الدكتور فاضل حسن شريف
المقصود بالدين هي العقيدة الايمانية كما جاء لكم دينكم ولي دين "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" (الكافرون 6)، فحسب عقيدة دين الاسلام واجب على كل بالغ اساسا أن يتعلم دينه لان الله سبحانه وتعالى سيحاسبه على كل ذرة عمل يخص دينه " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (الزلزلة 7-8)، بينما الانسان لا يحاسب انسان آخر بامور دينه كالصلاة والصوم الا اذا تأثر بها مثل سرقة ممتلكاته " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ" (المائدة 38). و لا يحاسب الله تعالى عبده على تعلمه القانون والطب والهندسة اذا أخطأ بها ولا تؤثر على اساسيات دينه. فمثلا الشرطي يحاسب السائق على عدم تطبيق قانون اشارات المرور ولا يحاسبه على دينه هل صلى أو صام، لهذا رجل الدين ليس مسؤوليته تعليم قانون اشارات المرور. عموما يضبط الناس امام الآخرين تطبيق القانون الذي عادة يقر لخدمة الناس. وفي العادة العمل السيئ المخالف للقانون تحاسبه الدولة بينما العمل السيء المخالف للدين لا تحاسبه الدولة اذا لم يتعارض مع القانون. ومعروف كلمة الامام علي عليه السلام الذي يشير الى ان الحاكم عليه محاسبة الرعية اذا خالفوا القانون العام الذي يؤثر سلبا على حياة الناس.
عادة قوانين الدول الظاهرية تتبع منهاج دين تلك الدولة، فمثلا القصاص بشكل من الأشكال موجود في قوانين الدول وفي دين مجتمعاتها "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة 179). فقد وجد مكتوباً على ذؤابة سيف ذي الفقار: (إن أعتى الناس على الله من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله).
وقوانين الدول لا تميز بين الأشخاص على اسس عرقية وقومية والمرأة والرجل كما هي في عادة الأديان "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات 3). تطرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في خطبة حجة الوداع عن أن التقوى هي أساس التفاضل بين الناس، كون أصلهم واحد هو آدم وحواء، فلا قومية أو لغة تعد نقطة تفاضل كما كانت الجاهلية تميز الناس على اسس عنصرية، حين قال صلى الله عليه وآله وسلّم (النَّاسُ في الإِسْلاَمِ سَواءٌ، النَّاسُ طَف الصَّاعِ لآدمَ وَحَوَّاءَ، لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجمِي، ولا عَجمِي عَلى عَرَبِي إِلاَّ بِتَقوَى اللهِ (النَّاسُ في الإِسْلاَمِ سَواءٌ، النَّاسُ طَف الصَّاعِ لآدمَ وَحَوَّاءَ، لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجمِي، ولا عَجمِي عَلى عَرَبِي إِلاَّ بِتَقوَى اللهِ). بعد ذلك اشار الى النساء واوصى بهن كونهن في الجاهلية في أسفل درك (أُوصِيكُم بالنِّساءِ خَيراً، فَإِنَّما هُنَّ عَوَارٍ عِندَكُم، لا يَملُكْنَ لأَنفُسِهِنَّ شَيئاً، وإنَّما أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانَةِ الله). وأفضل القوانين هي المتمسكة بكتاب الله وعترة أهل بيت النبوة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في خطبته (إِنِّي خَلَّفتُ فِيكم مَا أَنْ تَمَسَّكْتُمْ بِه لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللهِ وَعِترَتِي أَهْلَ بَيتِي).
يقول آية الله مكارم الشيرازي عن الفقه هو المصدر الرئيسي لاستخراج قوانين المجتمع الإسلامي: القانون هو أحد الحاجات الأساسية للمجتمعات البشرية، وأفضل القوانين هي القوانين التي جاءت للإنسان من عند الله تعالى وعن طريق الأنبياء. توفر الشرائع والقوانين الإلهية مصالح الإنسان في معاشه ورزقه، وفلاحه في معاده، وطاعة القوانين والأحكام الإلهية هي في الواقع تطبيق مشيئة الله تعالى في حياة الإنسان. الفقه هو المصدر الرئيسي لاستخراج قوانين المجتمع الإسلامي، والفقهاء هم الذين يحصلون على الأساس الرئيسي لهذه القوانين من خلال استنباط حكم الله بناء على الأدلة والحجج الموجودة وتقديمها للمشرعين لسن القوانين التي يحتاجها المجتمع بناء على تلك القوانين. ويبدو أن هنالك طريق طويل من أجل تحقيق هذا الأمر المهم، وهو التفاعل بين المشرّع والفقيه، ووضع القوانين وفق الشريعة الإسلامية المقدسة، ومن ثم معرفة المسائل الأساسية وتنظيمها بناء على الآراء المختارة والمعتمدة لدى كلتا الهيئتين التشريعية والفقهية، وجزء كبير من السير على هذا الطريق يعتمد على معرفة كلتا المجموعتين ببعضهما البعض.
https://telegram.me/buratha