، ولم يخلق الله عرشاً لنفسه ليستوطنه، تعالى الله عن ذلك، لكنه خلق عرشاً أضافه إلى نفسه، تكرمة له، وإعظاماً، وتعبد الملائكة بحمله، كما خلق بيتاً في الأرض ولم يخلقه لنفسه ولا ليسكنه، تعالى الله عن ذلك كله، لكنه خلقه لخلقه، وأضافه لنفسه إكراماً له وإعظاماً، و تعبد الخلق بزيارته والحج اليه). فأما الوصف للعلم بالعرش، فهو في مجاز اللغة دون حقيقتها، ولا وجه لتأويل قوله تعالى: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه 5)، بمعنى أنه احتوي على العلم، وإنما الوجه في ذلك ما قدمناه. والأحاديث التي رويت في صفة الملائكة الحاملين للعرش أحاديث آحاد وروايات أفراد لا يجوز القطع بها ولا العمل عليها. والوجه الوقوف عندها والقطع على أن الأصل في العرش هو الملك، والعرش المحمول جزء من الملك. تعبد ال الله بحمله الملائكة على ما قدمناه.
جاء في کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: سأل بعض النصارى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال له: أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ أَيَحْمِلُ أَوْ يُحْمَلُ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: إِنَّ رَبَّنَا جَلَّ جَلَالُهُ يَحْمِلُ وَلَا يُحْمَلُ. قَالَ النَّصْرَانِيُّ: وَكَيْفَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَجِدُ فِي الْإِنْجِيلِ "وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" (الحاقة 17)، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحْمِلُ الْعَرْشَ وَلَيْسَ الْعَرْشُ كَمَا تَظُنُّ كَهَيْئَةِ السَّرِيرِ وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ مَحْدُودٌ مَخْلُوقٌ مُدَبَّرٌ وَرَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ مَالِكُهُ، لَا أَنَّهُ عَلَيْهِ كَكَوْنِ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِحَمْلِهِ فَهُمْ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ بِمَا أَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ النَّصْرَانِيُّ: صَدَقْتَ رَحِمَكَ الله. وقال الإمام الرضا عليه السلام: الْمَحْمُولُ مَا سِوَى الله ولَمْ يُسْمَعْ أَحَدٌ آمَنَ بِالله وعَظَمَتِهِ قَطُّ، قَالَ فِي دُعَائِهِ يَا مَحْمُولُ، قَالَ أَبُو قُرَّةَ فَإِنَّهُ قَالَ "وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" (الحاقة 17) وقَالَ "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ" (غافر 7) فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام: الْعَرْشُ لَيْسَ هُوَ الله والْعَرْشُ اسْمُ عِلْمٍ وقُدْرَةٍ وعَرْشٍ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، ثُمَّ أَضَافَ الْحَمْلَ إِلَى غَيْرِهِ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ لِأَنَّهُ اسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ بِحَمْلِ عَرْشِهِ وهُمْ حَمَلَةُ عِلْمِهِ. والعرش حقيقة وهو رمز الهيمنة والسلطان والعلم، والموضع الذي يتجلى فيه علم الله وقدره وقضاؤه وأمره للملائكة، الذين هم بدورهم يُمضون ما يؤمرون به، ولعل أهم حكمة لخلق العرش أنه تعالى قد أوكل إلى الملائكة إنفاذ مقاديره وتدبيره للخلق، وهو الذي لا يحده مكان ما كان لهم أن يتصلوا به، وكيف يتصل المخلوق المحدود بالخالق لولا خلق الأسماء والأشياء كالبيت الذي يكون مركز عبادته، والعرش الذي يكون مركز إدارته للكائنات وهيمنته. وقد أولت بعض النصوص الحملة في خير خلق الله قال الإمام الصادق عليه السلام (حَمَلَةُ الْعَرْشِ والْعَرْشُ الْعِلْمُ ثَمَانِيَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنَّا وأَرْبَعَةٌ مِمَّنْ شَاءَ الله)، وفي حديث آخر: حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ: أَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْآخِرِينَ، فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ مِنَ الْأَوَّلِينَ فَنُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى عليهم السلام، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ مِنَ الْآخِرِينَ فَمُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَمَعْنَى "يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ" (غافر 7) يَعْنِي الْعِلْمَ. وإذا كان الظاهر أن الملائكة هم الذين يحملون العرش فإن الباطن هو أولئك الذين خُلِقت الملائكة لأجلهم وهم الصفوة من عباد الله. أليس قد خلق الأشياء لأجل الإنسان، وأي إنسان أعظم من الأنبياء والأوصياء؟. قوله تعالى "قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ" (النمل 38) ثم التفت إلى من بحضرته من حاشيته، طالبا أن يتبرع أحدهم بإحضار عرش بلقيس قبل أن تأتي مستسلمة مع جماعتها. "قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ" (النمل 39) قال جني قوي بأنه يستطيع أن يحمل عرش بلقيس إليه قبل أن ينقضي مجلسه، الذي اعتاد أن يجلسه للقضاء بين الناس، أي في غضون ساعات، وأنه سيأتي بالعرش بعظمته دون أن يسرق من مجوهراته وزينته شيئا. كيف يقتدر الجن على حمل هذا العرش العظيم خلال ساعات من اليمن إلى فلسطين؟ هذا مما لم يتعرض له السياق القرآني، ولعل الأمثل بنا أن نتركه بعد أن نؤمن به إجمالا لعدم وجود ما يدلنا على استحالته.
جاء عن مركز الأبحاث العقائدية: السؤال: الرواية مروية في كامل الزيارات: الشريف لإبن قولويه والحديث طويل وأستقطع منه موضع الشاهد وهو: قلت: جعلت فداك: أخبرني عن الحسين لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئا؟ قال: يا ابن بكر ما أعظم مسائلك ؟ الحسين مع أبيه وامه وأخيه الحسن في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله يحيون كما يحيى ويرزقون كما يرزق فلو نبش في أيامه لوجد فأما اليوم فهو حي عند ربه ينظر إلى معسكره وينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله وإنه لعلى يمين العرش متعلق يقول: يا رب أنجز لي ما وعدتني وإنه لينظر إلى زواره وهو أعرف بهم وبأسمآئهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم وبمنزلتهم عند الله من أحدكم بولده وما في رحله وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له رحمة له ويسأل آباءه الاستغفار له ويقول: لو تعلم أيها الباكى ما اعد لك لفرحت أكثر مما جزعت ويستغفر له رحمة له كل من سمع بكاءه من الملائكة في السمآء وفي الحائر وينقلب وما عليه من ذنب. إنتهى. أريد أن أفهم معنى هذه العبارة معنى الحمل هنا أنا أعلم أن في القرآن الكريم هناك آية تقول: "والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" (الحاقة 17) ففي رواياتنا الشريفة قد ورد أن هؤلاء هم أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين أما الأولين فهم الأنبيآء اولي العزم وأما الآخرين فهم رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله الأطهار وأميرالمؤمنين علي بن أبيطالب عليهما أفضل الصلاة والسلام سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما أفضل الصلاة والسلام. و لكن ما معنى الحمل وما معنى نظرة سيد الشهدآء إلى العرش يعني الرواية تقول أن سيد الشهدآء سلام الله عليه ينتظر أمرا بحمل العرش وهو ينظر إلى العرش تارة ومرة ينظر إلى معسكره الشريف وهذا ما لا أقدر أن أصل إلى كنه معرفته وقد أعيتني ذلك. فلذا أرجوا منكم أن تساعدوني في فهم هذه العبارة قدر المستطاع ولا ينبئك مثل خبير. و عبارة أخرى تقول إن سيد الشهدآء سلام الله عليه متعلق على يمين العرش، ما معنى هذه الفقرة. الجواب: الرواية الواردة في ان الحسين عليه السلام من حملة العرش فقد روى الشيخ الكليني عن البرقي رفعه قال: سأل الجاثليق علياً عليه السلام: فأخبرني عن قوله تعالى: "وَيَحمِلُ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" (الحاقة 17) فكيف ذاك وقد قلت (هذا في جواب سابق للإمام عليه السلام في نفس المحاورة): إنه يحمل (أي الله) العرش والسماوات والأرض؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن العرش خلقه الله تبارك وتعالى من أنوار أربعة: نور أحمر منه أحمرت الحمرة ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أبيض منه أبيّض البياض. وهو العلم الذي حملّه الله الحملة وذلك نور من نور عظمته فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة....الخ. قال السيد الطباطبائي في الميزان (8: 163): ان الجاثليق أخذ الحمل بمعنى حمل الجسم للجسم وقوله عليه السلام الله حامل العرش والسماوات والأرض الخ أخذ الحمل بمعناه التحليلي وتفسير له بمعنى حمل وجود الشيء وهو قيام وجود الأشياء به تعالى قياماً تبعياً محضاً لا استقلالياً ومن المعلوم أن لازم هذا المعنى أن يكون الأشياء محموله له تعالى لا حاملة. ولذلك لما سمع الجاثليق ذلك سأله عليه السلام عن قوله تعالى: "وَيَحمِلُ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" (الحاقة 17) فإن حمل وجود الشيء بالمعنى المتقدم يختص به تعالى لا يشاركه فيه غيره مع أن الآية تنسبه إلى غيره ففسر عليه السلام الحمل ثانياً بحمل العلم وفسر العرش بالعلم. غير أن ذلك حيث كان يوهم المناقضة بين التفسيرين زاد عليه السلام في توضيح ما ذكره من كون العرش هو العلمأن هذا العلم غير ما هو المتبادر إلى الأفهام العامية من العلم وهو العلم الحصولي الذي هو الصورة النفسانية بل هل نور عظمته وقدرته حضرت لهؤلاء الحملة بإذن الله وشوهدت لهم فسمي ذلك حملاً وهو مع ذلك محمول له تعالى ولا منافاة كما أن وجود أفعالنا الحاضرة عندنا محمولة لنا وهي مع ذلك حاضرة عند الله سبحانه محمولة له وهو المالك الذي ملكنا إياها. انتهى. فمن خلال هذه البيانات المباركة من أمير المؤمنينعليه السلام يتضح المراد من كون الحسينعليه السلام حاملاً للعرش أو أنه على يمين العرش وغير ذلك من الألفاظ التي يستفاد منها حمل العلم الإلهي وهذا المعنى تدل عليه نفس الرواية الواردة في كامل الزيارات حين قالت: (وانه لينظر إلى زواره وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم). فهذا البيان التفصيلي للمعرفة التي عند الحسينعليه السلام يشير إلى حمله للعلم الإلهي الذي أُفيض عليه بهذه المعرفة.
https://telegram.me/buratha