الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهديّ والمسيح للمؤلف محمد باقر الإلهي القمّي عن عصمة المهدي عليه السلام: أنّ المهدي عليه الصلاة والسلام معصوم أيضاً كالمسيح بن مريم. أمّا على مذهب أهل الحقّ فظاهر غاية الظهور. وأمّا على مذهب مخالفيهم: فإن أُريد عصمته في الاَحكام فإنّ ذلك حاصل له. قال الشيخ محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكّيّة: إنّه يحكم بما ألقى إليه مَلَك الاِلهام من الشريعة، وذلك بأن يلهمه الشرع المحمّـدي فيحـكم به كمـا أشـار إليه حـديث: (المهـديّ يقفـو أثـري لا يخطئ) فعرَّفَنا صلى الله عليه وآله وسلم أنّه مُتَّبِع لا مبتدع، وأنّه معصوم في حُكْمه، إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلاّ أنّه لا يخطئ، وحكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يخطئ، فإنّه "لا ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى" (النجم 4-5) وقد أخبر عن المهديّ أنّه لا يخطئ، وجعله ملحقاً بالاَنبياء في ذلك الحكم. قلت: وقضية كونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يثبت له ما كان ثابتاً له صلى الله عليه وآله وسلم في الجملة، ومنه العصمة في الاَحكام، وهذا ظاهر جليّ، فلا وجه لتخصيص العصمة بعيسى بن مريم: وقد شرح المعين بن الاَمين السندي في كتابه دراسات اللبيب في الاَُسوة الحسنة بالحبيب كلام الشيح المتقدّم بما لا غنىً لذوي الفضل والتحقيق من الوقوف عليه. هذا، وإن أُريد عصمته عليه الصلاة والسلام في الاَفعال، فإنّ ذلك حاصل له أيضاً. قال الاِمام الحافظ الكنجي في البيان في ذِكر تقدّم المهدي عليه السلام في الصلاة والجهاد على عيسى بن مريم عليه السلام: هما قدوتان نبيّ وإمام، وإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما وهو الاِمام يكون قدوة للنبيّ عليه السلام في تلك الحال، وليس فيهما مَن تأخذه في الله لومة لائم، وهما أيضـاً معصـومان من ارتكـاب القبـائح كـافّةً، والمداهنة والرياء والنّفاق، ولا يدعو الداعي لاَحدهما إلى فعل ما يكون خارجاً عن حكم الشريعة ولا مخالفاً لمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: وإذا كان الاَمر كذلك، فالاِمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمّـدية بذلك بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن أستووا فأقدمهم هجرةً، فإن استووا فأصبحهم وجهاً). فلو عَلِم الاِمام أنّ عيسى أفضل منه لَما جاز له أن يتقدَّم عليه لاِحكامه علم الشريعة، ولموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كلّ مكروه.
وعن من يكذب بالمهدي يقول الالهي القمي: ما أشار إليه شيخ الاِسلام ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة وهو ما أخرجه أبو بكر الاِسكاف في فوائد الاَخبار عن محمّـد بن المنكدر، عن جابر بن عبـد الله الاَنصاري رضي الله عنه، عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كذّب بالدجّال فقد كفر، ومن كذّب بالمهديّ فقد كفر. وظاهر أنّ من أنكر المتواتر من أُمور الشرع والغيب بعد ما ثبت عنده ثبوتاً يقينيّاً فإنّه كافر، لردّه ما قطع بصـدوره وتحقّق ثبوته عـنه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شبهة في كفر من ارتكب ذلك بإجماع المسلمين، لاَنّ الرادّ عليه صلى الله عليه وآله وسلم كالرادّ على الله تعالى، والرادّ على الله كافر باتّفاق أهل الملّة، وإجماع أهل القبلة. وقال الشيخ العلاّمة محمّـد بن أحمد السفاريني الحنبليّ في اللوائح: الصواب الذي عليه أهل الحقّ أن المهديّ غير عيسى، وأنّه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام. وبالجملة: فإنكار المهديّ وإنكار خروجه أمر عظيم لا ينبغي التفوّه به، بل ربّما أفضى بصاحبه إلى الكفر والخـروج عن الملّة والعياذ بالله تعالى. والواجب تلقّي ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالقبول، والاِيمان التامّ به والتسليم، فمتى صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يجوز لاَحدٍ أن يعارضه برأيه واجتهاده، بل يجب التسليم كما قال الله عزّوجلّ: "فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حَرَجَاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً" (النساء 65) وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الاَمـر عن الدجّال، وعن المهـديّ، وعـن عيسـى بن مريم، ووجـب تلقّي ما قاله بالقبول والاِيمان بذلك، والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الاَعمى الذي يضرّ صاحبه ولا ينفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة. ما أخرجه عبد الرزّاق في المصنَّف عن أبي سعيد الخدري، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلاءً يصيب هذه الاَُمّة حتّى لا يجد الرجل ملجأً يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملاَ به الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وأخرج ابن ماجة عن أبي سعيد أيضاً، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في أُمّتي المهديّ). وأخرج أيضاً عن عليّ عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهديّ منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة).
ويستمر الشيخ محمد باقر الإلهي القمّي في كتابه عن الأحاديث النبوية الشريفة حول المهدي عليه السلام قائلا: وأخـرج أيضـاً عـن عبـد الله بـن مسعود، قال: بينما نحن عنـد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلمّا رآهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اغرورقت عيناه وتغيّر لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه فقال: نكرهه فقال: (إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً حتّى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سـود، فيسـألون الخير فلا يُعْطَوْنَه، فيقاتلون فيُنصـرون، فيعطـون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يدفعوها إلى رجلٍ من أهل بيتي فيملؤها قسطاً كما ملؤوها جَوْراً). وأخرج أيضاً عن سعيد بن المسيّب، قال: كنّا عند أُمّ سلمة فتذاكرنا المهديّ، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المهديّ من وُلْد فاطمة). وفي لفظ أبي داود: (المهديّ من عترتي من وُلْد فاطمة). وأخرج أبو نعيم وابن ماجة، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (نحن سبعة من وُلْد عبـد المطلب سادة أهل الجنّة، أنا، وحمزة، وعليّ، وجـعفر، والحـسن، والحسين، والمهديّ). وأخـرج أحـمد وابـن أبـي شـيبة وأبـو داود عـن عـليّ عليه السلام عـن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملاَُها عدلاً كما مُلئت جوراً). وفي حديث عن ابن مسعود: (لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً منّي، أو: من أهل بيتي) الحديث. وأخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهديّ منّي، أجلى الجبهة، أقنى الاَنف، يملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، يملك سبع سنين). أخرج أحمد وأبو داود والترمذي، عـن ابـن مسـعود، قـال: قـال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىَ اسمه اسمي). قال الترمذيّ: وفي الباب عن عليّ، وأبي سعيد، وأُمّ سلمة، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن صحيح. وأخرج الترمذي عن ابن مسعود أيضاً، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (يلي رجل من أهل بيتي يواطىَ اسمه اسمي). وأخرج أيضاً عن أبي سعيد، قال: خشينا أن يكون بعد نبيِّنا حدث، فسألنا نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إنّ في أُمّتي المهديّ). وأخرج البخاريّ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟). وأخرج نور الدين الهيثمي في موارد الظمآن عن أبي هريرة أيضاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ ليلة لَمَلَكَ فيها رجل من أهل من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم). وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو يعلى والطبراني، عن أُمّ سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يكون اختلاف عند موت خليفة، يخرج رجل من قريش من أهل المدينة إلى مكّة، فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبتعثون إليه جيشاً من أهل الشام، فإذا كانوا بالبيداء خُسِف بهم، فإذا بلغ الناس ذلك أتاه أهل الشام وعصائب من أهل العراق فيبايعونه، وينشأ رجل من قريش أخواله من كلب فيبتعثون إليهم جيشاً فيهزمونهم ويظهرون عليهم فيقسّم بين الناس فيؤهم، ويعمل فيهم بسُنّة نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم، ويلقي الاِسلام بجرانه إلى الاَرض، يمكث سبع سنين).
https://telegram.me/buratha