الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية من كتاب أبو طالب ثالث من أسلم للسيد الحسني (ح 3)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب أبو طالب عليه السلام ثالث من أسلم للسيد نبيل قدوري الحسني: ومن المعلوم عند جميع من قرأ سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن قريشاً لم تتعرض للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد أن عاب عليهم عبادتهم للآلهة، كما روى ابن إسحاق قائلاً: ثم دخل الناس في الإسلام إرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصدع بما جاءه وأن ينادي في الناس بأمره ويدعو إليه ــ أي نزول قوله تعالى: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" (الحجر 94) "أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء 214). إلى أن يقول: فلما بدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله (لم يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه، حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا القول لا خلاف فيه من ان قريشاً لم تتعرض للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ بعد أن عاب عليهم آلهتهم وسفه أحلامهم وقول أبي بكر: (أحق ما تقول قريشٌ يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا)؟ يدل على أنه كان يعبد الأصنام، موقناً بما تؤمن به قريش، وانه جاء مستفسراً عن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وإن القول الفصل الذي لا تشوبه شائبة هو انّ علي بن أبي طالب عليه السلام هو أول من أسلم؛ وأن خديجة عليها السلام هي ثاني من أسلم وأنهما قد صليا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم التالي من بعثته ولم يكن آمن معهما غير أبي طالب عليه السلام خلال السنين الثلاث الأولى، وهي: (الفترة الانتقائية) التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها ينتقي من يراه أهلاً لنصرة هذا الدين قبل الدعوة إليه بعامة. وما قسم العباس بن عبدالمطلب لعفيف الكندي بقوله: (لا والله ما على ظهر الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة). إلاّ حجةٌ قاطعة على أنّ الدعوة لم تكن سراً وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدعُ إلى هذا الدين غير علي بن أبي طالب، وخديجة بنت خويلد، وأبي طالب عليهم السلام.

ويستطرد السيد الحسني في كتابه قائلا: عن الشيخ الكليني رحمه الله عن أبي جعفر الثاني، أي الجواد عليه السلام عن الإمام الصادق عن أبيه عليه السلام في حديث تضمن مجموعة مسائل قد توجه بها أحد الحجاج للإمام الباقر عليه السلام، نأخذ منها ما يناسب المطلب. قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: بينا أبي عليه السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض له فقطع عليه أسبوعه، (أي طوافه) حتى أدخله إلى دار جنب الصفا، فأرسل إلي فكنا ثلاثة. إلى أن يقول عليه السلام: قال الرجل: أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف، من يعلمه؟. قال: (أما جملة العلم فعند الله جل ذكره، وأما لابد للعباد منه فعند الأوصياء؛ قال: ففتح الرجل عجيرته واستوى جالساً وتهلل وجهه). وقال: هذه أردت ولها أتيت زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء فكيف يعلمونه؟. قال: (كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى لأنه كان نبياً وهم محدّثون، وأنه كان يفد إلى رسول الله عز وجل فيسمع الوحي وهم لا يسمعون). فقال: صدقت يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سآتيك بمسالة صعبة؛ أخبرني عن هذا العلم ماله لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟. قال: فضحك أبي عليه السلام وقال: أبى الله عز وجل أن يطلع على علمه إلا ممتحناً للإيمان به كما قضى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر على أذى قومه، ولا يجاهدهم، إلا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" (الحجر 94). وايم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا، ولكنه إنما نظر في الطاعة، وخاف الخلاف فلذلك كف) (الكافي للكليني رحمه الله، باب: في شأن "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (القدر 1) ج 1، ص 243). والرواية واضحة الدلالة والحجة في كف النبي الأكرم عن الجهاد في هذه المدّة ومواجهة المشركين وانه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتكتم على الأذى، ناهيك عن قسم الإمام الباقر عليه السلام في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو صدع منذ بداية مبعثه لكان آمناً.

في بيان الصدع الذي أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول السيد نبيل قدوري الحسني في كتابه: إن الصدع الذي جاءت به الآية الكريمة إنما كان لمواساته صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب خاطره وتصبيره على الأذى النازل به وإيذاناً ببدء مرحلة الجهاد ومواجهة المشركين بتعييب عقولهم وتسفيه أحلامهم، فلاحظ ذلك في قول الإمام الباقر عليه السلام: (كما قضى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" (الحجر 94)). ومما يدل عليه أيضاً: 1 ــ ما رواه الصفار عن عمار بن مروان عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام انه قال: (نحن قوام الله على خلقه وخزانه على دينه نخزنه ونستره (ونكتم به من عدونا كما كتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اذن له في الهجرة وجهاد المشركين فنحن على مناهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يأذن الله لنا في إظهار دينه بالسيف، وندعو الناس إليه فنضربهم عليه عودا كما ضربهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدءاً). 2 ــ إن الآية "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" (الحجر 94) في مقام بيان المصابرة في تبليغ أوامر الله وهو ما ذهب إليه السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره. قال رضي الله عنه: (وحاصل الآية "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" (الحجر 94): أن الله سبحانه يحرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المصابرة في تبليغ أوامره، ونشر أحكامه، وأن لا يلتفت إلى أذى المشركين واستهزائهم، ولا علاقة لذلك بحكم القتال الذي وجب بعد ما قويت شوكة الإسلام، وظهرت حجته. نعم إن النبي الأكرم لم يؤمر بالجهاد في بادئ الأمر لأنه لم يكن قادراً على ذلك حسب ما تقتضيه الظروف من غير طريق الإعجاز، وخرق نواميس الطبيعة، ولما أصبح قادراً على ذلك وكثر المسلمون، وقويت شوكتهم، وتمت عدتهم وعتدهم أمر بالجهاد، وقد أسلفنا أن تشريع الأحكام الإسلامية كان على التدريج وهذا ليس من نسخ الحكم الثابت في شيء).

ويستطرد السيد الحسني في كتابه قائلا: 3 ــ إنها في بيان الإعلان عن ظهور الدين على الأديان الأخرى، وفي بيانه قدس سره حول أخبار القرآن بالغيب، قال: (هذه الآية الكريمة: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)" (الحجر 94-95). إنها نزلت بمكة في بدء الدعوة الإسلامية، وقد أخرج البزاز والطبراني في سبب نزولها عن أنس بن مالك: انها نزلت عند مرور النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبرائيل، فأخبرت الآية عن ظهور أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونصرة الله له، وخذلانه للمشركين الذين ناوءوه واستهزؤوا بنبوته، واستخفوا بأمره، وكان هذا الإخبار في زمان لم يخطر فيه على بال أحد من الناس انحطاط شوكة قريش، وانكسار سلطانهم، وظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم؛ ونظير هذه الآية قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (التوبة 33). 4 ــ انها تؤمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يجهر بالقرآن بالصلاة. فعن أبي نجيح عن مجاهد "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" (الحجر 94) يقول: (إجهر بالقرآن في الصلاة). وهذا يشير إلى أن النبي الأكرم كان يصلي ولكنه لا يجهر بقراءة القرآن أثناء الصلاة، أي لم تكن الدعوة سرية كما يصورها أصحاب هذه النظرية. وقد روى العياشي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ما يشير إلى هذا المعنى أيضاً، فقد سُئِلَ عليه السلام عن قوله تعالى: "وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا" (الاسراء 110). فقال عليه السلام: (نسختها (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" (الحجر 94)). 5 ــ إن الآية في مقام بيان إظهار القرآن وفضائل أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما أخرجه الحاكم الحسكاني، عن السدي، عن أبي طالح، قال ابن عباس: (أمره أن يظهر القرآن، وأن يظهر فضائل أهل بيته كما أظهر القرآن). 6 ــ انها في مقام بيان عدم الالتفات والاعتناء بتهديد المستهزئين والإعراض عن المشركين والمضي قدماً في تبليغ الدعوة وهو ما أخرجه الشيخ الصدوق رضي الله عنه في خبر هؤلاء المستهزئين، فقال: (إنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك. فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزله فأغلق عليه بابه مغتماً بقولهم فأتاه جبرائيل عليه السلام ساعته فقال له: يا محمد السلام يقرئك السلام وهو يقول: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" (الحجر 94) يعني أظهر أمرك لأهل مكة وأدع (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" (الحجر 94). قال: يا جبرائيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟. قال له: "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ" (الحجر 95). قال: يا جبرائيل كانوا عندي الساعة بين يدي؟. فقال: فقد كفيتهم، فأظهر أمره عند ذلك). وقد أظهر الخبر أن قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" (الحجر 94) ليس بداية مرحلة الدعوة العلنية، بل كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بادئاً بها قبل نزول هذه الآية وان الأمر بلغ حد المواجهة والتهديد بالقتل فأي سرية والأمر بلغ هذا المبلغ. وقد روى ابن إسحاق خبر المستهزئين وقصة هلاكهم في سيرته عن عروة بن الزبير، دالاً إلى أن الأمر بلغ غاية في الشدة؛ فلقد تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاستهزاء فأنزل الله تعالى عليه "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" (الحجر 94). إذن: فسير الدعوة النبوية في سنينها الأولى لم يكن سرياً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك