الصفحة الإسلامية

مقتل الامام الحسين والقرآن الكريم من كتاب السيد المقرّم (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: في مقدمة الكتاب قوله تعالى "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت 69) "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (ال عمران 169) "فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (ال عمران 170) "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ" (التوبة 111) "وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة 111).

وعن نهضة الحسين عليه السلام يقول السيد المقرم في كتابه: كان المغزى الوحيد لشهيد الدين، وحامية الإسلام الحسين بن أمير المؤمنين عليه السلام إبطال اُحدوثة الاُمويين، ودحض المعرات عن قدس الشريعة، ولفت الأنظار إلى براءتها وبراءة الصادع بها عمّا ألصقوه بدينه، من شية العار، والبدع المخزية، والفجور الظاهرة، والسياسة القاسية. فنال سيد الشهداء عليه السّلام مبتغاه بنهضته الكريمة، وأوحى إلى الملأ الديني ما هنالك من مجون فاضح، وعرّف الناس (بيزيد المخازي) ومَن لاث به من قادة الشر وجراثيم الفتن، فمجّتهم الأسماع، ولم يبقَ في المسلمين إلا من يرميهم بنظرة شزراء حتّى توقدت عليهم العزائم، واحتدمت الحمية الدينية من اُناس ونزعات من آخرين، فاستحال الجدال جلاداً، وأعقبت بلهنية عيشهم حروباً دامية أجهزت على حياتهم، ودمرت ملكهم المؤَسَّس على أنقاض الخلافة الإسلامية من دون أية حنكة أو جدارة، فأصاب هذا الفاتح الحسين عليه السلام شاكلة الغرض بذكره السائر، وصيته الطائر، ومجده المؤثل، وشرفه المعلّى "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (ال عمران 169). نقل البرزنجي في (الاشاعة)، والهيثمي في (الصواعق المحرقة)، أن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يلعن مَن لعنه الله في كتابه فقال عبد الله: قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجد فيه لعن يزيد فقال الإمام: إن الله يقول: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ" (محمد 22-23)، وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد.

وعن الاقدام على القتل يقول السيد عبد الرزاق المقرم: وحيث إن عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير باق إلى الأبد، لأنه لم يخرج عمّا عليه الناس في مدة الاجل. وجملة من تعاليمه لا تخلو من أن تكون كليات لم تأت أزمنة تطبيقها على الخارج، كان الواجب في شريعة الحقِّ الداعية إلى إصلاح الاُمّة: إقامة خليفة مقامه، يحذو حذوه في نفسياته واخلاصه وعصمته، لأن السرائر الكامنة بين الجوانح لا يعلمها إلا خالقها. ولو اوكل معرفتها إلى الاُمّة لتعذر عليها التمييز؛ لعدم الاهتداء إلى تلك المزايا الخاصة في الإمام فتحصل الفوضى، وينتشر الفساد، ويعود النزاع والتخاصم. وهو خلاف اللطف الواجب على المولى سبحانه "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ" (القصص 68) "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا" (الاحزاب 36). فالخلافة منصب إلهي يقيّض الله تعالى رجلاً ينوؤ بأثقال النبوة، فيبلّغ الدعوة لمن تبلغه، ويدعو إلى تفاصيل الشريعة التي جاء بها المنقذ الأكبر صلى الله عليه وآله وسلم، فيرشد الجاهل، وينبّه الغافل، ويؤدب المتعدي، ويبين ما أجمله النبي صلّى الله عليه وآله، لضرب من المصلحة أو أهمله لعدم السعة في زمانه بعد انقضاء أمد الرسالة. في شخصية أمير المؤمنين ثم ابنه الحسن، وبعده أخوه سيد الشهداء الحسين، فابنه زين العابدين علي، ثم ابنه الباقر محمّد، فابنه الصادق جعفر، فابنه الكاظم موسى، فابنه الرضا علي، فابنه الجواد محمّد، فابنه الهادي علي، فابنه الحسن العسكري، ثم ابنه المنتظر أبو القاسم محمّد عجل الله فرجه. ولا غلوّ في ذلك بعد قابلية تلك الذوات المطهرة بنصّ الذكر الحميد: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الاحزاب 33)، لتحمل الفيض الأقدس وعدم الشحِّ في (المبدأ الأعلى) تعالت آلاؤه. والمغالاة في شخص عبارة عن إثبات صفة له، إمّا أن يحملها العقل، أو لعدم القابلية لها، والعقل لا يمنع الكرم الالهي. كيف والجليل عزَّ لطفه يدرُّ النعم على المتمادين في الطغيان، المتمردين على قدس جلاله حتّى كأن المنّة لهم عليه فلم يمنعه ذلك من الرحمة بهم والإحسان إليهم والتفضل عليهم، لا تنفذ خزائنه ولا يفوته من طلبه، وهذا من القضايا التي قياساتها معها. وإذا كان حال المهيمن سبحانه كما وصفناه مع اولئك.

وعن الغيب يقول السيد المقرم في كتابه مقتل الحسين عليه السلام: الغيب على قسمين: منه ما هو عين واجب الوجود، بحيث لم يكن صادراً عن علّة غير ذات فاطر السماوات والأرضين، ومنه ما كان صادراً عن علّة، ومتوقفاً على وجود الفيض الالهي، وهو ما كان موجوداً في الأنبياء والاوصياء عليهم السّلام. وإلى هذا الذي قررناه تنبّه العلامة الآلوسي المفسّر، فإنّه عند قوله تعالى: "قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ" (النمل 65) قال: لعلّ الحقَّ أن يقال: إنّ علم الغيب للنفي عن غيره جلَّ وعلا هو ما كان للشخص بذاته، أي بلا وساطة في ثبوته له. وما وقع للخواصّ ليس من هذا العلم المنفي في شيء، وإنّما هو من الواجب عزّ وجلّ، إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه، فلا يقال: إنّهم علموا الغيب بذلك المعنى، فإنه كفر. بل يقال: إنّهم اظهروا واطّلعوا على الغيب. ويشهد له ما جاء عن أبي جعفر الجواد عليه السلام، فإنّه لمّا أخبر اُمَّ الفضل بنت المأمون بما فاجأها ممّا يعتري النساء عند العادة، قالت له: لا يعلم الغيب إلا الله، قال عليه السلام: (وأنا أعلمه من علم الله تعالى). وهل يشك مَن يقرأ في سورة الجن: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" (الجن 26-27) إن من كان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، هو خاتم الأنبياء، الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه لم يفضّله أحد من الخلق. وكان الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام يقول: (كان والله محمّد ممن ارتضاه)، ولم يبعد الله الخلفاء عن هذه المنزلة بعد اشتقاقهم من النور المحمدي، ويشهد له جواب الرضا عليه السلام لعمرو بن هداب، فإنه لمّا نفى عن الأئمة عليهم السّلام علم الغيب محتجاً بهذه الآية، قال له: (إنّ رسول الله هو المرتضى عند الله، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه، فعلمنا ما كان ويكون إلى يوم القيامة). وكيف لا يكون حبيب الله هو ذلك الرسول المرتضى، وقد شرّفه الباري سبحانه وتعالى بمخاطبته إياه بلا وسيط ملك؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك