الدكتور فاضل حسن شريف
العلامة (مـ) هي علامة الوقف اللازم، وتعني لزوم وقوف القارئ حال وجودها، مع ابتدائه بعد وقوفه بما بعدها، كما في قوله تعالى في سورة النساء"عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ (ج: جواز الوقف) وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا (م: لزوم الوقف) وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا" (الإسراء 8).
جاء في الالوكة الشرعية عن علامات الوقف ومصطلحات الضبط بالمصحف الشريف للشيخ اسماعيل الشرقاوي: (مـ): تفيد لزوم الوقف ولزوم البدء بما بعدها وهو ما يسمى بالوقف اللازم، كما في قوله تعالى: "إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ (مـ) وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ" (الأنعام 36). قال الله تعالى في آيات قرآنية فيها علامة (مـ: لزوم الوقف) في سورة النساء: "لَعَنَهُ اللَّهُ (مـ: لزوم الوقف) وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا" (النساء 118)، و "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ (ج: جواز الوقف) إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ (ج: جواز الوقف) انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ (ج: جواز الوقف) إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ (مـ: لزوم الوقف) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (قلى: الوقف اولى) وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا" (النساء 171).
جاء في ملتقى الخطباء عن إضاءات للأئمة حول الوقف والابتداء في القرآن الكريم للشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم العليان: ومما لا يحسن فصله عن بعض: المعطوف والمعطوف عليه، سواء كان المعطوف مفردا أو جملة. مثال عطف المفرد قوله تعالى "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات" (الاحزاب 35)، فنلحظ كثرة المعطوفات في هذه الآية من (والمسلمات) حتى (والذاكرات) كلها معطوفات على (المسلمين) في أول الآية، فهذه لو قطع بعضها عن بعض لم يترتب عليها فساد معنى إلا أن الوصل أولى بلا شك. أما عطف الجمل فمثل قوله تعالى: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" (الاعراف 157)، ففي هذه الآية أربع جمل معطوفة، الأولى "وينهاهم عن المنكر"، الثانية "ويحل لهم الطيبات"، الثالثة "ويحرم عليهم الخبائث"، الرابعة "ويضع عنهم إصرهم". ومن عطف الجُمل قوله: "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون" (البقرة 59). ومما هو جدير بالتنبيه عليه في العطف: التفريق بين (أنَّ) مفتوحة الهمزة، و(إنَّ) مكسورة الهمزة المثقلتين (مشددتي النون)، فإن المكسورة تكون بداية جملة، فيحسن الوقف عند ما قبلها والابتداء بها ما لم تكن جملة حالية ونحو ذلك، أما المفتوحة فالغالب في القرآن أنه لا يحسن الوقف عند ما قبلها والابتداء بها إذا كان قبلها واو، لأنها حينئذ تكون معطوفة، مثالها "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين" (يوسف 52)، وقوله تعالى: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم" (النور 10)، وقوله: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين" (البقرة 47).
قال الله تعالى في آيات قرآنية فيها علامة (مـ: لزوم الوقف) في سورة يونس: "وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ (مـ: لزوم الوقف) إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (ج: جواز الوقف) هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (يونس 65).
جاء في کتاب فضل علم الوقف والابتداء وحكم الوقف على رؤوس الآيات للمؤلف عبد الله الميموني: إن علم الوقف والابتداء من أجلِّ علوم الكتاب الحكيم، لأنه يستعان به على فهم القرآن والغوص على درره وكنوزه وتتضح به الوقوف التامة، والكافية والحسان، فتظهر للسامع المتأمل والقارئ المتدبر المعاني على أكمل وجوهها وأصحها، وأقربها لمأثور التفسير، ومعاني لغة العرب، فإن اعتماد علماء الوقف والابتداء في وضع الوقوف وتفصيلها، وبيان وجوهها، مبني على النظر في معاني الآيات، وكلامهم في المعاني، وفي بيان وجوه الوقف، وتفضيل بعضها على بعض مأخوذ من المنقول والمعقول. فلا ريب أن علم الوقف والابتداء من العلوم التي تفسر بها وجوه المعاني القرآنية؛ إذ المقصود منه بيان مواضع الوقف بحيث يراعي القارئ المعاني فيقف ويبتدئ على حسب ما يقتضيه المعنى واللفظ، ولا يكون ذلك إلا بتدبر واهتمام بالمعاني فالنظر في الوقف معين على التدبر. وإذا قرأ القارئ وابتدأ بما لا يحسن الابتداء به، أو وقف عند كلام لا يفهم إلا بأن يوصل بما بعده، فقد خالف أمر الله تعالى بتدبر القرآن. قال تعالى: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" (النساء 82) وقال تعالى: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" (ص 29) فإن في القرآن الهدى والذكرى والعلم والتزكية والرحمة والنور، كما قال تعالى: "وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ" (الانعام 72) وقال: "هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ" (الانبياء 24) وقال "فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ" (ق 45) "ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" (البقرة 2) وقال: "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" (فصلت 44) "وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (الاعراف 52). إلى غير ذلك من الآيات. فهذا العلم من أجل علوم الكتاب المبارك ومع ما قدمت جلالته واعتناء قراء السلف به فقد كاد أن يصبح اليوم مهجورًا.
ان القراءة الصحيحة للقرآن الكريم هي ما تواتر نقله عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم، ومنها علامة (مـ) تفيد لزوم الوقف، وعلامة (قلى) تفيد أولوية الوقف، وعلامة (ج) تفيد جواز الوقف والوصل، وعلامة (صلى) تفيد أفضلية الوصل، وعلامة نقاط التعانق التي يفضل الوقف على واحدة منها دون الاخرى. قال الله تعالى في آيات قرآنية فيها علامة (مـ: لزوم الوقف) في سورة هود: "أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ (مـ: لزوم الوقف) يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ (ج: جواز الوقف) مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ" (هود 20).
جاء في كتاب تقنيات الصحافة المسموعة والمرئية للمؤلف الدكتور رياض معسعس عن الوقف: ومعناه قطع النطق عند آخر الكلمة. والوقف في الكلام، والإلقاء يجعل الحديث، أو الرسالة أكثر وضوحا وسلاسة، ويعطيها وزناً موسيقياً خفيفاً على الأذن. وللوقف قواعد يجب اتباعها ليكون الأداء سليماً. فالكلام بحد ذاته يتألف من جمل يكتمل فيها المعنى، أو لا يكتمل. وكل جملة تتألف من مقاطع مختلفة. فهناك جمل قصيرة من عناصر الجملة الأساسية: فعل، فاعل، مفعول به مثل: ركب الفارس الحصان. وهنا يتم المعنى إذا لم نبحث عن إعطاء معلومات إضافية عن الفارس تخص المكان والزمان مثلا، أو أي معلومات أخرى. وهناك جمل أخرى تتكون من العناصر الأساسية ويضاف إليها عناصر أخرى تكميلية تساعد في إعطاء معلومات إضافية على الجملة الأساسية
https://telegram.me/buratha