الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: في غاية المرام، عن أبي المؤيد موفق بن أحمد في كتاب فضائل علي، قال: أخبرني سيد الحفاظ شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إلي من همدان، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة، حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي، حدثنا الحسين بن عليل الغنوي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الزراع، حدثنا قيس بن حفص، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو هريرة عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وآله يوم دعا الناس إلى غدير خم أمر بما تحت الشجرة من شوك فقم، وذلك يوم الخميس يوم دعا الناس إلى علي وأخذ بضبعه ثم رفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً" (المائدة 3) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي، ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. وقال حسان بن ثابت: أتأذن لي يا رسول الله أن أقول أبياتا؟ قال: قل ينزله الله تعالى، فقال حسان بن ثابت: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالنبي مناديا بأني مولاكم نعم ووليكم * فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولا تجدن في الخلق للأمر عاصيا. فقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا. وعن كتاب نزول القرآن، في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للحافظ أبي نعيم رفعه إلى قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: مثله، وقال في آخر الأبيات: فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا. وعن نزول القرآن، أيضا يرفعه إلى علي بن عامر عن أبي الحجاف عن الأعمش عن عضة قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله في علي بن أبي طالب: "يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ" (المائدة 67) وقد قال الله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً" (المائدة 3). وعن إبراهيم بن محمد الحمويني قال: أنبأني الشيخ تاج الدين أبو طالب علي بن الحسين بن عثمان بن عبد الله الخازن، قال: أنبأنا الإمام برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة، قال: أنبأنا الإمام أخطب خوارزم أبو المؤيد موفق بن أحمد المكي الخوارزمي، قال: أنبأني سيد الحفاظ في ما كتب إلي من همدان، أنبأنا الرئيس أبو الفتح كتابة، حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي، نبأنا الحسن بن عقيل الغنوي، نبأنا محمد بن عبد الله الزراع، نبأنا قيس بن حفص قال: حدثني علي بن الحسين العبدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري، وذكر مثل الحديث الأول.
ويستطرد العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسيره الميزان عن روايات الغدير قائلا: وعن الحمويني أيضا عن سيد الحفاظ وأبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المقرئ الحافظ عن أحمد بن عبد الله بن أحمد، قال: نبأنا محمد بن أحمد بن علي، قال: نبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: نبأنا يحيى الحماني، قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري، وذكر مثل الحديث الأول. قال: قال الحمويني عقيب هذا الحديث: هذا حديث له طرق كثيرة إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري. وعن المناقب الفاخرة، للسيد الرضي رحمه الله عن محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر، عن أبيه عن جده قال: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع نزل أرضا يقال له: ضوجان، فنزلت هذه الآية: "يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة 67) فلما نزلت عصمته من الناس نادى: الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه، وقال: من أولى منكم بأنفسكم: فضجوا بأجمعهم فقالوا: الله ورسوله فأخذ بيد علي بن أبي طالب، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله لأنه مني وأنا منه، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وكانت آخر فريضة فرضها الله تعالى على أمة محمد ثم أنزل الله تعالى على نبيه: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً" (المائدة 67). قال أبو جعفر: فقبلوا من رسول الله صلى الله عليه وآله كل ما أمرهم الله من الفرائض في الصلاة والصوم والزكاة والحج، وصدقوه على ذلك. قال ابن إسحاق: قلت لأبي جعفر: ما كان ذلك؟ قال لتسع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة عشرة عند منصرفه من حجة الوداع، وكان بين ذلك وبين النبي صلى الله عليه وآله مائة يوم وكان سمع رسول الله بغدير خم اثنا عشر.
ويستمر السيد محمد حسين الطباطبائي قائلا عن روايات غدير خم: وعن المناقب، لابن المغازلي يرفعه إلى أبي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيامه ستين شهرا، وهو يوم غدير خم، بها أخذ النبي بيعة علي بن أبي طالب، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، فقال له عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فأنزل الله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ" (المائدة 3). وعن المناقب، لابن مردويه وكتاب سرقات الشعر، للمرزباني عن أبي سعيد الخدري مثل ما تقدم عن الخطيب. أقول: وروى الحديثين في الدر المنثور، عن أبي سعيد وأبي هريرة ووصف سنديهما بالضعف. وقد روي بطرق كثيرة تنتهي من الصحابة (لو دقق فيها) إلى عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ومعاوية وسمرة: أن الآية نزلت يوم عرفة من حجة الوداع وكان يوم الجمعة، والمعتمد منها ما روي عن عمر فقد رواه عن الحميدي وعبد بن حميد وأحمد البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والبيهقي في سننه عن طارق بن شهاب عن عمر، وعن ابن راهويه في مسنده وعبد بن حميد عن أبي العالية عن عمر، وعن ابن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب عن عمر، وعن البزاز عن ابن عباس، والظاهر أنه يروي عن عمر. ثم أقول: أما ما ذكره من ضعف سندي الحديثين فلا يجديه في ضعف المتن شيئا فقد أوضحنا في البيان المتقدم إن مفاد الآية الكريمة لا يلائم غير ذلك من جميع الاحتمالات والمعاني المذكورة فيها، فهاتان الروايتان وما في معناهما هي الموافقة للكتاب من بين جميع الروايات فهي المتعينة للأخذ. على أن هذه الأحاديث الدالة على نزول الآية في مسألة الولاية وهي تزيد على عشرين حديثا من طرق أهل السنة والشيعة مرتبطة بما ورد في سبب نزول قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ" (المائدة 67) وهي تربو على خمسة عشر حديثا رواها الفريقان، والجميع مرتبط بحديث الغدير: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهو حديث متواتر مروي عن جم غفير من الصحابة، اعترف بتواتره جمع كثير من علماء الفريقين. ومن المتفق عليه أن ذلك كان في منصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة. وهذه الولاية (لو لم تحمل على الهزل والتهكم) فريضة من الفرائض كالتولي والتبري اللذين نص عليهما القرآن في آيات كثيرة، وإذا كان كذلك لم يجز أن يتأخر جعلها نزول الآية أعني قوله: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ" (المائدة 3)، فالآية إنما نزلت بعد فرضها من الله سبحانه، ولا اعتماد على ما ينافي ذلك من الروايات لو كانت منافية. وأما ما رواه من الرواية فقد عرفت ما ينبغي أن يقال فيها غير أن هاهنا أمرا يجب التنبه له، وهو أن التدبر في الآيتين الكريمتين: "يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ" (المائدة 67) (الآية) على ما سيجيء من بيان معناه، وقوله: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" (المائدة 3) (الآية) والأحاديث الواردة من طرق الفريقين فيهما وروايات الغدير المتواترة، وكذا دراسة أوضاع المجتمع الإسلامي الداخلية في أواخر عهد رسول الله صلى الله عليه وآله والبحث العميق فيها يفيد القطع بأن أمر الولاية كان نازلا قبل يوم الغدير بأيام، وكان النبي صلى الله عليه وآله يتقي الناس في إظهاره، ويخاف أن لا يتلقوه بالقبول أو يسيئوا القصد إليه فيختل أمر الدعوة، فكان لا يزال يؤخر تبليغه الناس من يوم إلى غد حتى نزل قوله: "يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ" (المائدة 67) (الآية) فلم يمهل في ذلك.
وعن نزول آية كمال الدين يقول العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسير الميزان: وعلى هذا فمن الجائز أن ينزل الله سبحانه معظم السورة وفيه قوله: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" (المائدة 3) (الآية) وينزل معه أمر الولاية كل ذلك يوم عرفة فأخر النبي صلى الله عليه وآله بيان الولاية إلى غدير خم، وقد كان تلا آيتها يوم عرفة وأما اشتمال بعض الروايات على نزولها يوم الغدير فليس من المستبعد أن يكون ذلك لتلاوته صلى الله عليه وآله الآية مقارنة لتبليغ أمر الولاية لكونها في شأنها. وعلى هذا فلا تنافي بين الروايات أعني ما دل على نزول الآية في أمر الولاية، وما دل على نزولها يوم عرفة كما روي عن عمر وعلي ومعاوية وسمرة، فإن التنافي إنما كان يتحقق لو دل أحد القبيلين على النزول يوم غدير خم، والآخر على النزول على يوم عرفة. وأما ما في القبيل الثاني من الروايات أن الآية تدل على كمال الدين بالحج وما أشبهه فهو من فهم الراوي لا ينطبق به الكتاب ولا بيان من النبي صلى الله عليه وآله يعتمد عليه. وربما استفيد هذا الذي ذكرناه مما رواه العياشي في تفسيره، عن جعفر بن محمد بن محمد الخزاعي عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل فقال له: إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: قل لأمتك: اليوم أكملت دينكم بولاية علي بن أبي طالب وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ولست أنزل عليكم بعد هذا، قد أنزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج، وهي الخامسة، ولست أقبل عليكم بعد هذه الأربعة إلا بها. على أن فيما نقل عن عمر من نزول الآية يوم عرفة إشكالا آخر، وهو أنها جميعا تذكر أن بعض أهل الكتاب وفي بعضها: أنه كعب قال لعمر: إن في القرآن آية لو نزلت مثلها علينا معشر اليهود ـ لاتخذنا اليوم الذي نزلت فيه عيدا، وهي قوله: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" (المائدة 3) (الآية) فقال له عمر: والله إني لأعلم اليوم وهو يوم عرفة من حجة الوداع. ولفظ ما رواه ابن راهويه وعبد بن حميد عن أبي العالية هكذا: قال كانوا عند عمر فذكروا هذه الآية، فقال رجل من أهل الكتاب: لو علمنا أي يوم نزلت هذه الآية لاتخذناه عيدا، فقال عمر الحمد لله الذي جعله لنا عيدا واليوم الثاني، نزلت يوم عرفة ـ واليوم الثاني يوم النحر فأكمل لنا الأمر فعلمنا أن الأمر بعد ذلك في انتقاص. وما يتضمنه آخر الرواية مروي بشكل آخر ففي الدر المنثور: عن ابن أبي شيبة وابن جرير عن عنترة قال: لما نزلت "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" (المائدة 3) وذلك يوم الحج الأكبر بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وآله ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص، فقال: صدقت.
https://telegram.me/buratha