الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام للشيخ محمد جواد مغنية: ان هذا الكتاب وضع لمن لا يعرف شيئا من فقه الإمام الصادق عليه السّلام، وفي الوقت نفسه يرغب في معرفته والإلمام به، ولكنه لا يجد السبيل إلى هذه المعرفة، لا لعدم المصادر، أو قلتها، ولا لأنّها تحوي من الدقائق والمصطلحات الأصولية والفقهية ما يرتفع عن مستوي إدراكه - صحّ هذا بالقياس إلى كثير - بل للعبارة الغامضة، والأسلوب المعقد، أو لعدم الترتيب والتبويب، وسوء الإخراج، أو للتطويل والاطناب، والتبسّط في نقل الأقوال، والاختلافات التي هي أبعد شيء عن تفكيره، وأسلوب ثقافته. إلى غير ذلك مما لم يألف ويعتد، ولا يجذب إليه القارئ (العصري)، وان أحب وأراد فحاولت جاهدا مستعينا باللَّه وحده، أن أُمهد وأيسر لهذا الراغب المريد طريق المعرفة والإلمام، وأساعده على تتبّع فقه آل البيت الكرام عليهم السّلام فتوى ودليلا، بدون مشقة وعناء. وحرصت كل الحرص على أن يكون الأصل ومرجع الاستنباط النص عن الآل بالذات، لأنّه أقوم السبل إلى التعرف على أحكام اللَّه سبحانه، وشريعة جدهم رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بشهادة حديث الثقلين، والآية الكريمة "ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ" (النساء 83). وقد بذلت جهدا غير قليل في مراجعة المصادر، وبحثها، وعرض ما فيها بأسلوب جلي يجعله قريب المنال قدر المستطاع. وربما يظن أن التأليف في الفقه سهل يسير، لأن مادته قائمة، ومصادره كثيرة، ومتنوعة. أجل، وقوى الطبيعة قائمة، وهي كثيرة أيضا. ولكن من الذي يكتشفها، وينير السبيل إليها؟ وإذا وجد العالم المتخصص بمعرفتها، فهل يستطيع أن يستخرجها، ويكفيها حسب الحاجات بدون آلة وأداة؟. وفقه آل البيت عليهم السّلام تماما كالطبيعة يزخر بالحياة والهبات، ولكن من الذي يفهمه على وجهه، ويركَّز المعاني على خطوطه العريضة الواضحة بطلاقة تجذب إليها القارئ، وتشبع شغفه ولهفته واللَّه سبحانه المسؤول أن يجعل عملي هذا إسهاما في هذا السبيل، وهو المستعان، وله الحمد في الأولى والآخرة، والصلاة على محمّد وآله الأطهار.
عن المياه يقول الشيخ محمد جواد مغنية قدس سره في كتابه: المياه الماء المطلق: قال اللَّه تعالى: "وأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً" (الفرقان 48). وعن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: (كل ماء طاهر إلَّا ما علمت أنّه قذر). وعنه أيضا: (أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول عند النظر إلى الماء: الحمد للَّه الذي جعل الماء طهورا، ولم يجعله نجسا). طاهر مطهر: قال تعالى: "ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" (الانفال 9). وعن الإمام الصادق عليه السّلام: (قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله الماء يطهّر، ولا يطهّر). الماء المطلق يزيل النجاسة المادية كالدم والبول، ويرفع النجاسة المعنوية، أي يجوز الوضوء به، والغسل من الجنابة والحيض، ويغسل به الميت، وهذا معنى قول الفقهاء الماء المطلق طاهر بنفسه، مطهر لغيره من الخبث، والحدث، والخبث هو النجاسة المادية، والحدث النجاسة المعنوية.
وعن الماء المضاف يوضح الشيخ مغنية: طاهر غير مطهر: لك أن تشرب الماء المضاف، وتستعمله بما شئت. وليس لك أن تتوضأ به، أو تغتسل من الجنابة، أو تطهر به متنجسا، كالإناء والثوب والبدن إذا أصابته النجاسة. وهذا معنى قول الفقهاء: (الماء المضاف طاهر بنفسه، غير مطهر لغيره خبثا وحدثا). قال صاحب المدارك: والدليل على ذلك قوله تعالى: "فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا" (النساء 43) حيث أوجب التيمم عند فقد الماء المطلق، لأن الماء حقيقة فيه، واللفظ انما يحمل على حقيقته، ولو كان الوضوء جائزا بغير الماء المطلق لم يجب التيمم عند فقده. وهناك دليل آخر، وهو أن ما ثبتت نجاسته بالنص الشرعي، فلا نحكم بطهارته بزوال النجاسة عنه إلَّا بالنص. وقد ثبت شرعا أن الماء المطلق مطهر لغيره، ولم يثبت ذلك بالنسبة إلى الماء المضاف، فيجب - اذن - استمرار ما كان على ما كان، حتى بعد الغسل بالماء المضاف. بين المطلق والمضاف: إذا رأيت ماء، ولم تدر: هل هو مطلق يزيل الخبث، ويرفع الحدث، أو هو مضاف لا يزيل خبثا، ولا يرفع حدثا ؟ فما ذا تصنع؟ وهل من سبيل يعين أحدهما بالذات؟ الجواب: لا بد في مثل هذا الحال أن ترجع إلى نفسك، وتنظر: فإن كنت على علم سابق بأن هذا الماء كان مطلقا على خلقته الأصلية ثم طرأ عليه التغير اليسير بشيء من الصابون، أو الحبر، أو العجين، أو غير ذلك مما يغير الماء تغييرا خفيفا، وبعد هذا التغير شككت: هل خرج الماء عن إطلاقه، وأصبح مضافا، أو بقي على ما كان من الإطلاق. إذا كان الأمر كذلك استمر حكم الإطلاق، وأبقيت ما كان على ما كان. ذلك أن الإنسان بفطرته إذا تأكد من وجود شيء أو عدمه فإنّه يبقى مستمرا في عمله على ما تأكد أولا، بانيا على علمه السابق، لا يعتني أبدا بالاحتمالات والشكوك المضادة ليقينه وتأكيده، حتى يثبت خلافه بالعلم واليقين. لأن اليقين لا يزيله إلَّا اليقين. ومحال أن يزيله الشك، لأنّه واه وضعيف. ولذا إذا سئل الإنسان: لما ذا تأخذ بيقينك السابق، مع أنّك تشك الآن؟ أجاب بأنّه لم يثبت العكس. وقد راعى الفقهاء هذا الأصل، واعتبروه من أصول الشريعة، وفرعوا عليه أحكاما شتى في جميع أبواب الفقه، وأسموه: الاستصحاب. لأن الإنسان يبقى مصاحبا مع يقينه الأول، حتى يثبت اليقين المعاكس. قال الإمام الصادق عليه السّلام: (لا ينقض اليقين بالشك، ولكن ينقض باليقين).
يقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه عن أعيان النجاسات: قال تعالى: "وثِيابَكَ فَطَهِّرْ" (المدثر 4). وقال: "إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة 222) تطلق النجاسة في اللغة على سوء السريرة، وقبح الأعمال، وعند الفقهاء هي القذارة المادية التي يجب إزالتها لأجل الصلاة أو الطواف الواجب، وهي أنواع: البول: 1 - سئل الإمام عليه السّلام عن الثوب أو الجسد يصيبه البول ؟ قال: (اغسله مرتين). وهذا محل وفاق بين الفقهاء. الغائط: 2 - سئل الإمام عليه السّلام عن الدقيق يصيب فيه خرء الفأر: هل يجوز أكله ؟ قال: (إذا بقي منه شيء، فلا بأس، يؤخذ أعلاه). وهذا محل وفاق أيضا على شريطة أن يكون البول والغائط من انسان أو حيوان غير مأكول اللحم، وله دم سائل، وهو الدم الذي يجتمع في العروق، ويخرج عند قطعها بقوة ودفق. وقد ثبت عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: (اغسل ثوبك من بول ما لا يؤكل لحمه. ولا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه).
https://telegram.me/buratha