الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في معاني القرآن الكريم: سحر السحر (السحر والسحر والسحر: ما التزق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن. اللسان (سحر)): طرف الحلقوم، والرئة، وقيل: انتفخ سحره، وبعير سحير: عظيم السحر، والسحارة: ما ينزع من السحر عند الذبح فيرمى به، وجعل بناؤه بناء النفاية والسقاطة. وقيل: منه اشتق السحر، وهو: إصابة السحر. عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن قصة موسى عليه السلام مع السحر "فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ" ﴿يونس 76﴾ لَسِحْرٌ: لَ لام التوكيد، سِحْرٌ اسم. فلما أتى فرعونَ وقومَه الحقُّ الذي جاء به موسى قالوا: إن الذي جاء به موسى من الآيات إنما هو سحر ظاهر.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل "فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76) قَالَ مُوسى أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكمْ أَ سِحْرٌ هَذَا ولا يُفْلِحُ السحِرُونَ (77) قَالُوا أَ جِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا وتَكُونَ لَكُمَا الْكِبرِيَاءُ فى الأَرْضِ ومَا نحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونى بِكلِّ سحِر عَلِيم (79) فَلَمَّا جَاءَ السحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)" (يونس 76-82) "فلما جاءهم"أي: جاء قوم فرعون "الحق من عندنا"يعني ما أتى به موسى من المعجزات والبراهين "قالوا إن هذا لسحر مبين"أي: ظاهر. "قال موسى" لهم " أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا "أي: أ تقولون لمعجزاته سحر والسحر باطل والمعجز حق وهما متضادان "ولا يفلح الساحرون"أي: لا يظفرون بحجة ولا يأتون على ما يدعونه ببينة وإنما هو تمويه على الضعفة "قالوا"يعني قال فرعون وقومه لموسى " أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا "أي: لتصرفنا عن ذلك "وتكون لكما الكبرياء"أي: الملك عن مجاهد وقيل العظمة والسلطان والأصل إن الكبرياء استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب "في الأرض" أي: في أرض مصر وقيل أراد اسم الجنس والمراد به الإنكار وإن كان اللفظ لفظ الاستفهام تعلقوا بالشبهة في أنهم على رأي آبائهم وإن من دعاهم إلى خلافه فظاهر أمره أنه يريد التأمر عليهم فلم يطيعوه "وما نحن لكما بمؤمنين"أي: بمصدقين فيما تدعيانه من النبوة . "وقال فرعون" حكى الله سبحانه عن فرعون أنه حين أعجزه المعجزات التي ظهرت لموسى عليه السلام ولم يكن له في دفعها حيلة قال لقومه " ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ "بالسحر بليغ في عمله وإنما طلب فرعون كل ساحر ليتعاونوا على دفع ما أتى به موسى وحتى لا يفوته شيء من السحر بتأخر بعضهم وإنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى من عند الله وليس بسحر وبعد ذلك علم أنه ليس بسحر فعائد كما قال سبحانه " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ "وقيل أنه علم أنه ليس بسحر ولكنه ظن أن السحر يقاربه مقاربة تشبيه. "فلما جاء السحرة"الذين طلبهم فرعون وأمر بإحضارهم وموسى حاضر " قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ" وفي الكلام حذف يدل عليه الظاهر وتقديره فلما أتوه بالسحرة وبالحبال والعصي قال لهم موسى "ألقوا ما أنتم ملقون"أي: اطرحوا ما جئتم به وقيل معناه افعلوا ما أنتم فاعلون وهذا ليس بأمر بالسحر ولكنه قال ذلك على وجه التحدي والإلزام أي من كان عنده ما يقاوم المعجزات فليلقه وقيل أنه أمر على الحقيقة بالإلقاء ليظهر بطلانه وإنما لم يقتصر على قوله "ألقوا"لأنه أراد ألقوا جميع ما أنتم ملقون في المستأنف فلواقتصر على ألقوا ما أفاد هذا المعنى والإلقاء إخراج الشيء عن اليد إلى جهة الأرض ويشبه بذلك قولهم ألقي عليه مسألة وألقى عليه رداه.
قوله سبحانه "فلما ألقوا" أي: فلما ألقت السحرة سحرهم "قال موسى" لهم "ما جئتم به السحر" أي: الذي جئتم به من الحبال والعصي السحر أدخل عليه الألف واللام للعهد لأنهم لما قالوا لما أتى به موسى أنه سحر قال عليه السلام ما جئتم به هو السحر عن الفراء "إن الله سيبطله"أي: سيبطل هذا السحر الذي فعلتموه "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ " معناه إن الله لا يهيىء عمل من قصد إفساد الدين ولا يمضيه ويبطله حتى يظهر الحق من الباطل والمحق من المبطل "ويحق الله الحق"أي: يظهر الله الحق ويحققه ويثبته وينصر أهله "بكلماته" قيل في معناه أقوال أحدها أن معناه بوعد موسى عليه السلام وكان وعده النصر فأنجز وعده عن الحسن وثانيها أن معناه بكلامه الذي يتبين به معاني الآيات التي أتاها نبيه عن الجبائي (وثالثها) بما سبق من حكمه في اللوح المحفوظ بأن ذلك سيكون "ولو كره المجرمون" ظهور الحق وإبطال الباطل وفي هذه الآية دلالة على أنه تعالى ينصر المحقين كلهم في حقهم وذلك على وجهين (أحدهما) بالحجة فهذه النصرة مستمرة على كل حال (والثاني) بالغلبة والقهر وهذا يختلف بحسب المصلحة لأن المصلحة قد تكون بالتخلية تارة وبالحيلولة أخرى .
عن دار الوفاء للثقافة والاعلام المبارزة التاريخية بين موسى عليه السلام والسحرة للاستاذ عبد الوهاب حسين: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِکُلِ سَاحِرٍ عَلِیمٍ * فَلَما جَاءَ السحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَلَما أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِحْرُ إِن اللهَ سَیُبْطِلُهُ إِن اللهَ لا یُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِینَ * وَیُحِق اللهُ الحق بِکَلِمَاتِهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" (يونس 79-82) لما رأى فرعون الطاغية وملؤه المستكبرون الفاسدون ما جاء به موسى الكليم عليه السلام من الآيات الإلهية والبينات الواضحة والمعجزات النيرات الباهرات من عند رب العالمين، وعلموا وتأكدوا ووثقوا من تأثيرها الكبير في الناس، وخطرها العظيم المدمر على نظام الحكم والدولة والحكومة ومصالحهم الخاصة وما يحصلون عليه من الامتيازات الضخمة من النظام الفاسد ما لم يواجهوها، لأنها كانت واصلة وقاطعة في الجزم بصدق نبوة موسى الكليم عليه السلام ورسالته وعدالة قضيته ومشروعية مطالبه الإصلاحية الدينية والسياسية والحقوقية، وعلموا بعجزهم عن الرد العلمي والمنطقي والسياسي الواقعي عليه، فرموه بالسحر والتآمر والخيانة العظمى، ونفوا أن يكون ما جاء به من عند رب العالمين، واستبعدوا ذلك غاية الاستبعاد، إذ لا حيلة لهم في دفع ما جاءهم به، ومنع تأثيره في الناس إلا هذه الوسيلة الخبيثة، التي تشابهت عليها قلوب الطواغيت والفراعنة والحكام المستبدون والمترفون والانتهازيون والنفعيون المكذبون بالرسالات الإلهية والمعارضون للإصلاح في العالم في طول التاريخ وعرض الجغرافيا، وليس ذلك منهم لاشتباه أو لاعتقاد واقتناع حقيقي لديهم، بأن ما جاء به موسى الكليم عليه السلام هو من السحر فعلاً، ففرعون يتمتع بذكاء خارق وبخبرة عملية واسعة في الحياة والسياسة، وبعلم ومعرفة بالسحر، وكان يمارسه، وبه وصل إلى الملك والسلطة، مما يؤهله لأن يعلم عن يقين بأن ما جاء به موسى الكليم عليه السلام ليس من السحر ولا مشابه له، بل هو آية إلهية ومعجزة عظيمة، تقف وراءها قوة غيبية مطلقة فوق الطبيعة وفوق البشر، ولكنه بسبب استغراقه في عالم الدنيا والمادة والمصالح الدنيوية الخاصة الأنانية، لم يدرك العلاقة الوجودية الوثيقة التي لا تقبل التخلص والانفصال بين كمال الإنسان وخيره وصلاحه ومصلحته وسعادته الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة، وبين معرفة الحقائق والسنن الإلهية الكونية والتاريخية والعمل بمقتضاها.
قوله تعالى "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِکُلِ سَاحِرٍ عَلِیمٍ" (يونس 79) بسبب الاستغراق في عالم الدنيا والمادة والمصالح الدنيوية الأنانية الخاصة، وشدة التعلق والطمع في السلطة والثروة والصلاحيات الواسعة والامتيازات الضخمة المتميزة التي تمنحها السلطة، عاند واستكبر على الحق وأهله، وفعل كما فعل إبليس الرجيم، إذ بغى وعصى عن علم ويقين وتحت تأثيرالغرور بالسلطة والقوة والثروة، انفصل عن عالم الواقع والحقائق والسنن، وتوهم بأنه يستطيع أن يتغلب على موسى الكليم عليه السلام ويهزمه ويقهر دعوته، فأراد أن يستخف بعقول قومه والموالين له ويضلهم، ويعارض ما جاء به موسى الكليم عليه السلام عن طريق السحر والشعوذة والتهويل، ليمنع تصديقهم له وإيمانهم بنبوته ورسالته عدالة قضيته وشرعية مطالبه الإصلاحية الدينية والسياسية والحقوقية، وربما قدّر بأنه وإن لم يستطع أن يقهر موسى الكليم عليه السلام نفسه، فإنه يستطيع أن يثير الشغب والفوضى الجماهيرية في وجهه، ويشوش الرؤية لمعرفة حقيقة ما جاء به، فيمنع إيمان الناس بنبوته وتصديقهم برسالته ودعوته واتباعهم له ومناصرته أو الحد من ذلك وتأجيله مؤقتاً على أقل تقدير، وهذا يخدم مصلحته الخاصة ومصلحة نظامه، وهذا أمر ممكن عقلاً وثابت بالتجربة التاريخية الطويلة في الصراعات بين الأنظمة والطواغيت الضالين والفراعنة المتجبرين والحكام المستبدين الظلمة والمترفين المستغلين، وبين الأنبياء الكرام والأوصياء المطهرين عليهم السلام والأولياء الصالحين والمطالبين بالإصلاح والحقوق الواقعية المشروعة الطبيعية والمكتسبة، فيؤمن بذلك بقاء نظامه، واستمرار وجوده في السلطة، وتمتعه بالصلاحيات الملكية الواسعة والامتيازات الضخمة، وضمان مصالحه الخاصة المتراكمة والمستجدة.
جاء عن مركز الأبحاث العقائدية: سؤال: توجد بعض المذاهب تعتقد بأن النبي قد سحر في فترة من فترات حياته فما رأيكم في هكذا اعتقاد؟ وما ردكم عليهم. الجواب: قد جاء في بعض المجاميع الحديثيّة من الفريقين ما يشعر بوقوع السحر (البحار 18/57، 69 ـ صحيح البخاري 10/199 ـ صحيح مسلم / ح 2189). ولكنّ الصحيح أنّ السحر لا يؤثّر في نفوس الأنبياء والأئمة عليهم السلام كما عليه المشهور والمحقّقون من علماء الإماميّة. ويدلّ عليه عقلاً بأنّه صلى الله عليه وآله وسلّم في فترة السحر على فرض المحال تكون تصرفاته غير لائقة بالإنسان العادي فكيف وهو نبي؟. وأيضاً يعتبره القرآن من تقوّلات الكفّار والمعاندين في سبيل عدم الرضوخ للحق "إذ يقول الظالمون إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحوراً" (الإسراء 47)، و "فقال له فرعون إني لأظنّك يا موسى مسحوراً" (الإسراء 101)، و "وقال الظالمون إن تتبعون إلاّ رجلاً مسحوراً * أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا" (الفرقان 8-9). وعليه فلابدّ من تأويل الأحاديث الواردة في هذا المجال بما لا ينافي المسلّمات، أو طرحها من الأساس باعتبار ضعف أسانيدها . وهنا نقطة لا بأس بالإشارة إليها: وهي أنّ الروايات الشيعية في هذا الموضوع تدلّ فقط على محاولة بعض اليهود لسحر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وليس فيها دلالة على تأثير ذلك السحر في نفسه الكريمة صلى الله عليه وآله وسلّم، بل فيها دلالة على صدق نبّوته، إذ إنّه صلى الله عليه وآله وسلّم اطّلع على هذا التمويه بإخبار من الله عزّ وجل فأمر باستخراج السحر من مكان خاص، فكان كما أخبر هو صلى الله عليه وآله وسلّم، وهذه القضية أصبحت تأييداً آخر لنبوّته ورسالته . وعلى العكس، فإنّ في روايات أهل السنة في هذا المجال ما يأباه العقل والنقل ويردّه حتى القرآن كما ذكرنا بالصراحة. فتأويلها أو رفع اليد عنها أحرى وأجدر من طرح الأدلة العقليّة والنقليّة بهذا الشأن.
https://telegram.me/buratha