الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل للشيخ باقر شريف القرشي: يقول المؤرخون: إن اسماعيل بن هشام المخزومي كان واليا على يثرب، وكان من أعظم المبغضين والحاقدين على آل البيت عليهم السلام وكان يبالغ في إيذاء الامام زين العابدين، ويشتم آباءه على المنابر، تقربا الى حكام دمشق، ولما ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة بادر الى عزله والوقيعة به لهنات كانت بينه وبينه قبل أن يلي الملك والسلطان، وقد أوعز بايقافه للناس لاستيفاء حقوقهم منه، وفزع هشام كأشد ما يكون الفزع من الامام عليه السلام لكثرة إساءته له، وقال: ما أخاف إلا من علي بن الحسين فانه رجل صالح يسمع قوله فيّ، ولكن الامام عهد إلى أصحابه ومواليه ان لا يتعرضوا له بمكروه، وخف إليه فقابله ببسمات فياضة بالبشر، وعرض عليه القيام بما يحتاج إليه في محنته قائلا له: (يا ابن العم عافاك الله لقد ساءني ما صنع بك فادعنا إلى ما احببت). وذهل هشام، وراح يقول بإعجاب: "اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ" (الانعام 124) فيمن يشاء).
وفي فقرة وصايا الامام السجاد لولده الباقر يقول الشيخ القرشي: وزود الامام العظيم ولده الباقر وسائر ابنائه بوصايا تربوية حفلت بالآداب العالية والقيم الكريمة التي تضمن لمن عمل بها السلامة والراحة، وتهيئ له جوا من الطمأنينة، والبعد عن مشاكل هذه الحياة وهذه بعضها: قال عليه السلام لولده الباقر: (يا بني لا تصحبن خمسة، ولا تحادثهم، لا تصحبن الفاسق فانه يبيعك بأكلة فما دونها، قلت: يا أبت وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها، ولا تصحب البخيل فانه يقطع بك أحوج ما تكون إليه، ولا تصحب الكذاب فانه بمنزلة السراب يبعد عنك القريب، ويقرب منك البعيد، ولا تصحب الاحمق فانه يريد أن ينفعك فيضرك، وقد قيل: عدو عاقل خير من صديق أحمق، ولا تصحب قاطع رحم فانه ملعون في كتاب الله في ثلاثة مواضع: في سورة محمد قال تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ" (محمد 22-23) وفي سورة الرعد حيث يقول تعالى: "وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (الرعد 25). وفي سورة الأحزاب حيث يقول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً" (الاحزاب 57)). وقد حذر الامام عليه السلام في هذه الوصية من مزاملة هؤلاء الاشخاص المصابين في اخلاقهم خوفا من انتقال أمراضهم النفسية الى من يصحبهم فان للصحبة أثرا فعالا في تكوين السلوك الشخصي للفرد.
وفي فقرة الامام السجاد الى الرفيق الأعلى يقول باقر شريف القرشي في كتابه: وثقل حال الامام، واشتد به النزع، وقد أخبر أهل بيته أنه في غلس الليل سوف ينتقل الى جنة المأوى، وقد اغمي عليه ثلاث مرات فلما أفاق قرأ سورة (الواقعة) وسورة (إنا فتحنا) ثم قال عليه السلام: (الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين). ثم ارتفعت تلك الروح العظيمة الى بارئها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين، تحفها ملائكة الرحمن، وتحفها الطاف الله وتحياته ورضوانه. لقد سمت روحه الى جنة المأوى بعد أن أضاءت آفاق هذا الكون، وأشرقت بها عوالم الدنيا، وذلك بما تركته من سيرة ندية يهتدى بها الحائر، ويرشد بها الضال.
وعن ولادة زيد الشهيد يقول الشيخ القرشي في كتابه: كانت ولادة زيد الشهيد سنة (78 ه) وقيل سنة (75 ه) ولما بشر به أبوه الامام زين العابدين عليه السلام أخذ القرآن الكريم وفتحه متفائلا به فخرجت الآية الكريمة "إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ" (التوبة 111) فطبقه وفتحه ثانيا فخرجت الآية "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (ال عمران 169) وطبق المصحف ثم فتحه فخرجت الآية "وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ" (النساء 95) وبهر الامام وراح يقول: (عزيت عن هذا المولود وانه لمن الشهداء) لقد تنبأ الامام عليه السلام بشهادة ولده واحاط أصحابه علما بها، فلم يخامرهم شك في ذلك.
يقول الشيخ باقر شريف القريشي في كتابه حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل: لقد احتاط الاسلام كأشد ما يكون الاحتياط في شأن الخلافة الاسلامية باعتبارها المركز الحساس لسعادة المسلمين، وتقدمهم وتطور حياتهم فليس من المنطق في شيء أن يضفى على اولئك الملوك خلفاء الله في ارضه، وامنائه على عباده، وان يقال بشرعية خلافتهم. لقد قالت الشيعة: بعصمة أئمتهم لأنهم الا نموذج الاعلى للتكامل الانساني، ولم يؤثر عن احد منهم فيما اجمع عليه المؤرخون انه قد شذ في سلوكه عن الطريق القويم أو خالف الله فيما أوجب أو نهى، ألم يقل الامام أمير المؤمنين عليه السلام: (والله لو اعطيت الاقاليم السبع بما تحت افلاكها على أن اعصي الله في جلب شعيرة اسلبها من فم جرادة ما فعلت) وهذه هي العصمة التي تدعيها الشيعة لأئمتهم عليهم السلام فليس فيها غلو ولا جمود، وإنما كانت مطابقة للواقع المحكي عن سيرة أئمة اهل البيت عليهم السلام الذين تحرجوا كأشد ما يكون التحرج في أمور دينهم، وآثروا طاعة الله على كل شيء، وقد اعلن الكتاب الكريم عصمتهم وطهارتهم من الزيغ والأثم قال تعالى : "إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33) و قرنهم الرسول الاعظم بمحكم التنزيل قال صلى الله عليه وآله وسلّم (خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا) فكما ان الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كذلك العترة الطاهرة وإلا لما صحت المقارنة بينهما.
وعن حلمه عليه السلام يقول الشيخ باقر شريف القرشي: ومن تلك الصور الرائعة المدهشة من حلمه أن شاميا كان يختلف الى مجلسه، ويستمع الى محاضراته، وقد أعجب بها، فأقبل يشتد نحو الامام وقال له : (يا محمد إنما أخشى مجلسك لا حبا منى إليك، ولا أقول : إن أحدا أبغض إلي منكم أهل البيت، واعلم ان طاعة الله، وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكني أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ، فانما أختلف إليك لحسن ادبك). ونظر إليه الامام بعطف وحنان، واخذ يغدق عليه ببره ومعروفه حتى استقام الرجل وتبين له الحق، فتبدلت حالته من البغض الى الولاء للإمام، وظل ملازما له حتى حضرته الوفاة فأوصى ان يصلي عليه. وحاكى الامام بهذه الاخلاق الرفيعة جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم الذي استطاع بسمو اخلاقه أن يؤلف ما بين القلوب، ويوحد ما بين المشاعر والعواطف ويجمع الناس على كلمة التوحيد بعد ما كانوا فرقا واحزابا "كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" (الروم 32).
https://telegram.me/buratha