الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام للمؤلف عبد الحليم الجندي: عن اليمين: واليمين عند الشيعة لا تنعقد إلا قسما بالله وأسمائه الحسنى وصفاته الدالة عليه صراحة، فمن حلف بغيرها لا يحنث إذا لم يفعل. سئل الباقر عن قوله تعالى "والليل إذا يغشى" (الليل 1) "والنجم إذا هوى" (النجم 1) وما إلى ذلك فأجاب: إن لله عز وجل أن يقسم بما شاء من خلقه وليس لخلقه أن يقسموا إلا به. - وسئل: أبا الناس حاجة إلى الإمام؟ فأجاب: أجل. ليرفع العذاب عن أهل الأرض. وذكر قوله تعالى "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" (الانفال 33). تعاقب على الخلافة في حياة الباقر أربعة من أبناء عبد الملك وزوج ابنته عمر بن عبد العزيز - خامس الراشدين في مدة خلافته - وكان عمر يتردد على الإمام الباقر يستنصحه. والباقر يوصيه بالمسلمين أجمعين - فيقول له بين ما يقول (أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا. وأوسطهم أخا. وأكبرهم أبا. فارحم ولدك. وصل أخاك. وبر والدك. فإذا صنعت معروفا فربه) أي تعهده. وكان نشر التشيع لأهل البيت همه. قال سعد الإسكافي: قلت لأبي جعفر الباقر (انى أجلس فأقص وأذكر حقكم وفضائلكم) قال: (وددت لو أن على كل ثلاثين ذراعا قاصا مثلك).
وعن النفقة يقول الجندي في كتابه: جاء مجلس الإمام يوما جماعة من الزهاد يريدون منه إظهار التقشف والزهد الكامل. فقال لهم: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابدأ بمن تعول. الأدنى فالأدنى. هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم. قال العزيز الحكيم "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" (الفرقان 67). أفلا ترون أن الله تعالى قال غير ما أراكم تدعونني إليه؟ فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التقتير. فلا يعطى جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له. للحديث الذي جاء عن النبي (إن أصنافا من أمتي لا يستجاب دعاؤهم: رجل يدعو على والديه. ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه. ورجل يدعو على زوجته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده. ورجل يقعد في بيته ويقول رب ارزقني، ولا يطلب الرزق، فيقول الله عز وجل: يا عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب. ألم أرزقك رزقا واسعا؟ فهلا اقتصدت كما أمرتك ولم تسرف فيه وقد نهيتك عن الإسراف. ورجل يدعوني في قطيعة رحم) ثم علم الله عز وجل كيف ينفق فقال "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا" (الاسراء 29) فهذه أحاديث رسول الله يصدقها الكتاب. والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين. وفيهم سلمان الفارسي وأبو ذر رضي الله عنهما: فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته حتى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا؟ فكان جوابه أنه قال: ترجون لي البقاء وقد خفتم على الفناء. أما علمتم أن النفس قد تلتاث على صاحبها ما لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه. فإذا أحرزت معيشتها اطمأنت.
مع القرآن يقول عبد الحليم الجندي في كتابه: كان جده على يقول (سلوني عن كتاب الله. فوالله ما من آية إلا أنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، في سهل نزلت أم في جبل) فلقد كان دائما إلى جوار الرسول. وهو باب مدينة العلم. والإمام جعفر يصدر من المنبع ذاته. يقول مثل جده على (كان أصحاب محمد يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل. إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلا. وإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها وأسأل الله تعالى. وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار). للقرآن عنده المقام الأول. يسأل عمن يؤم القوم فيجيب (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يتقدم القوم أقرؤهم للقرآن. فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة. فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا. وإن كانوا في السن سواء فأعلمهم بالسنة، وأفقههم في الدين. ولا يتقدمن أحد الرجل في منزله. وصاحب السلطان في سلطانه). ونصوص القرآن حاضرة كلما أراد أن يدلي بحجة. وهو في قمة البلاغة العربية تسعفه اللغة. لا يلجأ إلى التأويل بديلا من التفسير. فهو في فهم النصوص أنفذ بصيرة. لم يعلم له تفسير نوقض فيه. والتفسير بتخريج مجازات القرآن لا يقدر عليه الا البلغاء. في القرآن مجاز كثير مثل عرض الأمانة على السماوات والأرض، يفسرها بعض العلماء أنها الطاعة. ومثل "يد الله فوق أيديهم" (الفتح 10) يفسرها البعض بأنها القدرة وهؤلاء المخرجون يبدأون من أن (الله "ليس كمثله شئ" (الشورى 11)) والآخذون بالتأويل يبدأون من ذلك المبدأ ثم يؤولون الآيات المتشابهة على أساس الآيات المحكمة. كقوله تعالى "إلى ربها ناظرة" (القيامة 23) يفسرونها على أساس قوله "لا تدركه الأبصار" (الانعام 103) فيكون المقصود الرضى عنها.
يقول مؤلف الكتاب الجندي: ومن القرآن ينبثق فقه الإمام في كل باب: يسأله سائل عن قوله تعالى "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (المائدة 32) فيجيب: من أخرجها من هدى إلى ضلال فقد والله قتلها. - ويجيئه زنديق يسأله عن تفسير قوله تعالى "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" (النساء 3) وقوله تعالى في آخر السورة "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل" (النساء 129) فيفحم الإمام الزنديق فيقول: " أما قوله فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة فإنما عنى النفقة. وأما قوله ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فإنما عنى المودة. فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة. - ويقول عن الرزق الذي يحض الله على الإنفاق منه "ومما رزقناهم ينفقون" (البقرة 3) فيفسرها (ومما علمناهم يبثون) فالعلم رزق. وإذاعته إنفاق واجب. - ومن تعبيره عن حجية القرآن أبدا يسأله السائل: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منهما والقرآن لا يمل؟ فيجيب: (لأن القرآن حجة على أهل العصر الثاني كما هو حجة على أهل العصر الأول. فكل طائفة تراه عصرا جديدا. ولأن كل امرئ في نفسه، متى أعاده وفكر فيه، تلقى منه في كل مدة علوما غضة. وليس هذا كله في الشعر والخطب.
https://telegram.me/buratha