الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب إيضاح مناسك الحج للسيد علي السيستاني: عن مصرف هدي التمتع: الأحوط الأولى أن يأكل المتمتع من هديه، ولو قليلا مع عدم الضرر، ويجوز له تخصيص ثلثه لنفسه أو إطعام أهله به، كما يجوز له أن يهدي ثلثا منه إلى من يحب من المسلمين، وأما الثلث الآخر فالأحوط وجوبا أن يتصدق به على فقراء المسلمين. كما هو مقتضى الاية الكريمة، حيث لايمكن رفع اليد عنها بدعوى أنها في مقام رفع الحظر ـ كما هو بالنسبة للاكل ـ فيتمسك بظهورها الاولي، إلا اذا ثبت أنها كذلك بدعوى أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون الاكل والتصدق من القرابين التي كانوا يتقربون بها الى آلهتهم ويظنون ان التصدق او الاكل منها يبطل التقرب بها، والى هذا اشارة الامام الرضا عليه السلام في معتبرة الفضل في ذكر العلل "ويجب على الناس الهدي والكفارة فيذبحون وينحرون ويتقربون الى الله عز وجل، ولايبطل هراقة الدماء والصدقة على المساكين"، وحيث أن المشهور بين الفقهاء وجوب التصدق فمخالفتهم غير محمودة. لقوله تعالى "فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" (الحج 28) وقوله عليه السلام في صحيحة معاوية: (إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم كما قال الله: "فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر" (الحج 36) وحيث أن الاية يحتمل فيها أنها في مقام رفع توهم الحظر فلا يمكن القطع بالوجوب، فهي من قبيل قوله تعالى "وإذا حللتم فاصطادوا" (المائدة 2) وخروجا عن خلاف من أوجبه فالاحتياط الاستحبابي متعين. قال شيخنا الحجة السند: أن الاقوى عدم وجوبه لعدم ظهور الامر في الوجوب بعد وروده مورد توهم الحظر الثابت في الجاهلية بقوله تعالى في سورة الانعام "وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل لشركائهم ساء مايحكمون" (الانعام 136) وقوله "وقالوا هذه أنعام وحرث لايطعمها إلا من نشاء بزعمهم وانعام حرمت ظهورها وانعام لايذكرون اسم الله عليها افتراءا عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون" (الانعام 138) وغيرها، وقد حكاه الزمخشري والمقداد السيوري وغيرهم، مضافا الى عموم الأمر لغير موارد الهدي الواجب، ومنه يعلم عدم بُعد استحباب التثليث أيضا وإن المصرف هو الفقير عند وجدانه، ويضاف الى قرينة توهم الحظر أن معنى الهدي هو الصدقة والتي لايرجع فيها وهو في معنى الحظر.
يقول المرجع الأعلى السيد علي السيستاني: ذهب بعض المعاصرين في فرض عدم إمكان التصدق ومصير الهدي الى الحرق والاتلاف وجوب ترك الذبح في منى وعزل قيمته على الاحتياط اللازم ثم الذبح في الوطن او في اي مكان آخر، أو التنسيق والاتفاق مع بعض الاهل والاصدقاء للذبح يوم الاضحى في الوطن والتقصير بعده، وعمدة مااستدل عليه: أولا: عدم وجود إطلاق في روايات الهدي تشمل هذا الفرض النادر بتعبيره التحقق في زمن الشارع، مضافا الى ان الواجب ليس هو مجرد إسالة الدماء بل هو مشروط بالاطعام والتصدق. وثانياً: حرمة الاسراف والتبذير. وثالثا: عدم القدرة على الذبح بمنى، اذ جميع المذابح الفعلية في هذه الايام خارج عن منى. ومنشأ ذهابه على ماذكر: المنظر الذي هاله حينما حج بيت الله الحرام لاول مرة، فإذا به يواجه مشهداً عجيباً، حيث رأى الالآف المؤلفة من أشلاء الانعام التي غطت المسلخ، وتعفن تلك الاضاحي ثم مبادرة الحكومة بحرقها واتلافها، مضافا الى ماتسببه تلك الروائح النتنة من أوبئة بين الحجيج. وجميع أدلته ومؤيداته ضعيفة: أما الاول: فيرد عليه قوله تعالى "والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون * لن ينال اللهَ لحومُها ولادماؤها ولكن يناله التقوى منكم" (الحج 36-37) فالهدي من شعائر الله مطلقا ولاربط لها بالتصدق والاكل، نعم من منافعه ركوبه وحلبه قبل ذبحه والاكل منه شيئا قليلا واهدائه والتصدق به بعد ذلك. فقوله: أن ظاهر الامر في الاية الشريفة وماتفرع عنها هو وحدة المطلوب وإن تعدد المطلوب يحتاج الى قرينة، وهي مفقودة في المقام، بل القرينة قائمة على خلافه لظاهر التفريع بالفاء.
ويستطرد آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله قائلا عن الهدي: في غاية الغرابة: اذ الفاء هنا لاتفيد ان مابعدها شرط لما قبلها أو مقدمة له، بل العكس إذ ما بعدها متفرع ومترتب على ما قبلها، فهو من قبيل قوله تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض" (الجمعة 10) وقوله "واذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا" (الاعراف 204) وقوله "وإذا حللتم فاصطادوا" (المائدة 2) "فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين" (التوبة 5) وقوله "فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت" (النور 62) وغيرها من الايات، فما بعد الفاء في هذه الايات متفرع على ماقبلها، فالاصطياد لايكون الا بعد تحقق الاحلال، والاستماع والانصات لايكون الا بعد قراءة القرآن، والانتشار في الارض لايكون الا بعد الفراغ من الصلاة، فما قبل الفاء محقق لموضوع مابعدها، هذا هو ظاهر الايات المباركة وهو ما يمليه علينا علم العربية وكلها فيها تعدد مطلوب لامطلوب واحد، والقول بان مابعدها شرط لما قبلها خلاف للظاهر وهو الذي بحاجة الى القرينة، هذا مما لاخفاء فيه. فكون التصدق هو المطلوب والذبح شرط او مقدمة له خلاف كون "البدن" من شعائر الله كما هو واضح. كما أن الاستفادة من الاية في كون الذبح مقدمة او شرطا للواجب يلزم منه وجوب الاكل ايضا كالتصدق مع انه لايلتزم به، والروايات في المقام على غرار الاية الكريمة. فلابد من الالتزام بكونها واردة مورد توهم الحظر كما تقدم ذكره فهي وآية "وإذا حللتم فاصطادوا" (المائدة 2) من وادٍ واحد كما لايخفى، إذ كان المشركون في الجاهلية يحرمون التصدق والاكل من القرابين التي كانوا يتقربون بها الى آلهتهم، فجاءت الآية لرفع توهم حرمة ذلك. ولايمكن التفكيك بين الاكل والتصدق بكون الاول وارد مورد توهم الحظر والثاني تأسيس لحكم إلزامي جديد، إذا هو من قبيل إلتزام بعض العامة ممن لاخبرة له بالعربية بعطف الارجل في آية الوضوء على الوجوه والايدي. ويؤيده ما عن مجاهد كما في تفسير الطبري قال: هي رخصة ان شاء أكل وان شاء لم يأكل وهي كقوله "وإذا حللتم فاصطادوا" (المائدة 2) "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض" (الجمعة 10) يعني قوله "فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر" (الحج 36). مضافا الى إطلاق قوله تعالى "فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي" (البقرة 196)، ففي صحيحة معاوية عنه عليه السلام قال: ثم اشتر هديك إن كان من البدن او البقر وإلا فاجعله كبشا سمينا فحلا فان لم تجد فما تيسر عليك، وعظم شعائر الله.
وعن رؤيا ابراهيم عليه السلام يقول المرجع الأعلى السيد علي السيستاني في كتابه إيضاح مناسك الحج: وقد اخبرنا القرآن الكريم والروايات المتواترة بان ابراهيم عليه السلام حينما حج بيت الله الحرام وأفاض من عرفات بات على المشعر الحرام فرأى في النوم ان الله يأمره بذبح ابنه ويكون هو القربان، فاخبره بذلك فقال "ياأبت افعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" (الصافات 102) فلما شد وثاقه ووضع المدية على حلقه فداه الله بكبش عظيم وجاءه الجواب من الله "ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء العظيم" (الصافات 103). ففي حسنة ابن فضال قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن معنى قول النبي صلى الله عليه واله (انا ابن الذبيحين) والعلة التي من أجلها دفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هو العلة التي من اجلها دفع الذبح عن عبدالله وهو كون النبي والائمة صلوات الله عليهم في صلبهما، فببركة النبي صلى الله عليه واله والائمة عليهم السلام دفع الله الذبح عنهما، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم، ولولا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب الى الله تعالى ذكره بقتل أولادهم، وكل مايتقرب به الناس الى الله عز وجل من أضحية فهو فداء لاسماعيل عليه السلام الى يوم القيامة. وفي الحسن الى البطائني عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: ماعلة الاضحية، فقال: انه يغفر لصحابها عند أول قطرة تقطر من دمها على الارض، وليعلم الله عز وجل من يتقيه بالغيب، قال الله عز وجل "لن ينال الله لحومها ولادماؤها ولكن يناله التقوى منكم" (الحج 37) ثم انظر كيف قبل الله قربان هابيل ورد قربان قابيل.
https://telegram.me/buratha