الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتب الأدعية ومنها كتاب مفاتيح الجنان: أن يدعو في كلّ يوم من أيّام العشر بهذه الدّعوات الخمس وقد جاء بها جبرئيل الى عيسى بن مريم هديّة من الله تعالى ليدعو بها في أيّام العشر، وهذه هي الدّعوات الخمس: (1) اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ (2) اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، اَحَداً صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ اَحَداً صَمَداً لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً اَحَدٌ (4) اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيى وَيُميتُ وَهُوَ حَىٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ (5) حَسْبِىَ اللهُ وَكَفى سَمِعَ اللهُ لِمَنْ دَعا، لَيْسَ وَرآءَ اللهِ مُنْتَهى، اَشْهَدُ للهِ بِما دَعا وَاَنَّهُ بَرىءٌ مِمَّنْ تَبَرَأَ وَاَنَّ لِلّهِ الاْخِرَةَ وَالْاُولى.
جاء في معاني القرآن الكريم: شرك الشركة والمشاركة: خلط الملكين، وقيل: هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعدا، عينا كان ذلك الشيء، أو معنى، كمشاركة الإنسان والفرس في الحيوانية، ومشاركة فرس وفرس في الكمتة، والدهمة، يقال: شركته، وشاركته، وتشاركوا، واشتركوا، وأشركته في كذا. قال تعالى: "وأشركه في أمري" (طه 32)، وفي الحديث: (اللهم أشركنا في دعاء الصالحين) (جاء بمعناه عند الترمذي: (اللهم ما قصر عنه رأيي، ولم تبلغه نيتي، ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحدا من خلقك، أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك فإني أرغب إليك فيه، وأسألكه برحمتك رب العالمين) أخرجه في الدعاء، انظر: عارضة الأحوذي 12/302). وروي أن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام: (إني شرفتك وفضلتك على جميع خلقي وأشركتك في أمري) (لم أجده) أي: جعلتك بحيث تذكر معي، وأمرت بطاعتك مع طاعتي في نحو: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" (محمد 33)، وقال تعالى: "أنكم في العذاب مشتركون" (الزخرف 39). وجمع الشريك شركاء. قال تعالى: "ولم يكن له شريك في الملك" (الاسراء 111)، وقال: "شركاء متشاكسون" (الزمر 29)، "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين" (الشورى 21)، "ويقول أين شركائي" (النحل 27).
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن (لَا شَرِيكَ لَهُ) "لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" ﴿الأنعام 163﴾ لا حرف نفي، شريك اسم، لَهُ: لَ حرف جر، هُۥ ضمير. لا شريك له في ألوهيته ولا في ربوبيته ولا في صفاته وأسمائه، وبذلك التوحيد الخالص أمرني ربي جل وعلا وأنا أول من أقر وانقاد لله من هذه الأمة.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل جلاله "لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" ﴿الأنعام 163﴾ "لا شريك له" أي: لا ثاني له في الإلهية. وقيل: لا شريك له في العبادة، وفي الإحياء، والإماتة. "وبذلك أمرت" أي: وبهذا أمرني ربي "وأنا أول المسلمين" من هذه الأمة، فإن إبراهيم كان أول المسلمين، ومن بعده تابع له في الاسلام، عن الحسن، وقتادة. وفيه بيان فضل الاسلام، وبيان وجوب اتباعه على الاسلام، إذ كان صلى الله عليه وآله وسلم أول من سارع إليه ولأنه إنما أمر بذلك ليتأسى به، ويقتدى بفعله. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل جلاله "لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" ﴿الأنعام 163﴾ هذه الآية توضيح وتأكيد لما تضمنته الآية السابقة من التوحيد والإخلاص. ومحمد صلى الله عليه وآله أول المسلمين من أمته بطبيعة الحال، لأنه صاحب الدعوة.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل "لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" ﴿الأنعام 163﴾ جعلتها كلها لله رب العالمين من غير أن أشرك به فيها أحدا فأنا عبد في جميع شئوني في حياتي ومماتي لله وحده وجهت وجهي إليه لا أقصد شيئا ولا أتركه إلا له ولا أسير في مسير حياتي ولا أرد مماتي إلا له فإنه رب العالمين، يملك الكل ويدبر أمرهم. وقد أمرت بهذا النحو من العبودية، وأنا أول المسلمين لله فيما أراده من العبودية التامة في كل باب وجهة. قوله عز من قائل "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ﴿آل عمران 26﴾ وبالجملة هناك خير وشر تكوينيان كالملك والعزة ونزع الملك والذلة، والخير التكويني أمر وجودي من إيتاء الله تعالى، والشر التكويني إنما هو عدم إيتاء الخير ولا ضير في انتسابه إلى الله سبحانه فإنه هو المالك للخير لا يملكه غيره، فإذا أعطي غيره شيئا من الخير فله الأمر وله الحمد، وإن لم يعط أو منع فلا حق لغيره عليه حتى يلزمه عليه فيكون امتناعه من الإعطاء ظلما، على أن إعطاءه ومنعه كليهما مقارنان للمصالح العامة الدخيلة في صلاح النظام الدائر بين أجزاء العالم. وهناك خير وشر تشريعيان وهما أقسام الطاعات والمعاصي، وهما الأفعال الصادرة عن الإنسان من حيث انتسابها إلى اختياره، ولا تستند من هذه الجهة إلى غير الإنسان قطعا، وهذه النسبة هي الملاك لحسنها وقبحها ولو لا فرض اختيار في صدورها لم تتصف بحسن ولا قبح، وهي من هذه الجهة لا تنتسب إليه تعالى إلا من حيث توفيقه تعالى وعدم توفيقه لمصالح تقتضي ذلك. فقد تبين: أن الخير كله بيد الله وبذلك ينتظم أمر العالم في اشتماله على كل وجدان وحرمان وخير وشر. و قد ذكر بعض المفسرين: أن في قوله: "بِيَدِكَ الْخَيْرُ" إيجازا بالحذف، والتقدير: بيدك الخير والشر كما قيل نظير ذلك في قوله تعالى: "وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ" (النحل 81)، أي والبرد. وكان السبب في ذلك الفرار عن الاعتزال لقول المعتزلة بعدم استناد الشرور إليه تعالى: وهو من عجيب الاجتراء على كلامه تعالى، والمعتزلة وإن أخطئوا في نفي الانتساب نفيا مطلقا حتى بالواسطة لكنه لا يجوز هذا التقدير الغريب، وقد تقدم البحث عن ذلك وبيان حقيقة الأمر.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل جلاله "لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" ﴿الأنعام 163﴾ ضيف للتأكيد، وإبطالا لأي نوع من أنواع الشرك والوثنية قائلا: "لا شَرِيكَ لَهُ". ثمّ يقول في ختام الآية: "وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ". كيف كان النّبيّ أوّل مسلم؟ في الآية الحاضرة وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أوّل المسلمين. وقد وقع بين المفسّرين كلام حول هذه المسألة، لأنّنا نعلم أنّه إذا كان المقصود من (الإسلام) هو المعنى الواسع لهذه الكلمة فإنه يشمل جميع الأديان السماويّة، ولهذا يطلق وصف المسلم على الأنبياء الآخرين أيضا، فإننا نقرأ حول نوح عليه السلام: "وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (يونس 72). ونقرأ حول إبراهيم الخليل عليه السلام وابنه إسماعيل أيضا: "رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ" (البقرة 128). وجاء في شأن يوسف عليه السلام: "تَوَفَّنِي مُسْلِماً" (يوسف 101). على أن (المسلم) يعني الذي يسلّم ويخضع أمام أمر الله، وهذا المعنى يصدق على جميع الأنبياء الإلهيين وأممهم المؤمنة، ومع ذلك فإن كون رسول الإسلام أوّل المسلمين، إمّا من جهة كيفية إسلامه وأهميته، لأنّ درجة إسلامه وتسليمه أعلى وأفضل من الجميع، وإمّا لأنّه كان أوّل فرد من هذه الأمّة التي قبلت بالإسلام والقرآن. وقد ورد في بعض الرّوايات أيضا أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أوّل من أجاب في الميثاق في عالم الذّر، فإسلامه متقدم على إسلام الخلائق أجمعين. وعلى أي حال فإنّ الآيات الحاضرة توضح روح الإسلام، وتعكس حقيقة التعاليم القرآنية وهي: الدعوة إلى الصراط المستقيم، والدعوة إلى دين محطم الأصنام إبراهيم الخالص، والدعوة إلى رفض أي نوع من أنواع الشّرك والثنوية. هذا من جهة العقيدة والإيمان. وأمّا من جهة العمل: الدّعوة إلى الإخلاص، وإلى تصفية النيّة، والإتيان بكل شيء لله تعالى، الحياة لأجله، والموت في سبيله، وطلب كل شيء منه، ومحبّته، والانقطاع إليه، وعن غيره، والتولي له، والتبرؤ من غيره. فما أكبر الفرق بين ما جاء في الدعوة الإسلامية الواضحة، وبين أعمال بعض المتظاهرين بالإسلام الذين لا يفهمون من الإسلام سوى التظاهر بالدين، ولا يفكرون في جميع الموارد إلّا في الظاهر، ولا يعتنون بالباطن والحقيقة، ولهذا فليس حياتهم ومماتهم واجتماعهم ومفاخرهم وحريتهم سوى قشور خاوية لا غير.
https://telegram.me/buratha