الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (معن) "بماء معين" (الملك 30) أي ظاهر جار، و "كأس من معين" (الواقعة 18) أي من خمر يجرى من العيون، و "الماعون" (الماعون 7) في الجاهلية: كل منفعة وعطية، وفي الاسلام: الطاعة، والزكاة، وقيل: ما ينتفع به المسلم من أخيه كالعارية، والإعانة، وغير ذلك. والعين: عين الماء سميت عينا لأن الماء يعين منها أي يظهر جاريا و "ذات قرار ومعين" (المؤمنون 50) أي ماء ظاهر جار، و * "كأس من معين" (الواقعة 18) أي من خمر يجري من العيون، و "حور عين" (الواقعة 22) أي واسعات العيون، الواحدة: عينا.
وفي تفسير"وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" (المؤمنون 50) ان مريم وابنها اية واحدة وليست ايتين لانهما قضية واحدة وهي ان الانقاذ يحصل عند الصبر وتحمل الشدائد والاخلاص كاملا الى الله وحده. تذكر القصص القرآنية اخبار عن هجرة الانبياء منها مريم وابنها عيسى عليهما السلام. ومن كرامات مريم عند ولادة عيسى عليهما السلام ان الله سبحانه جعل الاشياء متوفرة لها في مكان او ربوة ذات قرار أي آمن"وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" (المؤمنون 50). وقد ورد ابن مريم 23 مرة في القرآن تأكيدا ان عيسى عليه السلام ولد بدون اب.
عن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ" (الواقعة 18) والكأس هو الإناء الذي فيه شراب، فإن لم يكن فيه شراب فهو قدح، وقد يسمى الشراب ذاته كأسا، فيقال: شربت كأسا، وذلك من باب تسمية الشيء باسم محله. و "معين" اسم فاعل من معن وهو صفة لكأس مأخوذ من عان الماء إذا نبع وظهر على الأرض. أى: يطاف على هؤلاء العباد المخلصين وهم في الجنة، بكأس ملئ بخمر لذة للشاربين، نابعة من العيون، وظاهرة للأبصار، تجرى في أنهار الجنة كما تجرى المياه في الأنهار. فالتعبير بقوله تعالى بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ يشعر بكثرتها، وقربها ممن يريدها. قوله سبحانه "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ" (المؤمنون 50) بيان لجانب مما أنعم به سبحانه- على عيسى وأمه. والربوة: المكان المرتفع من الأرض. وأصلها من قولهم: ربا الشيء يربو، إذا ازداد وارتفع، ومنه الربا لأنه زيادة أخذت على أصل المال. ومعين اسم مفعول من عانه إذا أدركه وأبصره بعينه، فالميم زائدة، وأصله معيون كمبيوع ثم دخله الإعلال. والكلام على حذف مضاف. أى: وماء معين. أى: ومن مظاهر رعايتنا وإحساننا إلى عيسى وأمه أننا آويناهما وأسكناهما، وأنزلناهما في جهة مرتفعة من الأرض، وهذه الجهة ذات قرار، أى: ذات استقرار لاستوائها وصلاحيتها للسكن لما فيها من الزروع والثمار، وهي في الوقت ذاته ينساب الماء الظاهر للعيون في ربوعها. قالوا: والمراد بهذه الربوة: بيت المقدس بفلسطين، أو دمشق، أو مصر. والمقصود من الآية الكريمة: الإشارة إلى إيواء الله تعالى لهما، في مكان طيب، ينضر فيه الزرع، وتطيب فيه الثمار، ويسيل فيه الماء ويجدان خلال عيشهما به الأمان والراحة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل "وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ" (المؤمنون 50) استعملت (الآية) عبارة (ابن مريم) بدلا من ذكر اسم عيسى عليه السّلام، لجلب الانتباه إلى حقيقة ولادته من أمّ دون أب بأمر من اللّه، و هذه الولادة هي بذاتها من آيات اللّه الكبيرة. و حمل مريم عليهما السّلام من غير أن يمسّها بشر، و انجابها عيسى عليه السّلام وجهان لحقيقة واحدة تشهد بعظمة اللّه سبحانه المبدعة و قدرته. ثمّ أشارت الآية إلى الأنعم الكبيرة التي أسبغها اللّه على هذه الامّ الزكيّة و ابنها فتقول: "وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ" (المؤمنون 50). (الربوة) مشتقّة من (الربا) بمعنى الزيادة و النمو. و تعني هنا المكان المرتفع. و (المعين) مشتقّ من (المعن) على وزن (شأن) بمعنى جريان الماء، فالماء المعين هو الماء الجاري. و يرى البعض أنّ (المعين) مشتق من (العين) أي نبع الماء الظاهر الذي يمكن مشاهدته بالعين المجرّدة. و في هذا إشارة مجملة إلى المكان الآمن الوارف البركات و الخيرات، الذي منّ اللّه عزّ و جلّ به على هذه الامّ و ابنها و جعلهما في أمان من شرّ الأعداء، يؤدّيان واجباتهما باطمئنان. و اختلف المفسّرون في هذا المكان، فبعض يرى أنّ مولد السيّد المسيح عليه السّلام كان في (الناصرة) (من مدن الشام). و قد جعله اللّه و أمّه في مكان آمن ذي خيرات، و حافظ عليه من شرّ الأعداء الذين أرادوا أن يكيدوا بعد علمهم بولادته و مستقبله. و يرى آخرون أنّ هذا المكان الآمن هو (مصر)، لأنّ مريم عليها السّلام و ابنها السيّد المسيح عليه السّلام عاشا فترة من حياتهما في مصر طلبا للنجاة من شرّ الأعداء. و قال غيرهم: إنّ المسيح عليه السّلام ولد في (دمشق)، و ذهب سواهم إلى أنّه في (الرملة) في الشمال الشرقي من القدس، حيث عاش المسيح و امّه عليهما السّلام في كلّ من هذه المناطق فترة من حياتهما. و يحتمل أن يكون مولد السيّد المسيح عليه السّلام في صحراء القدس، و قد جعله اللّه أمنا لهذه الامّ و الوليد، و فجرّ لهما ماء معينا و رزقهم من النخل الجافّ رطبا جليّا. و على كلّ حال، فقد كانت الآية دليلا على حماية اللّه تعالى الدائمة لرسله و لمن يدافع عنهم. و تأكيدا على أنّ إرادة اللّه هي الأقوى، فلو أراد الملأ كلّهم قتل رسوله دون إذنه لما تمكّنوا. فالوحدة و قلّة الأنصار و الأتباع لا تكون سببا لهزيمتهم إطلاقا.
https://telegram.me/buratha