الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام للمؤلف عبد الحليم الجندي: كان من لوازم السلطة أو علامات عدم الثقة بالنفس أو بالغير، أن تتراءى من أبى جعفر في لقائه لأهل البيت أو التعامل معهم نزعات المستوفز الحذر، أو مظاهر الاستعلاء عند مواجهة الأعداء، أو من يضعهم في مواضع الأعداء. لكن الإمام (الصادق) كان يمسك بالزمام فيرد الخليفة دائما إلى حيث يطلب الموعظة، أو العلم. ومن إمساك الزمام في أحد هذه اللقاءات إمساك الخليفة ذاته أن يميل على أهل البيت. فيقول له (لا تقبل في رحمك وأهل الرعاية من أهل بيتك من حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار. فإن النمام شاهد زور وشريك إبليس في الإغراء بين الناس. فقد قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" (الحجرات 6) ونحن أنصار وأعوان. وللملك دعائم وأركان، ما أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وأمضيت في الرعية أحكام القرآن، وأرغمت بطاعتك الله أنف الشيطان. وإن كان يجب عليك في سعة فهمك وكثرة علمك ومعرفتك بآداب الله أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. فإن الكافي ليس بالواصل. إنما الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها. فصل رحمك يزد الله في عمرك، ويخفف عنك الحساب يوم حشرك). ويقول المنصور: قد صفحت عنك لقدرك. وتجاوزت عنك لصدقك. فحدثني عن نفسي بحديث أتعظ به ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات. وبهذا السؤال انتشل المنصور نفسه من موقع قاطع الرحم، إلى موضع المواسي لذوي القرابة، ومكانة طالب الموعظة، فأدلى بها إليه الإمام. قال (عليك بالحلم فإنه ركن العلم. واملك نفسك عند أسباب القدرة. فإنك إن تفعل ما قدرت عليه كنت كمن شفى غيظا وداوى حقدا، وأحب أن يذكر بالصولة. وأعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به إلا العدل. والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر).
وحول مواجهة بين الامام الصادق عليه السلام والمنصور يقول عبد الحليم الجندي مؤلف كتاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام: عاد المشهد في بغداد، بعد سنة 145، فيستحضره المنصور لمواجهة جديدة. يقول له: يا جعفر. ما هذه الأموال التي يجبيها لك المعلى بن خنيس؟ قال الصادق: معاذا الله ما كان من ذلك شئ. قال المنصور: تحلف على براءتك بالطلاق والعتاق. قال الصادق: نعم أحلف بالله ما كان من ذلك شئ. قال المنصور: بل تحلف بالطلاق والعتاق. قال الصادق: ألا ترضى بيميني: الله الذي لا أله ألا هو. قال أبو جعفر: لا تتفقه على. قال الصادق: وأين يذهب الفقه منى؟ قال المنصور: دع عنك هذا فإني أجمع الساعة بينك وبين الرجل الذي رفع عنك هذا حتى يواجهك. فأتوه بالرجل. قال الصادق: تحلف أيها الرجل أن الذي رفعته صحيح؟ قال: نعم. ثم بدأ باليمين: قال والله الذي لا إله إلا هو الغالب الحي القيوم. قال الصادق: لا تعجل في يمينك فإني استحلفك. قال أبو جعفر: ما أنكرت من هذه اليمين؟ قال الصادق: إن الله تعالى حي كريم إذا أثنى عليه عبده لا يعاجله بالعقوبة. ولكن قل أيها الرجل: أبرأ إلى الله من حوله وقوته. وألجأ إلى حولي وقوتي. إني لصادق بر فيما أقول. قال المنصور للرجل: احلف بما استحلفك به أبو عبد الله. قال راوي الخبر: فحلف الرجل. فلم يتم الكلام حتى خر ميتا. فارتعدت فرائص المنصور. وقال للصادق: سر من عندي إلى حرم جدك إن اخترت ذلك. وإن اخترت المقام عندنا لم نأل جهدا في إكرامك. فوالله لا قبلت بعدها قول أحد أبدا. وأين يذهب الفقه من إمام المسلمين، وهو الذي يوجه اليمين، ومن حقه صياغتها وفي الصيغة ما ذكر المفترى بعظم افترائه وبالخالق سبحانه "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا" (الانعام 21). ومن الإنساني، ومن جلال مقام الإمام عند الله والناس، أن يخر صريعا من يفترى على الله وعلى الإمام، في مجلس الخليفة. بهذه الآية هدى جبار السماوات جبارا على الأرض لا يطأطئ، رأسه. فإذا حركها عند ما يناوشه الذباب سأل حضاره كالمستنكر: لم خلق الله الذباب. وكان الصادق حاضرا يوما فأجاب: ليذل الله به الجبابرة. ولئن كان في وجود الذباب في المجلس تذكرة للجبابرة، ففي سقوط المفترى على الإمام بين أيديهم آية ما بعدها آية.
عن کتاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام للمؤلف عبد الحليم الجندي: ورد عمر بن عبد العزيز لأهل البيت فدكا. وكان النبي قد أعطاها لفاطمة الزهراء. ومنع عمر الشعار الأموي الآثم. وهو سب علي. وزاد إنصافا فاستعاض عنه شعارا تبدو فيه معاني التوبة النصوح والاستغفار من الذنوب، وهو الآية الكريمة "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" (الحشر 10). وكان معاوية قد استحدث نظام القصص ليثني القصاص على الخلفاء من بنى أمية ويزينوا للناس حالهم. فأمرهم عمر أن يقصروا الثناء (على المؤمنين). وفي عمر يقول أحمد بن حنبل (ليس أحد من التابعين قوله حجة إلا عمر ابن عبد العزيز) ويخاطبه كثير، وهو من شعراء الشيعة، بقوله: وليت ولم تسبب عليا ولم تخف * مريبا ولم تقبل مقالة مجرم وصدقت بالقول الفعال مع الذي أتيت فأمسى راضيا كل مسلم. وفي العام التالي لولاية عمر على المدينة حج الوليد، وبدا له أن يأمر بتوسعة المسجد، لتدخل فيه حجرات أمهات المؤمنين وبيت علي، الذي أذن له به النبي، في حين ردم أبواب سائر الصحابة. فتصح الناس الخليفة أن يعود إلى مقر الملك في دمشق ويصدر أوامره منها بتوسيع المساجد عامة في مكة والمدينة وبيت المقدس، وأن يبنى مسجدا بدمشق، وبهذا يتحقق غرضه دون أن يلومه الناس. فرجع إلى دمشق وأصدر منها أوامره. وشق الأمر على أهل المدينة وتظاهروا عليه طالبين ترك (الحجرات) كما تركها صاحب الشريعة. فأصر الوليد وأنفذ، لتنفيذ أمره، بعثة من العمال من بلاد الروم. قال حبيب بن عبد الله بن الزبير لعمر (نشدتك الله يا عمر أن تذهب بآية من آيات الله تقول "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" (الحجرات 4)) وطعن في بنى أمية، وبلغ خبره الوليد بدمشق فأمر بجلده. فجلد. ومضى زمن ومات خبيب. فكان عمر يقول كلما بشره بالجنة أحد: (كيف وخبيب على الطريق). وفي سنة 91 حج الوليد فزار المسجد، وخطب على منبر الرسول قاعدا في كبرياء. فنفر الفقهاء. وترضى السادات. فاستفز الفقراء.
وعن الاوضاع ما بعد واقعة الطف بكربلاء يقول المؤلف الجندي في كتابه: أن البيئة التي عاش فيها أهل البيت ستين عاما بعد مجزرة كربلاء، كانت منجبة، بظهور العلم والعلماء من الرجال والنساء. فشاركت المرأة في العلم من عهد أمهات المؤمنين. ووجدت الفقيهات في جيل التابعين وتابعي التابعين من أهل السنة، فتصدرت نساء أهل البيت. سكينة بنت الحسين (171) رضي الله عنهما. وكانت برزة، تساجل فحول الشعراء، بل الفقهاء. وهي بهذه المساجلات إمام في استعمال الحرية الشخصية والفكرية تعلم المسلمين والمسلمات، أن المرأة نصف الناس، وأن إظهار مواهبها، وصقلها وتنميتها، خير للنصف الذي هو المرأة، وخير للنصف الآخر. ومن المساواة بينهما تقررت للمرأة حقوقها كاملة، وسلم لها بالحرية الفكرية التي قد تفهم من كلمات الإمام علي بن أبي طالب يوم لقي عائشة، في إثر انتصاره يوم الجمل، فقال لها: غفر الله لك. قالت: ولك.. وما استغفر لها إلا لخطأ منها في الاجتهاد رآه. وإذا كان النصفان يجتهدان ويجاهدان، فالأمة كلها في حالة تقدم، أو محاولة تقدم والاجتهاد في ذاته تقدم بالعلم أو السعي إليه. وهو بعض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وبهما وبالتقوى "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (ال عمران 110). (زين العابدين) 38 - 94 تعاظم بيت زين العابدين في عدد أفراده يوما بعد يوم، وقدم " السجاد " لنا ابنه " الباقر "، ثم قدم الباقر ابنه " الصادق ". فكانوا مثلا عليا في العزوف عن السلطة والانصراف إلى تعليم الناس العلم الصحيح والعمل الصالح والأسوة الحسنة. روى عن جابر بن عبد الله وابن عمر إلى جوار روايته علم أهل البيت وحديثهم عن أبيه الحسين وأم المؤمنين أم سلمة. وسمع ابن عباس. ليروي عنه فيما بعد ابناه عبد الله والباقر وخلق كثير. ورأى بعيني المريض العاجز عن الاستشهاد، مصاير أبيه العظيم، وإخوته وأعمامه وأولادهم يوم كربلاء. وفي ذلك نص يروى عن مالك بن أنس قال: (سمى زين العابدين لعبادته). علمته المحنة والورع الحكمة وحسن الخطاب، فكان في باكورة حياته على علم عظم. قال له يزيد يوم أدخل عليه مريضا مع نساء أهل البيت الناجيات من كربلاء: أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت. قال زين العابدين (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها" (الحديد 22) قال يزيد: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" (الشورى 30). قال زين العابدين: (هذا في حق من ظلم لا من ظلم). ولما جئ بزين العابدين في أسرى كربلاء أقيم على درج دمشق. فقال له رجل من أهل الشام: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة. قال زين العابدين: قرأت القرآن؟ قال الرجل: نعم. قال: قرأت ال حم؟ قال الرجل نعم. قال: أما قرأت "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" (الشورى 23) قال الرجل: فإنكم إياهم؟ قال نعم. ويقصد الإمام الآية 23 من سورة الشورى "ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات. قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور" (الشورى 23) وأول آيات سورة الشورى (حم). تتابع على الكذب ولاة الشام والأمصار من عهد معاوية يشتمون عليا بأمر بنى أمية، فكان يبقى من كذبهم شئ في عقول العامة، أو الصبية، الذين لا يعلمون.
https://telegram.me/buratha