الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الإمام عليّ الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ للشيخ علي موسى الكعبي: ولعل أهم ما يستوقف الباحث في حياة الإمام الهادي هو أنه أُسند إليه منصب الامامة بكل ما يتطلبه من احاطة تامة بعلم الشريعة وأحكامهابعد شهادة أبيه عليه السلام وهو في سن الثامنة من عمره الشريف، وتلك ظاهرة نجدها لأول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهمالسلام متمثلة بأبيه الامام الجواد وثانياً بالامام الهادي وثالثاً بالامام الحجة المهدي المذخور لاقامة دولة الحق عليهمالسلام، وهو أمر لا يصدق على سائر الناس، ولا يقع في دائرة الإمكان الا لمن كان محاطاً بعناية إلهية خاصة، وواقعاً ضمن دائرة الاصطفاء الالهي التي جعلت عيسى بن مريم يتكلم وهو في المهد ويتولى مهام النبوة وهو في السابعة من عمره، وجعلت يحيى بن زكريا نبياً وهو في بواكير الصبا "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان اللّه وتعالى عما يشركون" (القصص 68).
وعن خلق القرآن يقول الشيخ الكعبي: ومن جملة القضايا المطروحة بقوة أيضاً في ذلك الوقت، مسألة خلق القرآن التي أثارها الحكم العباسي في زمان المأمون والمعتصم والواثق لأسباب سياسية واعتقادية، فأحدثت فتنة ومحنة بين صفوف الناس على مختلف طبقاتهم وذهب ضحيتها الكثيرون، وأثارت الفرقة والاحقاد والضغائن بين المسلمين. وكان جواب الامام الهادي عليه السلام لاصحابه واضحا، يقوم على اعتبار الجدال في القرآن بدعة، مع التفريق بين كلام اللّه تعالى وبين علمه، فكلامه تعالى محدث وليس بقديم، قال تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" (الانبياء 2)، وأما علمه فقديم قدم ذاته المقدسة، وهو من الصفات التي هي عين ذاته.
وعن دعاء المظلوم على الظالم يقول مؤلف الكتاب علي موسى الكعبي: روى المسعودي والقطب الراوندي والسيد ابن طاوس في أكثر من طريق بالاسناد عن أبي القاسم البغدادي، عن زرافة، قال: (أنه لما كان يوم الفطر في السنة التي قُتل فيها المتوكل، أمر بني هاشم بالترجّل والمشي بين يديه، وإنّما أراد بذلك أن يترجّل له أبوالحسن عليه السلام، فترجّل بنوهاشم، وترجّل عليه السلام فاتكأ على رجلٍ من مواليه، فأقبل عليه الهاشميون، فقالوا له: يا سيدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه فيكفينا اللّه! فقال لهم أبو الحسن عليه السلام: في هذا العالم مَن قلامة ظفره أكرم على اللّه من ناقة ثمود، لمّا عقرت وضجّ الفصيل إلى اللّه، فقال اللّه: "تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب" (هود 65)، وفي رواية اخرى: قال زرافة: أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا عليهمالسلام يوم السلام، فقال له وزيره: إن في هذا شناعة عليك وسوء مقالة فلا تفعل. قال: لا بدّ من هذا. قال: فإن لم يكن بدّ من هذا فتقدم بأن يمشي القواد والأشراف كلهم حتى لا يظنّ الناس أنك قصدته بهذا دون غيره، ففعل ومشى عليه السلام وكان الصيف، فوافى الدهليز وقد عرق. قال: فلقيته فأجلسته في الدهليز، ومسحت وجهه بمنديل، وقلت: إن ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك. فقال: إيهاً عنك "تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب" (هود 65).فقتل المتوكل في اليوم الثالث. وروي أنه عليه السلام قال وقد أجهده المشي: أما إنه قد قطع رحمي، قطع اللّه أجله)، وهذا يوافق ماجاء في التاريخ، فقد كان ترجّل الامام يوم الفطر ومقتل المتوكل في الرابع من شوال سنة 247 هـ. وتضمنت رواية قطب الدين الراوندي والسيد ابن طاوس الدعاء الطويل الذي سمّـاه الإمام عليه السلام (دعاء المظلوم على الظالم) قال عليه السلام في أوله: (لمّا بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوزٍ نتوارثها من آبائنا، وهي أعزّ من الحصون والسلاح والجنن، وهو دعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه اللّه). والدعاء طويل يكشف عمّا يعانيه الامام عليه السلام وشيعته من ظلم المتوكل وعدوانه وطغيانه، وعن عمق إحساسه عليه السلام بمعاناة الاُمّة من الحيرة والضياع والحدود المعطلة والأحكام المهملة وغيرها من مظاهر التردّي. والدعاء طويل يكشف عمّا يعانيه الامام عليه السلام وشيعته من ظلم المتوكل وعدوانه وطغيانه، وعن عمق إحساسه عليه السلام بمعاناة الاُمّة من الحيرة والضياع والحدود المعطلة والأحكام المهملة وغيرها من مظاهر التردّي. وفيما يلي مقطع منه قال عليه السلام: (فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً عالماً أنه لا فرج لي إلا عندك، ولا خلاص لي إلا بك، أنتجز وعدك في نصرتي، وإجابة دعائي، فانك قلت وقولك الحق الذي لا يردّ ولا يبدل: "ثم بغي عليه لينصرنه الله" (الحج 60) وقلت جل جلالك وتقدست أسماؤك: "ادعوني أستجب لكم" (غافر 60) وأنا فاعل ما أمرتني فاستجب لي كما وعدتني).
يقول الشيخ الكعبي في كتابه عن مقتل المتوكل: كان المتوكل قد بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثمّ المعتز ثمّ المؤيد، ثمّ انه أراد تقديم المعتز لمحبته لاُمه قبيحة، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبى، فكان يُحضره مجلس العامة ويحطّ من منزلته ويهدده ويشتمه ويتوعده، واتفق أن انحرف الترك عن المتوكل لاُمور، فاتفق الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه، فدخل عليه خمسة في جوف الليل وهو سكران ثمل في مجلس لهوه، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان، ثم بايعوا المنتصر بالخلافة، وأشاعوا أن الفتح قد قتل المتوكل فقتلناه به، ثم أخذوا البيعة من سائر بني العباس وسائر أمراء الجيش وذلك لأربع خلون من شوال سنة 247 هـ. وجاء في رواية ابن الأثير: أن المتوكل شرب في تلك الليلة أربعة عشر رطلاً، وهو مستمر في لهوه وسروره إلى الليل بين الندماء والمغنين والجواري، وانتهت بمقتل المتوكل صفحة سوادء من تاريخ الظلم والجور، وكان قتله خزيا له في الدنيا "ولعذاب الآخرة أشقُّ وما لهم من اللّه من واق" (الرعد 34).
https://telegram.me/buratha