الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب تفسير القرآن الكريم للسيد مصطفى الخميني: الأقوال في أول سورة نزلت أربعة منها: سورة الفاتحة بتمامها، وهو قول جماعة قليلين، ونسب ذلك في (الكشاف) إلى الأكثر، وهو محل منع، ولكنه يساعده الاعتبار، لأن الصلاة كانت بالفاتحة عند الفرض وهو بمكة، ولأنها من الابتداء كانت مسماة بالفاتحة وبها فتح الوحي، وهو المراد من السبع المثاني على ما اشتهر. والسؤال هل سورة الفاتحة هي مكية أو مدنية، أو مكية ومدنية؟ بعد الاتفاق على نزولها بتمامها في إحداهما، ولم يقطع في التنزيل. أقول: وليعلم أن المفسرين اختلفوا في المكي والمدني من السور: فقيل: المكي ما نزل في شأن أهل مكة، والمدني غيره. وقيل: ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة. والجمهور على أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها. وعلى جميع التقادير، هي مكية، وهو مختار أكثر أهل الفضل، وهو المحكي عن ابن عباس وقتادة ورفيع أبي العالية وغيرهم. وعن أبي هريرة ومجاهد وعطاء والزهري: أنها مدنية. وقيل: هي مكية ومدنية، وهو مختار النسفي وغيره. وحكاه الثعلبي عمن تقدم عليه: نزلت بمكة حين فرضت الصلاة، ثم نزلت بالمدينة حين حولت القبلة إلى الكعبة. ويقال: عن أبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي في تفسيره: أن نصفها نزل بمكة ونصفها نزل بالمدينة. وهذان القولان بلا حجة وبرهان، ومجرد الإمكان غير كاف. قال ابن عباس: أوتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعا من المثاني، قال: السبع الطول (ذكره النسائي)، وهي من البقرة إلى الأعراف ست، واختلفوا في السابعة، فقيل: يونس، وقيل: الأنفال والتوبة، وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير. وفي شعر الأعشى: وادرسوا هذي المثاني والطوال وأما رواياتنا، ففيها ما يعين أن المراد منه هي الفاتحة، فعن (التهذيب) بإسناده عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السبع المثاني والقرآن العظيم، أهي الفاتحة؟ قال: نعم). الحديث، ومثلها مرفوعة ابن يونس وخبر أبي بكر الحضرمي. الثانية: أن دلالة الآية الكريمة الشريفة على أنها نزلت قبل نزول هذه الآية، مبنية على اعتبار الزمان في الفعل الماضي، ولا سيما في الأفعال المستعملة في حقه تعالى. ولكن مع ذلك كله، مقتضى مفروضية الصلاة في مكة، و (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) كما في روايات الخاصة والعامة وسائر ما أشير إليه، أنها إلى المكية أقرب. المرسوم في عناوين المصاحف أن سورة الفاتحة مدنية، فالسيرة العملية حجة على مدنيتها. وهو محل منع، لأن المرسوم فيما عندي أنها مكية، فراجع. مع أن من الممكن اشتباه الكاتب الأول في ذلك، ولصيانة الكتاب عن أيدي التصرف اقتصروا عليه، كما ترى في الأغلاط الخطية الآتي بحثها. هذا، والذي يظهر من تتبع الآثار ومراجعة الأخبار: أن الصلاة كانت مفروضة في مكة، بل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصلي قبل البعثة كما في سيرته، وقد وردت في أحاديثنا وأحاديث العامة ما يدل على أن (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)، وقضية إطلاق هذه الأخبار وتلك التعابير: أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يصلي بغيرها، لظهور الروايات في تقوم طبيعة الصلاة بها مطلقا، فصلاته قبل البعثة كانت معها، فهي أول ما نزل. والله الموفق، فليتأمل. بحث وتحصيل الذي يساعد عليه الاعتبار في ميزان المكي والمدني ما عليه الأكثر، وهو: أن ما نزل في مكة ونواحيها قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بالمدينة بعد الهجرة وإن نزل بغيرها فهو مدني، ولذلك تكون سورة النصر مدنية مع أنها نزلت بمنى في حجة الوداع. وغير خفي أن عهد نزول القرآن ينقسم إلى زمانين متمايزين: الأول: مدة مقامه صلى الله عليه وآله وسلم في مكة، وهي اثنتا عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة عشر يوما، وقيل: من يوم 17 رمضان سنة 41 يوم الفرقان إلى أول يوم من ربيع الأول سنة 54 من ميلاده. الثاني: زمان نزوله بعد الهجرة إلى المدينة، فالمدني نحو 1130. قال أبو الحسن ابن الحصار في كتابه (الناسخ والمنسوخ): المدني بالاتفاق عشرون سورة، والمختلف فيه اثنتا عشرة سورة، وما عدا ذلك مكي بالاتفاق. إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي قبل البعثة أو بعدها وقبل نزولها، فماذا كان يقرأ في صلاته؟ لا شبهة في أن الصلاة كانت مخترعة قبل الإسلام، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم على ما قيل كان يصلي في المسجد الحرام في ابتداء البعثة بل وقبلها. فإن كان بعد البعثة وبعد تشريعها، فالجواب واضح. وإن كان قبلها، أو قلنا بأنها مدنية، أو مكية ولكنها نزلت بعد تشريع الصلاة، فربما يشكل. ولكن التاريخ قاطع بأن نزولها لم يكن بعد تشريعها. نعم لا يمكن الإحاطة العلمية بسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والذي يمكن أن يقال: إنه كان يصلي من غير الفاتحة، لأنها ليست ركنا، وأدلتها لا تفيد بطلانها بدونها على الإطلاق، كما هو الظاهر. أو يقال: بنزولها عليه قبل البعثة أو بعدها وقبل أن يأمر بإبلاغها إلى الأمة الإسلامية، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان قبل البعثة على دين اليهود والنصارى، فربما كان نبيا ثم صار رسولا.
جاء في کتاب ثلاث رسائل العوائد والفوائد للسيد مصطفى الخميني: في السؤال عن الله سألته عن الله؟ قال: من نظر فيه هلك. قلت: زدني بيانا. قال: كيف يصل إليه من هو بذاته دونه. قلت: هل في الدار غيره ديار؟ قال: كلا. قلت: كيف؟ قال: أفما قرأت القرآن؟ قلت: بلى. قال: "الحمد لله رب العالمين" (الفاتحة 2))، وإلا لو كان يشترك معه فيه أحد لكان كذبا.
ويقول الشهيد السيد مصطفى الخميني قدس سره في کتابه تفسير القرآن الكريم : قال ابن عطية: ظن بعض العلماء أن جبرئيل عليه السلام لم ينزل بسورة الحمد، لما رواه مسلم عن ابن عباس، قال: (بينما قاعد عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع نقيضا (هو الصوت) من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته). انتهى. والذي يصطاد منه: أن هذه المسألة، ليست حديثة، فلعل الملك كان ينزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك، وكان يأخذ عنه المعارف قبل البعثة، وكان عارفا بأحكامه الفردية، فيقرأ القرآن قبل أن يقضى إليه وحيه بتوسط جبرئيل بعنوان الرسالة. وربما كان ذلك الإجمال حسب ما يظهر من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة يوحى إليه قبلها، فكان عارفا بحقائقه وبواطنه أو بألفاظه على نعت الإجمال والاندماج. حول ألقاب هذه السورة عددا وعلة وهي عشرة: الفاتحة، الحمد، أم الكتاب، والسبع من المثاني، والسبع، والمثاني، والوافية، والكافية، والأساس، وأم القرآن. وهنا أخريات غير معروفة: الشفاء، والشكر، والدعاء، وتعليم المسألة والصلاة. ووجه الكل معروف ومذكور في المفصلات. مسألتان: الأولى: في وجه التسمية بالفاتحة لا وجه لتسميتها بالفاتحة إلا باعتبار افتتاح الكتاب التدويني بها، وهذا هو الحادث المتأخر عن عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر عثمان أن يضعها أول المصحف الشريف، غير ثابت عن الكتب المعتبرة. والذي هو الأنسب كونها افتتاح التنزيل، وهو خلاف ما تقرر. وقد اشتهر في المآثير توصيفها بالفاتحة، وإليها تنصرف هذه اللفظة عند الإطلاق حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما ترى فيما يتعلق بأحكامها. وقيل: لأنها مفتاح الكتاب التكويني الذي هو جملة ما سوى الله بحقيقتها التي هي كلام الله تعالى الحقيقي، وهو مقام التسمية، وأصل جملة ما عداه تعالى. ولعلها سميت بها لافتتاح الصلاة بها، وكانت الصلاة مفروضة من ابتداء البعثة، فاشتهرت بها. وهذا هو الأقرب ولا مبعد له. الثانية: في وجه التسمية بالسبع المثاني أما كلمة المثاني، فهو جمع مثنى، وهو المعدول عن اثنين اثنين. هذا حسب اللغة. وقيل: هو من الثناء، لأن السورة ثناؤه تعالى. والظاهر: أن المثاني اسم جمع لا مفرد له، وهي المعاطف من كل شئ، كما في اللغة، ولأجل أنها مشتملة على أسباب عطف الناس إلى نفسها وأصل الكتاب وأساس الديانة، يناسب تسميتها بالمثاني. وقيل: سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة، فلم تنزل على أحد قبلها ذخرا لها. وقال السيوطي في (الإتقان): وقد وقفت للفاتحة على نيف وعشرين اسما، وذلك يدل على شرفها. انتهى. فكما أن من شرفه تعالى الأسماء الكثيرة، كذلك من شرافتها كثرتها.
جاء في کتاب تفسير القرآن الكريم للسيد مصطفى روح الله الخميني قدس سره: عن عدد آيات سورة الفاتحة وكلماتها وحروفها أما الأول: سبعة، إجماعا مركبا، لاختلافهم في البسملة، أنها من السورة، أم هي من القرآن وليست منها. ومن أخرجها منها اعتبر الآية الأخيرة آيتين، "صراط الذين أنعمت عليهم" (الفاتحة 7) آية، "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" (الفاتحة 7) آية أخرى هي سابعة. فما عن الحسين بن الجعفي: أنها ست، وعن عمرو بن عبيد: أنها ثمان، مخالف للإجماع وللأخبار من الطريقين. لولا النصوص المستفيضة الصريحة كان لإبداع الشبهة وجه: فيقال: إن البسملة من القرآن وليست من السورة، وإن السور كلها مصدرة بها تيمنا وتبركا، ولو كانت منها كان ينبغي أن تكون سورة العلق هكذا: (إقرأ بسم الله الرحمن الرحيم)، كما لا يخفى. والاستدلالات الكثيرة على أنها من الحمد، تفيد كونها من الكتاب، وهذا ما هو أكثر دورا في كتبهم: أنه مكتوب في المصاحف بالخط الذي كتب به المصحف، مع تجنبهم إثبات الأعشار والأخماس كذلك. وعن ابن عباس: (من تركها فقد ترك مائة وأربعة عشر آية من كتاب الله). فتأمل. ويؤيد ذلك: أن مالكا وغيره من علماء المدينة، والأوزاعي وجماعة من علماء الشام، وأبا عمرو ويعقوب من قراء البصرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، يرون أنها آية من القرآن، أنزلت لبيان رؤوس السور والفصل بينها. وعن عبد الله بن مسعود: أنها ليست من القرآن أصلا، وهو رأي بعض الحنفية، مستدلين بحديث أنس، قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الثلاثة وقد تركوها في قراءتهم). ولا يخفى ما في الاستدلال، لأن عدم وجوبها في الصلاة لا يدل على عدم كونها من الفاتحة، فضلا عن عدم كونها من الكتاب، وما دل على أن الصلاة مشروطة بالفاتحة قابل للتخصيص. وغير خفي: أن عمرو بن عبيد، جعل "إياك نعبد" (الفاتحة 5) آية، وإذن يمكن جعلها تسع آيات، بناء على تقسيط الآية الأخيرة. والأخبار في الحث على قراءة سورة الفاتحة وفضيلتها 1 - " ثواب الأعمال " بإسناده عن الصادق عليه السلام: (اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب). 2 - (الخصال) عنه عليه السلام: (رن إبليس أربع رنات: أولهن يوم لعن، وحين اهبط إلى الأرض، وحين بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم على حين فترة من الرسل، وحين أنزلت أم الكتاب). 3 - وعن جابر، عنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عنه تعالى: (وأعطيت أمتك كنزا من كنوز عرشي، فاتحة الكتاب). 4 - وعن الحسن بن علي عليهما السلام، عنه صلى الله عليه وآله وسلم بعد قصة قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من قرأ سورة فاتحة الكتاب، أعطاه الله تعالى بعدد كل آية نزلت من السماء، ثواب تلاوتها). وقد وردت في خواصها آثار وحكايات عديدة، فمن الآثار: ما عن الكافي، مسندا عن عبد الله الفضل النوفلي رفعه، قال: (ما قرئت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن). وفيه مسندا عن سلمة بن محرز، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (من لم يبرئه الحمد، لم يبرئه شئ). وعنه في الصحيح، عن معاوية بن عمار، عن الصادق عليه السلام، قال: (لو قرئت الحمد على ميت سبعين مرة، ثم ردت فيه الروح، ما كان ذلك عجبا).
https://telegram.me/buratha