الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب أهل البيت عليهم السلام في الحياة الاِسلامية للسيد محمد باقر الحكيم: في تفسير ظاهرة الاَئمة الاِثني عشر، وهو أن مدة إمامة هؤلاء الاَئمة بحسب تقدير الحكمة والعدل الاِلهي في هداية الناس، تمثل دورة زمنية مناسبة لاِعداد الاَمة وتأهيلها للقيام بهذا الواجب الاِلهي، وهو الخلافة لله تعالى في الاَرض كأمة وجماعة، وتكون بذلك مصداقاً لقوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" (ال عمران 110) ولقوله تعالى: "الَّذِينَ إِن مَكَّنَّـهُمْ فِى الاََْرْضِ أَقَامُواْ الصَّلوَةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَـقِبَةُ الاَُْمُورِ" (الحج 41) وبذلك يعم العدل ويقوم القسط بين الناس ويحكم الحق فيهم ويتحقق الوعد الاِلهي لهم "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَـتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاََْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا" (النور 55). إن هذه الدراسة، سوف توضح أن زخم الهدى والصلاح الذي تركه رسول الله في أصحابه لو استمر بالطريقة التي شرعها الله تعالى، وبلغها رسول الله لاَمته وبذل كل جهده لاَقامة الحجة عليها، بحيث تحفظ فيها موازنة حركة الهداية مع حركة السلطة، كان كفيلاً بتحقيق هذا الهدف الكبير في هذه المدة الزمنية، هذا الزخم الذي رأينا أثره وفعله وتأثيره في العالم المحيط بالمسلمين ـ بالرغم من الاِنحراف الذي تعرّضت له في المسيرة في أهم موقع لها بحيث تداعت أركان الدولة الفارسية بأكملها، وكادت أن تسقط به أيضاً أركان الدولة الرومانية، وهما الدولتان المتحضرتان القويتان في ذلك العصر، وتفتح فيه أبواب القبائل الوثنية المشتتة في العالم، في مدة لا تزيد على ربع قرن من الزمن، كل ذلك لتحقق، لو كانت القيادة لهذا الزخم الرسالي الاِلهي قيادة ربانية مدعومة بمسيرة الهدى والصلاح وإقامة الحجة على الناس، وتذليل النفوس والقلوب قبل تذليل الاَجساد والقوى المادية؟ إن تنسيق حركة الهدى مع حركة الهيمنة وتقدمها على حركة القدرة والسلطة، قد يؤجل بسط الهيمنة المادية بعض الوقت، ولكنه سوف يفرض تصاعداً حتمياً مثمراً في الخط البياني لمسيرة الخطوط الثلاثة، الاَمر الذي يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف الحتمي الاِلهي العظيم "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاََْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّـلِحُونَ * إِنَّ فِى هذا لَبَلَـغًا لِقَوْمٍ عَـبِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَـكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَـلَمِينَ" (الانبياء 105-107). كما أن (عملية) بسط العدل والحق المطلق والهيمنة الكاملة لها وحل جميع معالم وصور الاِختلاف بين الناس التي أشارت إليها آية سورة النور السابقة، قد تحتاج إلى وقت أطول من وقت عملية إقامة الحجة وعملية بسط الهيمنة السياسية، لاَنها أكثر تعقيداً من العمليتين الاَخيرتين، ولكن هذا الوقت المفترض وهذه المدة المحدودة تكفي. ولكن شاء الله تعالى أن تجري الاَمور بطريقة أخرى، لمزيد من الاِمتحان والاِبتلاء والاِختبار لهذه الاَمة، ولمزيد من التكامل الاِنساني من خلاله مما جعل المدة أطول، فكانت الغيبة الصغرى والكبرى "إِنَّ اللهَ بَـلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَىءٍ قَدْرًا" (الطلاق 3).
وعن اعداد الجماعة البشرية يقول السيد الشهيد محمد باقر الحكيم قدس سره في كتابه: يفهم من بعض النصوص أنه عندما تكتمل الدورة الاِنسانية لاِعداد الجماعة البشرية، ويتحقق هذا الهدف العظيم الذي جاءت به الرسالات الاِلهية، تبدأ البشرية بدورة جديدة يتجسد فيها حضور الاَنبياء والاَوصياء والاَولياء والاَئمة كلهم، ليمارسوا دورهم الطبيعي في الحياة الاِنسانية بصورة كاملة، وفي مجتمع إنساني متكامل، ويشهد فيه الكافرون والمنافقون النصر الاِلهي الذي حققه الله تعالى لاَنبيائه وأوليائه، قال تعالى: "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاََْشْهَـدُ" (غافر 51).
وعن تأثير البعد الاجتماعي على حركة الامة يقول آية الله السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: البعد الاجتماعي، وهو ما يترتب على الاِختصاص بأهل البيت من مصالح اجتماعية في التأثير على حركة الاَمة وهدايتها وارتباطها بالرسالة الاِسلامية وصاحبها، حيث أن هذه الاِمامة التي تريد أن تقوم بهذه المسؤوليات الكبيرة أو الضخمة في المجتمع الاِنساني تحتاج إلى مؤهلات اجتماعية، كما تحتاج إلى المؤهلات الروحية والفكرية. كما أن الناس في حركتهم الاجتماعية والروحية والنفسية يتأثرون بمثل هذا العامل الاِنساني، وينظرون إلى الشرف والاِصالة في الاِنتماء وتكامل الاَسرة والعائلة والعشيرة والقبيلة نظرة معنوية وإنسانية واجتماعية خاصة. أما بالنسبة إلى حاجة الاِمامة إلى المؤهلات الاجتماعية، فهو من الاَمور التي يشار إليها في أبحاث علم الكلام. من قبيل أن لا يكون في النبي أو الاِمام نقص في الاَعضاء مخلاً بوضعه الاجتماعي، أو أن لا يكون النبي أو الاِمام وضيعاً في المجتمع الاِنساني أو من عائلة وضيعة وغير شريفة، أو ممتهنا لحرفة ومهنة وضيعة، إلى غير ذلك من القضايا التي يشار إليها في علم الكلام عند الحديث عن مواصفات الاَنبياء والاَئمة الذين يتحملون هذه المسؤولية. وأما بالنسبة إلى تفاعل الناس وتأثرهم بهذا العامل الاجتماعي، فهو أمر مشهود في تاريخ الاَمم والمجتمعات الاِنسانية السابقة واللاحقة يتفاضلون فيه، ويفتخرون ويتأثرون به، لاَنه عامل إنساني واقعي في الحركة التاريخية وله تأثير إيجابي في حركة الاَمم وبناء المجتمع، وإن لم يكن من العوامل المؤثرة في تكامل الاِنسان كفرد عند الله تعالى، أو مما يدخل في حسابه يوم القيامة، كما تشير إلى ذلك النصوص الدينية، ومنها قوله تعالى: "فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلاََ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ" (المؤمنون 101) ولكنه على أي حال من العوامل المؤثرة في حركة التاريخ الاِنساني والعلاقات الاِنسانية. ولعل مرجع هذا العامل إلى عدة قضايا، نفسية، واجتماعية، وفطرية. اما القضية النفسية، فهي تأثر الاِنسان روحياً بمعالم العز والشرف والكرامة والمنجزات العلمية والاجتماعية. وأما القضية الاجتماعية، فهي من أن التأهيل والاِعداد في بيوت الشرف والكرامة والعز والطهارة، يكون بصورة طبيعية لتحمل المسؤوليات، وإنها تنبت الشرف والكرامة والعز والطهارة بموجب السنة والقاعدة القرآنية "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لاَيَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا" (الاعراف 58) وهو أمر يدركه الناس من خلال رؤيتهم للتاريخ وحركة النظام العام للمجتمع الاِنساني، وإن كان قد يشذ بعضهم عن هذه القاعدة. ولذا ورد التأكيد في الاِسلام، في عدة موارد على هذا الاِتجاه في الزواج وفي المشورة، وفي المصاحبة والصداقة والمعاشرة.
وعن المؤلفة قلوبهم والمنافقين الذين أظهروا الاسلام يقول السيد الشهيد الحكيم قدس سره في كتابه: المؤلفة قلوبهم من ضعفاء الاِيمان والاِعتقاد من العرب الجاهليين الذين استسلموا للواقع السياسي والاجتماعي للهيمنة الاِسلامية والنصر الاِلهي، فأعلنوا دخولهم في الاِسلام، وإن لم يبلغ الاِيمان قلوبهم. أو اؤلئك المنافقين الذين أظهروا الاِسلام، ولكن أضمروا الكفر والعصيان والتمرد، ويشير القرآن الكريم إلى هذه النماذج في كثير من الموارد، ومنها في سورة التوبة والحجرات والمنافقين. وأفضل شاهد على هذه الحقيقة السياسية والاجتماعية هو ما شاهده المسلمون من حركة الاِرتداد بعد وفاة رسول الله مباشرة في بعض مناطق الجزيرة العربية، أو مواقف بعض الاَشخاص والجماعات السلبية من أهل بيته. وإذا كان الوضع الثقافي والسياسي في الجزيرة العربية بهذه الصورة، فكيف الحال في خارجها، ومع هذا الوضع لا يمكن أن نفترض بأن مهمات الرسالة قد انتهت بنهاية عمر الرسول صلى الله عليه وآله، وإكمال عملية البلاغ العام. نعم يمكن أن نقول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أنهى مهمة التبيين وإقامة الحجة ومهمة التأسيس وإقامة القواعد الاجتماعية ومهمة إيجاد الجماعة الاِنسانية التي يمكنها أن تتحمل هذه الاَعباء بصورة عامة. وعندئذٍ، فلابد من وجود الاِمامة، لتحمل هذه الاَعباء الثقيلة الاَخرى بعده كما ذكرنا سابقاً ولكن تحمل هذه الاَعباء الثقيلة يحتاج إلى إعداد كامل يتناسب مع طبيعة وحجم هذه الاَعباء الضخمة التي سوف يتحملها هؤلاء (الاَئمة) بعد النبي صلى الله عليه وآله. وهنا يمكن أن نقول بأن عملية الاِعداد هذه التي يراد إنجازها من أجل تحمل هذه الاَعباء، إنما يمكن أن تتم في داخل البيت الرسالي بصورة أفضل وأكمل من إنجازها في خارج البيت الرسالي. وهذا ما أشار إليه الشهيد الصدر قدس سره في قوله: (فاختيار الوصي كان يتم عادة من بين الاَفراد الذين انحدروا من صاحب الرسالة ولم يروا النور إلا في كنفه وفي إطار تربيته، وليس هذا من أجل القرابة بوصفها علاقة مادية تشكل أساساً للتوارث، بل من أجل القرابة بوصفها تشكل عادة الاِطار السليم لتربية الوصي وإعداده للقيام بدوره الرباني. وأما إذا لم تحقق القرابة هذا الاِطار، فلا أثر لها في حساب السماء قال تعالى: "وَإِذِ ابْتَلَىَ إِبْرَهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّـلِمِينَ" (البقرة 124) فالذرية عادة تكون قابلة ومهيئة للاِعداد الرسالي بصورة أفضل في حركة التاريخ الاِنساني. وهذه الفكرة إذا أردنا أن ننظر إليها من خلال الواقع التاريخي الذي عاشته الرسالة الاِسلامية، نراها ـ أيضاً ـ فكرة متطابقة تماماً مع هذا الواقع التاريخي، حيث نرى أن الوصي الذي كان هو الاِمام علي عليه السلام قد احتضنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو طفل صغير، حيث تذكر بعض النصوص أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قد تكفله بالتربية قبل البعثة، من خلال التخفيف من مسؤوليات الاِنفاق أو المسؤوليات الاقتصادية إذا صح التعبير عن أبي طالب.
يبين السيد محمد باقر الحكيم قدس سره في كتابه عن تثبيت دعائم العلاقات الاَسرية والقبلية: هناك إتجاه في الاِسلام إلى تثبيت دعائم العلاقات الاَسرية والقبلية والعشائرية، لا إلى تفكيكها وإضعافها، وذلك من خلال ما ورد في التأكيد على صلة الاَرحام، بدرجة تصل أحياناً إلى مرحلة الاِلزام في الوجوب والحرمة، حسب اختلاف هذه الصلة ودرجتها، فان قطيعة الرحم حرام، ووجود أصل الصلة واجب من الواجبات الشرعية. وكذلك من خلال ما يشير إليه القرآن الكريم في قضية التوارث، حيث أن التوارث في المال وضع في إطار علاقات الاَرحام، لقوله تعالى: "وأُولُواْ الاََْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَـبِ اللهِ" (الانفال 75) وحتى وصل بها الاِسلام إلى العلاقات البعيدة نسبياً، من قبيل علاقة الولاء، وهي عندما يدخل الاِنسان في ولاء أسرة من الاَسر وتتقطع سلسلة الاَقرباء من المواريث، فيتحول الميراث إلى الاَولياء، أي إلى اؤلئك الذين يكونوا قد دخلوا في العشيرة عن طريق علاقة الولاء، إذن، هذا يعّبر عن إتجاه لتحكيم هذه الاَواصر وربط بعضها ببعض. وكذلك نلاحظ أن من التشريعات الموجودة في النظرية الاِسلامية التي تؤكد هذا الاِتجاه، قضية وقف الذرية، فأن الوقف على أقسام كما يعرف الاَخوة الاَعزاء والاَفاضل الدارسين للفقه وأحد أقسام الوقف هو الوقف الذي يوضع لخصوص الذرية، أي يتسلسل في الورثة، ويتحول في طبقات الورثة، حسب شرط الواقف، أو يشركهم فيه، بكل طبقاتهم ومراتبهم، فان هذا الحكم يؤشر على أن الاِسلام يتجه إلى تحكيم أواصر العشيرة والاَسرة الواحدة. وكذلك المفاهيم الواسعة التي طرحها القرآن الكريم في تفسير المفردات الاجتماعية وطبيعة علاقاتها، من تقسيم الاِنسان إلى شعوب وقبائل قال تعالى: "يَـَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَـكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَـكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات 13) فأن الناس وإن كانوا قد خلقوا من ذكر وأنثى، ولكنهم قد قسموا إلى شعوب وقبائل، لتقوم علاقات التعارف والتعاون بينهم، فهو تقسيم معترف به إسلامياً. وهكذا عندما يتحدث القرآن الكريم عن موضوع (الولاء)، حيث يشير أيضاً إلى أن قضية الولاء في داخل العشيرة أمر طبيعي مثل ولاء الاَباء والاَبناء والاِخوان، فهو ولاء مقبول، ولكنه يجب أن يكون في إطار ولاء الله تعالى، ولا يصح أن يخرج عن حالة الولاء لله تعالى، أو أن يكون في مقابل الولاء لله تعالى، وأعطى القرآن الكريم عناوين عديدة لذلك في التأكيد على هذا النوع من الولاء في آيات عديدة "وأُولُواْ الاََْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَـبِ اللهِ" (الانفال 75)، وكذلك التأكيد عليه في مجال الاِنفاق على ذوي القربى كالتأكيد على الاِنفاق على المساكين والمحتاجين كمورد من موارد الاِنفاق. وفي الجملة نلاحظ في الكثير من معالم الشريعة الاِسلامية وجود هذا الاِتجاه في تحكيم أواصر العشيرة والاَسرة والقبيلة، لا على تفكيكهاوإضعافها. وهذا التحكيم كما ذكرت إنما يكون صحيحاً في إطار الشيء الاَعظم والاَهم من العلاقة، وهو حب الله سبحانه وتعالى، والولاء لله تعالى والاِرتباط به ولا يكون خارجاً على ذلك، وفي داخل هذا الاِطار العام، كما أكد عليه قوله تعالى: "قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَنُكُمْ وَأَزْوَجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَلٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَيَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـسِقِينَ" (التوبة 24). وبهذا نرى أن الاِسلام عندما أراد بناء المجتمع، وضع أحد الاَسس التي تحكم هذا البناء الاجتماعي وتجعله أكثر ترابطاً هو إحكام هذه العلاقات الاَسرية بين هؤلاء الناس، وحاول في الوقت نفسه أن يعالج خطر تحول العشيرة إلى صنم يعبد من دون الله بإسلوبين: أحدهما: تأكيد أن يكون هذا الولاء ضمن إطار الولاء لله تعالى. والآخر: هو كسر الحواجز الاجتماعية والنفسية التي قد تنمو بين الشعوب والقبائل من خلال الحث على التعارف بينها والزواج والاِتصال والمساواة في القيمة الاِنسانية. وهذا الاَمر في الواقع يمكن أن يذكر كأحد العناصر المهمة في تفسير هذه الظاهرة الاجتماعية، ولذلك نرى المجتمع ينظر إلى ابن الاَسرة وإلى ابن البيت الذي يكون قريباً من صاحب البيت ينظر له ويتفاعل معه، نظرة تختلف عن نظرته إلى الاَجنبي عن ذلك البيت، وهذه الحقيقة من الحقائق القائمة اجتماعياً. ولذلك نحن ننظر إلى الزهراء عليها السلام في قربها لرسول الله صلى الله عليه وآله من خلال أمور كثيرة، ولكن أحد هذه الاَمور التي ننظر فيها الى الزهراء عليها السلام هي هذا القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله.
https://telegram.me/buratha