الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: أن تكوين مصطلحات وأسماء محددة يتميز بها الاسلام، سوف يساعد على ايجاد طابع خاص به، وعلامات فارقة بين الثقافة الاسلامية وغيرها من الثقافات. وفي تسمية الكلام الإلهي ب الكتاب إشارة إلى الترابط بين مضامينه ووحدتها في الهدف والاتجاه، بالنحو الذي يجعل منها كتابا واحدا. ومن ناحية أخرى يشير هذا الاسم إلى جمع الكلام الكريم في السطور، لان الكتابة جمع للحروف ورسم للألفاظ. وأما تسميته ب " القرآن " فهي تشير إلى حفظه في الصدور نتيجة لكثرة قراءته، وترداده على الألسن، لان القرآن مصدر القراءة، وفي القراءة استكثار واستظهار للنص. فالكلام الإلهي الكريم له ميزة الكتابة والحفظ معا، ولم يكتف في صيانته وضمانه بالكتابة فقط، ولا الحفظ والقراءة فقط لهذا كان كتابا وقرآنا. وهناك ألفاظ عديدة أطلقت على القرآن الكريم على سبيل الوصف لا التسمية، كالمجيد، والعزيز، والعلي والحكيم في قوله تعالى: "وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" (الزخرف 4).
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم (2) للسيد محمد باقر الحكيم: الاختلاف بسبب الفساد في الأرض: وفي تطور آخر إلى جانب الاختلاف العقائدي بدأ سبب آخر للاختلاف ينطلق من الهوى أيضاً، وهو: الاختلاف بسبب الجهل والطغيان، وتحول بعض الممارسات السلوكية إلى عادات ثابتة، أو تقاليد مقدسة لوراثتها عن الآباء والأجداد، وبفعل الاجتهادات والتغيرات القائمة على الهوى والأغراض الشخصية أو الظنون والأوهام، الأمر الذي أدى إلى انقسام الناس إلى جماعات متعصبة وأحزاب متفرقة يقتل بعضهم البعض الآخر ويشرده من دياره، أو يستعبده ويستغله من أجل مصالحه وحاجاته وإرضاء لرغباته وشهواته. "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون". "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين". "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم". "لا يعلمون الكتاب إلاّ أماني وإن هم إلاّ يظنون". "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون". "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون". "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون". وقد وردت آيات كثير في سور متعددة بهذا الصدد فراجع "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ" (الزخرف 22). وهناك المئات من الآيات الكريمة التي تناولت معالم الفساد والانحراف في العقائد والسلوك والاجتهادات، وتحدثت عن مفردات الهوى وزخارف الدنيا وآثارها في الحياة الإنسانية.
عن كتاب القصص القرآنى للسيد محمد باقر الحكيم: أخذ إبراهيم يتبرأ بشكل علني و واضح من الآلهة، و يظهر العداوة لهم، و يتوعد، و يهدد بالكيد لهم و القضاء عليهم؛ ليثبت بشكل واضح عجزها عن الدفاع عن نفسها، أو قدرتها على أن تفعل شيئا لنفسها، بل هي أدنى و أعجز من الإنسان نفسه الذي يتمكن من الأكل و الشرب و الكلام، و هي لا تتمكن من ذلك كلّه. "وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الزخرف 26-28).
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: دراسة قصة موسى عليه السلام: الآيات التي جاءت في سورة الزخرف والتي تبدأ بقوله تعالى: "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال اني رسول رب العالمين" (الزخرف 46) والتي تختم بقوله تعالى: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين" (الزخرف 55-56). ويلاحظ في هذا الموضع من القصة ما يلي: ان هذا المقطع القرآني من القصة جاء في سياق الحديث عن شبهة أثارها الكفار في وجه الدعوة: "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" (الزخرف 31). وقد ناقش القرآن الكريم هذه الشبهة من ناحيتين: الأولى: أن الرزق والمال ليس عطاء بشريا أو نتيجة للجهد الشخصي والذكاء والعبقرية والفضل فحسب بل هو عطاء الهي له غاية اجتماعية تنظيمية: "أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون" (الزخرف 32). الثانية: أن هذا العطاء الإلهي المادي ليس مرتبطا بالفضل والامتياز عند الله والقربى لديه كما هو شأن العطاء البشري ومقاييسه، بل قد يكون العكس هو الصحيح: "ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون" (الزخرف 33). فان ظاهر هذه الآية الكريمة هو أنه لولا مخافة أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن. وقد يكون ذلك تعويضا لهم عما يلحق بهم من الخسران والعذاب في الدار الآخرة فان (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر). ومن هذه الملاحظة يمكن أن نستنتج: ان هذا المقطع جاء ليضرب مثلا واقعيا تجاه هذه الحقيقة والفكرة التي عاشتها الانسانية، وهذا المثل هو موقف فرعون من دعوة موسى، حيث نزلت الرسالة على شخص فقير مطارد ويتعرض قومه إلى الاضطهاد، مع أن فرعون هو صاحب الثروة والغنى. والذي يؤكد هذا الاستنتاج إن المقطع يتبنى اظهار جانب ما يتمتع به فرعون من ثروة وملك وغنى في مقابل موسى الذي هو مهين على حد تعبير فرعون وليس في المواضع الأخرى من القرآن ما يشبه هذا الموقف من فرعون.
https://telegram.me/buratha