الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن كلمة سويا: "فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" ﴿مريم 17﴾ سويا صفة، رُوحَنَا: رُوحَ اسم، نَا ضمير. سويّاً: كامل الخلق على هيئة البشر، أو سليماً غير أخرس ولا فيه علة. بَشَرًا سَوِيًّا: تام الخلق. رُوحَنَا: جبريل عليه السلام، فجعلت مِن دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن الناس، فأرسلنا إليها الملَك جبريل، فتمثَّل لها في صورة إنسان تام الخَلْق. قوله سبحانه "قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا" ﴿مريم 10﴾. قوله عز وجل "يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا" ﴿مريم 43﴾. قوله عز من قائل "أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" ﴿الملك 22﴾ يمشي فعل، سويا اي منتصب القامة لا يعثر، بينما مكبا اي متعثرا.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز من قائل "فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" (مريم 17) أي: فضربت من دون أهلها لئلا يروها سترا وحاجزا بينها وبينهم "فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا" يعني جبرائيل عليه السلام عن ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم وسماه الله روحا لأنه روحاني وأضافه إلى نفسه تشريفا له "فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" معناه: فأتاها جبرائيل فانتصب بين يديها في صورة آدمي صحيح لم ينقص منه شيء وقال أبومسلم : إن الروح الذي خلق منه المسيح تصور لها إنسان والأول هو الوجه لإجماع المفسرين عليه وقال عكرمة : كانت مريم إذا حاضت خرجت من المسجد وكانت عند خالتها امرأة زكريا أيام حيضها فإذا طهرت عادت إلى بيتها في المسجد فبينا هي في مشرقة لها في ناحية الدار وقد ضربت بينها وبين أهلها سترا لتغتسل وتمتشط إذ دخل عليها جبرائيل في صورة رجل شاب أمرد سوي الخلق فأنكرته.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى "فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" (مريم 17) ظاهر السياق أن فاعل"تمثل" ضمير عائد إلى الروح فالروح المرسل إليها هو المتمثل لها بشرا سويا ومعنى تمثله لها بشرا ترائيه لها، وظهوره في حاستها في صورة البشر وهو في نفسه روح وليس ببشر. وإذ لم يكن بشرا وليس من الجن فقد كان ملكا بمعنى الخلق الثالث الذي وصفه الله سبحانه في كتابه وسماه ملكا، وقد ذكر سبحانه ملك الوحي في كلامه وسماه جبريل بقوله: "مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ" (البقرة 97) وسماه روحا في قوله:"قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ" (النحل 102) وقوله: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ" (الشعراء 193-194) وسماه رسولا في قوله:"إنه لقول رسول كريم" (الحاقة 40)، فبهذا كله يتأيد أن الروح الذي أرسله الله إليها إنما هو جبريل. وأما قوله: "إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إلى أن قال قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (ال عمران 47). فتطبيقه على الآيات التي نحن فيها لا يدع ريبا في أن قول الملائكة لمريم ومحاورتهم معها المذكور هناك هو قول الروح لها المذكور هاهنا، ونسبة قول جبريل إلى الملائكة من قبيل نسبة قول الواحد من القوم إلى جماعتهم لاشتراكهم معه في خلق أوسنة أوعادة، وفي القرآن منه شيء كثير كقوله تعالىي "َقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ" (المنافقون 8)، والقائل واحد. وقوله:"وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ" (الانفال 32)، والقائل واحد. وإضافة الروح إليه تعالى للتشريف مع إشعار بالتعظيم، وقد تقدم كلام في معنى الروح في تفسير قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ" (الاسراء 85). ومن التفسير الردي قول بعضهم إن المراد بالروح في الآية عيسى عليه السلام وضمير تمثل عائد على جبريل. وهو كما ترى. ومن القراءة الردية قراءة بعضهم "روحنا" بتشديد النون على أن روحنا اسم الملك الذي أرسل إلى مريم، وهو غير جبريل الروح الأمين. وهو أيضا كما ترى.
جاء عن مركز الأبحاث العقائدية عن حقيقة المسيح في الاسلام للكاتب علي الشيخ: يذكر القرآن الكريم قصة ولادة المسيح عليه السلام الاعجوبية بنوع من التفصيل، فبينما كانت مريم عليها السلام تتعبد لله تعالى، واذا بملك وروح يظهر لها متمثلا بصورة بشرية، فذعرت مريم وخافت، فاستعاذت بالله لانقاذها، فقال لها الروح (و قيل انه جبرائيل عليه السلام) انما انا رسول من عند الله تعالى لأهب لك غلاماً زكياً، فاستغربت مريم كثيراً من هذا الكلام، لأنّها لم تقارب رجلا لا في الحلال (الزواج) ولا في الحرام والعياذ بالله (الزنا). فقال لها الملاك حينئذ ان حمل امرأة من غير مقاربة مع رجل وإن كان امراً فوق العادة ولكنه هيّنٌ على الله تعالى، والحكمة في ذلك أن يكون هذا الطفل المعجزة آية للناس، وقد ذكر القرآن هذه المحاورة بين مريم والروح في قوله تعالى في سورة مريم: "فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً * قَالَ كَذلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مقْضِيّاً" (مريم 17-21). و كذلك ذكر سبحانه وتعالى هذا الحوار في موضع اخر فى كتابه المنزل حيث قال: "إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الْدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذلِكَ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (ال عمران 45-47). و اما كيفية الحمل فالقرآن الكريم يشير الى أن ذلك كان بالنفخ من روح الله عن طريق الفرج، قال تعالى: "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا" (التحريم 12). وقوله تعالى:"وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الانبياء 19) والنفخ فيها من الروح كناية عن عدم استناد ولادة عيسى عليه السلام إلى العادة الجارية في كينونة الولد من تصور النطفة أولاً ثم نفخ الروح فيها، فإذا لم يكن هناك نطفة مصوّرة لم يبق إلاّ نفخ الروح فيها وهي الكلمة الالهية كما قال تعالى: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (ال عمران 59) أي مثلهما واحد في استغناء خلقهما عن النطفة. و اما مدة الحمل فقد اختلف فيه، وقد يُستفاد من آيات القرآن الكريم وفى بعض الروايات أن الحمل بالمسيح عليه السلام لم يكن تسعة اشهر كما هو المتعارف بل كان وقتاً قصيراً مخالفاً للعادة. و قد ورد في الروايات أن حمل مريم بعيسى عليه السلام كان تسع ساعات لاتسعة اشهر، فقد ورد عن الامام جعفر الصادق عليه السلام: (أن مريم حملت بعيسى تسع ساعات كل ساعة شهر). ثم ان في القرآن الكريم عطفاً بالحمل والولادة، قال تعالى: "فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً" (مريم 22). ما يدل على السرعة في ذلك لاعلى البط والتراخي. ولكن هناك بعض الروايات تؤكد أن مريم حملت بالمسيح عليه السلام فترة ستة اشهر، فقد ورد في اصول الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال: لم يولد لستة أشهر الاّ عيسى. بن مريم والحسين بن علي. و قيل ثمانية أشهر، وكان ذلك آية وذلك انه لم يعيش مولود وضع لثمانية أشهر غيره ويعلق عبد الوهاب النجار على هذه الآراء بقوله: (لأن أمره في الحمل لما كان عجيباً أرادوا أن يجعلوه في مدة الحمل أيضاً عجيباً، وليس في أيدينا ما يثبت العجيبة مدة الحمل، فالأليق أن يحمل على الأمر الطبيعي الذي جرت العادة بمثله).
https://telegram.me/buratha