الصفحة الإسلامية

عبارات قرآنية مفرحة في العيد (ح 1) (وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة)


الدكتور فاضل حسن شريف

كما أنزل الله تعالى مائدة من السماء على حواريي عيسى عليه السلام وأصبح عيد لهم في كل سنة، فان نزول القرآن أكثر أهمية من نزول المائدة. فلهذا من حق المسلمين بل البشرية أن تحتفل سنويا بنزوا القرآن الكريم الذي هو شفاء ورحمة. وهكذا نزول الماء وتفتح الأزهار في الربيع من كل سنة. جاء في معاني القرآن الكريم: نزل النزول في الأصل هو انحطاط من علو. يقال: نزل عن دابته، ونزل في مكان كذا: حط رحله فيه، وأنزله غيره. قال تعالى: "أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين" (المؤمنون 29) ونزل بكذا، وأنزله بمعنى، وإنزال الله تعالى نعمه ونقمه على الخلق، وإعطاؤهم إياها، وذلك إما بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن، إما بإنزال أسبابه والهداية إليه، كإنزال الحديد واللباس، ونحو ذلك، قال تعالى: "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب" (الكهف 1)، "الله الذي أنزل الكتاب" (الشورى 17)، "وأنزلنا الحديد" (الحديد 25)، "وأنزلنا معهم الكتاب والميزان" (الحديد 25)، "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج" (الزمر 6)، "وأنزلنا من السماء ماء طهورا" (الفرقان 48)، "وأنزلنا من المعصرات ماءا ثجاجا" (النبأ 14)، و "أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم" (الأعراف 26)، "أنزل علينا مائدة من السماء" (المائدة 114)، "أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده" (البقرة 90) ومن إنزال العذاب قوله: "إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون" (العنكبوت 34). والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقا، ومرة بعد أخرى، والإنزال عام، فمما ذكر فيه التنزيل قوله: "نزل به الروح الأمين" (الشعراء 193) وقرئ: "نزل" (وهي قراءة ابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف.

 

على المؤمنين في العيد أن يرجعوا الى فطرتهم الانسانية المبنية على الاستقامة ومنها استقامة النفس والجسد. جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا" ﴿الإسراء 82﴾ وعد القرآن شفاء والشفاء إنما يكون عن مرض دليل على أن للقلوب أحوالا نسبة القرآن إليها نسبة الدواء الشافي إلى المرض، وهو المستفاد من كلامه سبحانه حيث ذكر أن الدين الحق فطري للإنسان فكما أن للبنية الإنسانية التي سويت على الخلقة الأصلية قبل أن يلحق بها أحوال منافية وآثار مغايرة للتسوية الأولية استقامة طبيعية تجري عليها في أطوار الحياة كذلك لها بحسب الخلقة الأصلية عقائد حقة في المبدإ والمعاد وما يتفرع عليهما من أصول المعارف، وأخلاق فاضلة زاكية تلائمها ويترتب عليها من الأحوال والأعمال ما يناسبها. فللإنسان صحة واستقامة روحية معنوية كما أن له صحة واستقامة جسمية صورية، وله أمراض وأدواء روحية باختلال أمر الصحة الروحية كما أن له أمراضا وأدواء جسمية باختلال أمر الصحة الجسمية ولكل داء دواء ولكل مرض شفاء. وقد ذكر الله سبحانه في أناس من المؤمنين أن في قلوبهم مرضا وهو غير الكفر والنفاق الصريحين كما يدل عليه قوله: "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ" (الأحزاب 60) وقوله: "وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا" (المدثر 31). وليس هذا المسمى مرضا إلا ما يختل به ثبات القلب واستقامة النفس من أنواع الشك والريب الموجبة لاضطراب الباطن وتزلزل السر والميل إلى الباطل واتباع الهوى مما يجامع إيمان عامة المؤمنين من أهل أدنى مراتب الإيمان ومما هو معدود نقصا وشركا بالإضافة إلى مراتب الإيمان العالية، وقد قال تعالى "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" (يوسف 106) وقال: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (النساء 65).

 

على المؤمنين بل المسلمين أن تتصافى قلوبهم من الشك والنفاق خلال الأعياد فيتسامحوا. بالاضافة الى دعوة بعضهم للبعض من أمراض الأبدان. جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا" ﴿الإسراء 82﴾ وَنُنَزِّلُ: وَ حرف عطف، نُنَزِّلُ فعل، من حرف جر، الْقُرْآنِ: الْ اداة تعريف، قُرْآنِ اسم علم، شفاء اسم، ورَحْمَةٌ: وَ حرف عطف، رَحْمَةٌ اسم. وننزل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب مِنَ الأمراض، كالشك والنفاق والجهالة، وما يشفي الأبدان برُقْيتها به، وما يكون سببًا للفوز برحمة الله بما فيه من الإيمان، ولا يزيد هذا القرآن الكفار عند سماعه إلا كفرًا وضلالا، لتكذيبهم به وعدم إيمانهم.

 

على المحتفلين بالعيد أن يتعلموا نوعية المأكولات والأطعمة التي يأكلونها. ورد أن لحوم الاسماك مفيدة لصحة قلب ومخ الانسان حيث احل الله اكل لحمها لتكون شفاء"وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ" (الاسراء 82) وبما ان اللحوم تحوي على الفيتامينات مثل فيتامين بي والمعادن كالحديد فان اكلها باعتدال يساعد على نشاط الجلد وعدم تساقط الشعر والشيب المبكر.

 

في العيد تنزل الرحمات على المؤمنين بعد أيام العبادة والتضرع الى الله خلال شهر رمضان أو العشر الأوائل من ذي الحجة. ولذلك يتطلب من المتعايدين أن يرحم بعضهم بعضا ويبتعدوا عن الحقد والضغينة كما جاء في تنزيل القرآن الكريم فهو شفاء ورحمة. جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا" ﴿الإسراء 82﴾ ووجه الشفاء فيه من وجوه منها: ما فيه من البيان الذي يزيل عمى الجهل وحيرة الشك ومنها: ما فيه من النظم والتأليف والفصاحة البالغة حد الإعجاز الذي يدل على صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فهو من هذه الجهة شفاء من الجهل والشك والعمى في الدين ويكون شفاء للقلوب ومنها: أنه يتبرك به وبقراءته ويستعان به على دفع العلل والأسقام ويدفع الله به كثيرا من المكاره والمضار على ما تقتضيه الحكمة ومنها: ما فيه من أدلة التوحيد والعدل وبيان الشرائع والأمثال والحكم وما في التعبد بتلاوته من الصلاح الذي يدعوإلى أمثاله بالمشاركة التي بينه وبينه فهو شفاء للناس في دنياهم وآخرتهم ورحمة للمؤمنين أي نعمة لهم وخصهم بذلك لأنهم المنتفعون به.

 

جاء عن مركز الاشعاع الاسلامي للدراسات والبحوث عن فلسفة العيد للشيخ عبد الله اليوسف: تتجلى فلسفة عيد الفطر المبارك في أنه فرحة للصائم الذي وفقه الله تعالى لصيام شهر رمضان، ويوم العيد يشكل انطلاقة جديدة للمسلم نحو المداومة على فعل الطاعات، وإتيان الصالحات، والمسابقة في فعل الخيرات. ويخطئ كثير من الناس عندما يتصورون أن العيد يوم للمرح واللعب واللهو، فالعيد في المفهوم الإسلامي يوم للعبادة والانطلاق في رحاب العمل الصالح، وهو يوم فرح لمن تقبل الله صيامه، ويوم حزن لمن لم يتقبل منه أعماله. وقد أوضح أمير المؤمنين عليه السلام ذلك بقوله: (إنما هو عيد لمن قَبِلَ الله صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا يعُصى الله فيه فهو عيد). وبَيَّنَ الإمام الحسن بن علي عليه السلام فلسفة العيد، وأنه يوم للطاعة والعبادة وليس للعب واللهو، إذ مَرَّ عليه السلام في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم فقال: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا وقصًّر آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغولٌ بإحسانه والمسيئ مشغول بإساءته، ثم مضى. والعيد عيد لمن غُفِر له ذنوبه، يقول الإمام علي عليه السلام: (إنما هذا عيد من غفر له). أما من لم تغفر له ذنوبه، ولم تتقبل أعماله، فعليه أن يعلن الحزن في يوم العيد ويشعر بالفداحة الكبيرة، وعليه بتدارك الموقف قبل فوات الأوان. والعيد يجب أن يكون يوم انطلاقة جديدة في حياة المسلم، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة من يوم الفطر أنه قال: (واعلموا عباد الله أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: ابشروا عباد الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون). فليكن يوم العيد بداية مرحلة جديدة في حياة كل مسلم، مرحلة جديدة في عباداته، وفي سلوكياته، وفي أعماله الصالحة، وفي قربه لخالقه عز وجلَّ.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك