سجاد العزاوي
الكل يعرف القصيدة الخالدة للسيد حيدر الحلي ( قدس سره) وقصة لقائه بالامام المنتظر(ع) حيث كان من عادته في كل عام أن ينشئ قصيدة رثاء للامام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء وينشدها عند الامام الحسين، نظم قصيدته (الله يا حامي الشريعة، التي يستنهض بها الامام الحجة) وفي طريق الى كربلاء أتى اليه الامام وطلب منه ان يقرأ له القصيدة ذاتها، على الرغم من كون القصيدة جديدة اذ لم يطلع عليها احد غير السيد الحلي، وبعد سماع القصيدة من قبل الامام اجابة بلوعة وحزن ان الامر (الظهور) ليس بيده.
جميع المسلمين بكافة طوائفهم ومحبي اهل البيت (ع) خاصة يتوقون لرؤية ما بشر به سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر الزمان من ظهور القائم المؤمل والعدل المنتظر، ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وينقذ البشرية من الظلم والجور الذي يسود العالم ويقيم المشروع الإلهي المتمثل بدولة العدل الإلهي في الأرض، ولعل البعض يسأل لماذا حصلت غيبة الإمام المهدي؟ ولماذا هو غائب الى الان؟! او ما السبب الذي حال دون قيام دولة العدل الإلهي في الأرض، بقيادة الأنبياء والمرسلين و نبينا الكريم محمد (ص) ومن بعده الائمة الهداة المعصومين (ع) (المشروع الالهي الذي يجعل الحكم في الأرض بأجمعها بيد خليفته النبي أو الامام المعصوم، ويستخلفه فيها ويمكنه من تحقيق العدل المطلق وأنها المشروع الشيطاني المضاد في الأرض بقتل الشيطان وأعوانه من الإنس وإنهاء الظلم والجور الى الابد)
من الأسباب المهمة التي أجلت تحقيق مشروع دولة العدل الالهي الى الآن هي (قلة الناصر وغياب القاعدة الاجتماعية الواعية المناصرة لقادة دولة العدل، وتخاذل الأمة عن القيام بواجباتها وانعدام البصيرة، و إعراض الأمة عن الانبياء والائمة المعصومين اذ لم تقم بواجبها تجاه النبي او الإمام، وإذا عصت أوامره ولم تمتثل نواهيه) فكل هذه الاسباب لعبت دوراً كبيراً في انتشار الظلم والجور وتسلط الظالمين على رقاب المسلمين وسيطرتهم على الأرض، وإفشال مشاريع العدل وقتل الأنبياء وائمة الهدى وغيبة الامام.
لابد اليوم من قيام المسلمين بما يمتلكون من نخب ومفكرين وعلماء ورجال الدين المخلصين، بتحمل المسؤولية والتصدي لهذه الأسباب بمعالجتها والعمل على رفعها، عن طريق اتباع الاستراتيجيات التي رسمها اهل البيت (ع) ببناء مجتمع إسلامي يسوده العلم والوعي والأخلاق والتقوى مؤمن بمبادئ وقيم الإسلام ومدافع عنها، ذو مستوى عالي من الاقتدار، مبتعد كل البعد عن الانحرافات والمغريات والرذائل، قائم على الانسانية والرحمة والمودة والعطف ومساعدة الناس والبر فيهم، وهذا المجتمع يحتاج إلى قيادة حكيمة من اهل الهدى تتمثل بالمراجع العظام الذين أوصى الإمام (ع) بالرجوع إليهم أثناء فترة الغيبة الكبرى، ورغم صعوبة بناء هكذا مجتمع في وقتنا الحالي، الذي كثرت فيه المنزلقات والمغريات والانحرافات وتفتت فيه أواصر المجتمع، لكن يبقى الأمل معقودا والإيمان راسخا بما وعد الله عز وجل (يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا ان يتم نوره) [التوبة:32-33]
كل ذي لب حريص على أن يسود العدل والازدهار والتقدم في المجتمع المنتظر للامام، عليه ان يبدأ ببناء نفسه وأسرته ويجعل منها انموذجا تربويا صالحا، عن طريق تحصيله العلم والمعرفة ويصبح لديه تخصصا علميا في مجال ما يخدم فيه المجتمع (بالعلم والأخلاق تبنى المجتمعات) واتباعه لمنهج وفكر واخلاق النبي الكريم وأهل البيت (ع) لما له دور كبير في بناء الإنسان المتعلم ذو القيم والمبادئ المثلى، وهكذا ينشأ جيل من الشباب المتعلم والمؤمن الواعي والمثقف، وبالنتيجة يؤدي الى إشاعة الأخلاق الفاضلة والعلم والعدل والرحمة والعطاء والازدهار في المجتمع، وقمع جذور الجهل والتخلف والظلم والجور، وباتباع هذا السلوك يساهم الفرد والاسرة ببناء المجتمع الذي يحتاجه الامام (ع) عند تأسيس دولته المباركة.
بعد كل هذه السنين الطوال من الغيبة الكبرى للإمام، اصبحت الامة لا ترى حلا ولا امل الا بظهور الامام المهدي (عج) لينقذهم من المآسي والويلات التي جرت عليهم ويرفع عنهم الظلم الذي لا يفارقهم، كلنا نريد من الإمام ان يظهر ونطلب من الله تعجيل الفرج، والحقيقة نحن غير مستعدين لهذا الاستحقاق، الذي يتطلب منا الكثير لكي نكون أهلا له {إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم} [الرعد:11] ولكن هيهات ان يتم ذلك، الا اذا قامت الأمة بواجباتها وتحملت المسؤولية، وعملت على بناء المجتمع السليم ذو الاقتدار، والمؤمن بمشروع الإمام والقادر على استيعابه، والجاهزه لنصرته والدفاع عنه عند ظهوره.
https://telegram.me/buratha