الصفحة الإسلامية

فاطمة الزهراء.. الكوثر الذي لا ينبض


* د.جميل ظاهري

 

كثيراً ما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته وأصحابه البررة بحق فاطمة أمام القوم وبسبق الإصرار بأمر الله سبحانه وتعالى، ومنها قوله: "إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها"، "فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي"، و"لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً" - الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس وكشف الغمة، ج1، ص506.. وروي عن عائشة انها قالت :(كُنا نخيط ونغزلُ وننظم الابرة بالليل في ضوء وجه فاطمة)- ينابيع المودة ج 1 باب 55 ، الصواعق المحرقه باب 11 الفصل الأول مقصد 2.. كما روى الهيثمي بإسناده عن عائشة، أنها سُئلت أي الناس أحبُّ الى رسول الله فقالت: فاطمة، وقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها (علي).

هي فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشية. أبوها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وخاتم الأنبياء والمرسلين، ووالدتها خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية خير نساء العالمين وأم المؤمنين كما سماها الصادق الأمين، ولقبها الزهراء والبتول، والصديقة والمباركة والطاهرة والراضية والمرضية وكنيتها أم الحسن وأم الحسين، وكان يطلق عليها النبي "أم أبيها"، كما نص عليه الكثير من كبار العلماء والمحدثين حيث الكنية العظيمة وذات المعاني الكثيرة الكبير التي تدل على أفضلية مكانتها بين نساء العالمين خاصة على نساء النبي صلوات الله عليه، فإذا كانت النساء أمهات المؤمنين فهي أم أبيها، وهي أصل شجرة النبوة - ذكره الرحماني في كتابه (بهجة قلب المصطفى، ص 204 و205)، والطبراني في "المعجم الكبير" (22 / 397)، والحافظ ابن حجر في "الإصابة" (14/ 87) والذهبي في "تاريخ الإسلام" (2 / 29).

عجز الواصفون والكتاب والمفكرون والعلماء والفلاسفة عن وصف شخصية سيدتنا فاطمة الزهراء فلذة كبد رسول العالمين ورحه التي بين جنبيه صلوات اله وسلامه عليه وعليها تلك التي بشر بها الله سبحانه وتعالى حبيبه في القرآن الكريم{إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ}.. رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً ونيف على ولادتها وحياتها المباركة، ورغم أنهم أبدوا آراءهم عنها حيث أنصفها البعض ببعض من جوانبها وهم يعرفون أنهم مهما كتبوا عنها عليها السلام لم يفوا بمقدار قليل مما قدمته من خدمات جليلة وكبيرة وعظيمة في تثبيت الدين الإسلامي الحنيف حيث كانت السد المنيع الأول للحؤول دون انحراف الأمة بعد رحيل خاتم المرسلين حيث قيام فتنة "رزية الخميس" وما دار ونتج عن "سقيفة بني ساعدة" ومساعي القوم للعودة بالأمة الى عهد الجاهلية والشرك والضلال والقبلية والعصبية، فما كان منها سلام الله عليها إلا أن جعلت مطالبتها بإرثها المغتصب عنواناً صريحاً لغصب حق ابن عمها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام في الخلافة بعد النبي دون فصل.

شاء الله عزَّ وَجلَّ أن تكون سيدتنا فاطمة الزهراء بنت خاتم المرسلين محمد الأمين صلوات الله وسلامه عليهما، فريدة في سجاياها ومناقبها وخصائصها وأدوارها وحتى في ظُلامتها، فأصبحت عليها السلام متميزة في كل شيء، فاجتباها ربها لأن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.. وتبعاً لهذا الإجتباء والإصطفاء نرى أن أباها الذي { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}- النجم 3و4، قد أولاها من التقدير والاحترام والاهتمام ما لم يولِ أحداً سواها وسوى زوجها علي بن أبي طالب عليه السلام، كل ذلك بتدبير رباني وحكمة إلآهية ليُعرف قدرها ومنزلتها الفريدة، ولكي لا ينافسها أحدٌ في ما خصَّها الله تعالى.

فاطمة هي فاطمة، وما أدراك ما فاطمة عليها السلام التي نعيش هذه الأيام ذكرى ولادتها المباركة..هي الزهراء، الحوراء، الأنسية، الزكية، الراضية، الطاهرة، المباركة، المحدثة، الكوثر، أم أبيها، سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها و.. هي المعين للحرية والمطالبة بالحقوق والعدالة والنضال ضد الظلم والعنف والتمييز، وجزء لا يتجزأ من نور الرسالة، ودعامة أساسية من دعامات إيمان الأمة التي أريد لها الانحراف وتصدت له بحياتها الثمينة، وغدت سيرتها الطاهرة وظلامتها تتصدر كل ظلامة في التاريخ البشري؛ وكل مسيرة رسالية جهادية.. فاطمة هي فاطمة وما أدراك ما فاطمة.. بذرة الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي جوهر أهل البيت عليهم السلام الطاهر الذي شاء الله عزّ وجلّ له أن يكون مشكاة نوره يسطع وهاجاً في ضمير الزمان لينير طريق الإنسان على امتداد الدهور.

تجلّت في فاطمة الزهراء عليها السلام التي نعيش هذه الأيام ذكرى مولدها المبارك، جميع الأبعاد المتصورة للمرأة المسلمة وللإنسان الحر الأبي الذي لا يهاب غير الله سبحانه تعالى.. لم تتمكن الحروف والكلمات والأقوال والأفكار والجهود التي قالوها وبذلوها من توصيف هذه الشخصية الفذة والفريدة في تأريخ البشرية جمعاء وطيلة القرون العديدة الماضية وتبين عظمة تلك المرأة الصابرة في المحن.. فقد صور الامام المغيب السيد موسى الصدر علم وعلوم فاطمة الزهراء بقوله: "أن الخطبة الشهيرة التي ألقتها بعد رسول الله صلوات اله وسذمه علیه وعلد آهل بیته وآصحابه المیامین« وبحضور كبار أصحابه في المسجد النبوي هي صورة رائعة عن عمق تفكيرها الاسلامي واتساع ثقافتها وقوة منطقها ورفعة أدبها، بالإضافة الى أنّ الخطبة في حدِّ ذاتها صوت الحق والجهر به، وهذا جهاد أكبر".

فاطمة هي فاطمة.. قائدة نموذجية ومثالية، والمرأة المناضلة صاحبة القضية والمدافعة عن انحراف الأمة وحرف الحقيقة وتزوير الحق وأكثرهم أكتراثاُ بمصير أمتها حيث جسدت الدور الحقيقي للمرأة القدوة والشاهدة تريد أن تخلق ذاتها بنفسها بنضالاتها الدائمة في مجتمعها عبر فکرها وسلوکها ومعيشتها ورسمت بأفضل الصور صيرورة المرأة الكاملة والواعية والعارفة والحكيمة والمؤمنة الصبورة. وأضحت فاطمة الزهراء (ع) طيلة القرون الطويلة الماضية من استشهادها نبراساً للصمود والمقاومة والتضحية والفداء والتصدي للظلم والزور والتزوير، فعاشها المقاومون والضعفاء والمظلومين عبر الزمن ورفعوا أسمها المبارك تعبيراً عن مطالبتهم بحقوقهم المغتصبة والمنزوعة على يد الفراعنة والجبابرة والديكتاتوريات السلطوية هنا وهناك وأضحت (ع) مناراً للحرية والعدالة ومنبراً لردع الظلم والطغيان والعصيان الألهي فكانت تكبر وتكبر ويكبر ذكرها الجلي واسمها المبارك على مر العصور والقرون وترادف الأحداث المؤلمة لأهل بيت الوحي والتنزيل وأتباعهم، وتحت الهراوات المدماة لخلفاء الجور وأمراء الظلم وحكام الطغيان وسلاطين العصيان، لتضحى بلسماً لجروح کل المقهورين والمحرومين والمضطهدين ليس من المسلمين فحسب بل من سائر الملل والنحل والأديان والعقائد والأفكار هنا وهناك.

أضحت وديعة رسول رب العالمين وخامسة أهل العبا وستر الله الكبرى ووديعته التي أوصى بها وبأهل بيتها خيراً { إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي كِتَابَ اَللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ} - رواه العشرات من كبار محدثي القوم منهم صحيح مسلم وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن الدارمي ومسند أحمد بن حنبل.. بعده انتهكوه بفعلتهم الشنيعة فالتحقت الى ربها وهي محترقة القلب، باكية العين، مضطهدة مظلومة، ممنوعة إرثها، مغصوبة حقها، مكسورة الضلع، مقتولة الجنين وهي واجدة على أبو بكر وعمر بعدما هجرتهما في حياتها كما روي عن عائشة، وجاء في صحيح البخاري: 4 / 96(كتاب فرض الخمس)، والطبقات الكبرى لابن سعد: 2 / 315 و8 / 28، ومسند أحمد: 1 / 6، وبما معناه في 1 / 214، 2 / 353، ووفاء الوفاء للسمهودي: 3 / 995 و996، ومسند أبي عوانة: 4 / 251 ح6679، والمصنف لعبد الرزاق: 5 / 472 ح 9774، وتاريخ الطبري: 2 / 236 وغيرهم.

"لقد عاشت فاطمة الزهراء عليها السلام حياتها من اجل الاسلام فكان دفاعها عن حق آل بيت النبوة والرسالة في الخلافة وحقها في الإرث (نحلتها فدك) ليس من منطلق شخصي وهي تعرف أنها أول من يلحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن صراعها جرى برمته من اجل الاسلام والطريق القويم والالتزام بما جاء بكتاب الله المجيد فمثلما بدأت حياتها بالإسلام وختمته بالاسلام، تاركة لنا أثرا يبقى بقاء الأرض ومن يرثها متمثلاٌ بأئمة الهدى وسنة أبيها خاتم المرسلین وعطائها المتمثل بخطبتها الشريفة المعروفة بالخطبة الفدكية" - الملل والنحل للشهرستاني.

ولأيّ حال لحّدت * * * في الليل فاطمة الشريفة

ولما حمت شيخيكم * * * عن وطئ حجرتها المنيفة

أوه لبنت محمد * * * ماتت بغصّتها أسيفة

الغوا بها نص الكتاب * * * و مزّقت منها الصحيفة

و بنحلة الهادي استبدّوا * * * إذ زووا إرث الشريفة

** من قصيدة للقاضي محمد بن عبد الرحمن بن قريعة البغدادي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك