الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة 22) "الذي جعل" خلق "لكم الأرض فراشا" حال بساطا يفترش لا غاية في الصلابة أو الليونة فلا يمكن الاستقرار عليها، "والسماء بناءً" سقفاً، "وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من" أنواع "الثمرات رزقاً لكم" تأكلونه وتعلفون دوابكم، "فلا تجعلوا لله أنداداً" شركاء في العبادة "وأنتم تعلمون" أنه الخالق ولا تخلقون، ولا يكون إلهاً إلا من يخلق. قوله سبحانه "وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ" (ص 37) "والشياطين كل بناءٍ" يبني الأبنية العجيبة "وغوَّاص" في البحر يستخرج اللؤلؤ. قوله عز وجل "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (غافر 64) "الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناءً" سقفا وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين.
جاء في كتاب تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً" (البقرة 22) و سمّي السماء سماء لعلوها علي الإرض، و علو مكانها من خلقه و کل شيء کان فوق شيء فهو لما تحته سماء لذلك. و قيل لسقف البيت سماء لأنه فوقه. و قال الزجاج: کل ما علي الإرض فهو بناء لامساك بعضه بعضاً، فيأمنوا بذلك سقوطها. فخلق السماء بلا عمد، و خلق الإرض بلا سند، يدل علي توحيده و قدمه، لأن المحدث لا يقدر علي مثل ذلك. أن سماء البيت لما کان قد يکون بناء و غير بناء: إذا کان من شعر او وبر، أو غيره. قيل جعلها بناء ليدل علي العبرة برفعها. و كانت المقابلة في الإرض و السماء بأحكام هذه بالفرش، و تلك بالبناء. فبناء السماء علي الإرض كهيئة القبة. قوله تعالى "وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَ غَوّاصٍ" (ص 37) فالغواص هو ألذي يغوص في الماء أي ينزل فيه تقول: غاص يغوص غوصاً فهو غائص و غوصه تغويصاً و کل الشياطين يغوصون له في البحار و غيرها من الأنهار بحسب ما يريد منهم و يبنون له الأبنية العجيبة الّتي يعجز النّاس عن مثلها. قوله سبحانه "اللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً" (غافر 64) أي و جعل السماء بناء مرتفعاً فوقنا و لو جعلهما رتقاً لما أمكن الخلق الانتفاع في ما بينهما.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً" (غافر 64) أي مستقرا تستقرون عليه "والسماء بناء" أي وجعل السماء بناء مرتفعا فوقها ولو جعلها رتقا لما أمكن الخلق الانتفاع بما بينهما. قوله تعالى "وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ" (ص 37) أي وسخرنا له الشياطين أيضا "كل بناء" في البر يبني له ما أراد من الأبنية الرفيعة "وغواص" في البحر على اللآلىء والجواهر فيستخرج له ما يشاء منها. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله سبحانه "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً" (غافر 64) وصف سبحانه الأرض في هذه الآية بكلمة قرار، وفي غيرها بكلمة مستقر وفراش ومهد ومهاد، والمعنى واحد. ووصف السماء في هذه الآية بالبناء، وفي غيرها بالسقف وذات البروج وذات الحبك، والمراد بالسقف التشبيه به لأنها تظهر للعيان مثله، وقال جماعة من المفسرين: ان المراد بالبروج النجوم، والحبك الطرق. أما البناء فالمراد به انه تعالى احكم خلقها وزينها بزينة الكواكب، كما في الآية 6 من سورة الصافات "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ". وقوله تعالى "وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ" (ص 37) لما يريده سليمان من محاريب وتماثيل وغيرها "وغواص" في البحر على اللآلئ والجواهر.
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ" (ص 37) معطوف على الريح أي: سخرنا له الريح تجرى بأمره.. وسخرنا له الشياطين. بأن جعلناهم منقادين لطاعته، فمنهم من يقوم ببناء المبانى العظيمة التي يطلبها سليمان منهم. ومنهم الغواصون الذين يغوصون في البحار ليستخرجوا له منها اللؤلؤ والمرجان، وغير ذلك من الكنوز التي اشتملت عليها البحار. قوله تعالى "وَالسَّماءَ بِناءً" (غافر 64) يقال لسقف البيت بناء أى: جعل السماء كالسقف للأرض، لأنها تظهر كالقبة المضروبة فوقها كما قال تعالى "وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ" (الانبياء 32). وقدم خلق الأرض على خلق السماء لأن الأرض أقرب إلى المخاطبين، وانتفاعهم بها أظهر وأكثر من انتفاعهم بالسماء. قال بعض الأدباء: (إذا تأملت هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منورة كالمصابيح، والإنسان كما لك البيت المتصرف فيه وضروب النبات مهيأة لمنافعه، وضروب الحياة مصروفة لمصالحه. فهذه جملة واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل، وتقدير شامل، وحكمة بالغة، وقدرة غير متناهية).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بنى في الإسلام بناء أحب إلى الله عز وجل، وأعز من التزويج. قال صلى الله عليه وآله: (رأيت في الجنة قصوراً تبنى، ثمّ أمسكوا عن البناء، فقلت: لم أمسكتم؟ قالوا: نفدت النفقة قلت: وما النفقة؟ قالوا: قراءة "قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ" فإذا أمسكوا عن القراءة، أمسكنا عن البناء). قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه في غزوة مؤته: (أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، إغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً).
https://telegram.me/buratha