الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في معاني القرآن الكريم: هلل الهلال: القمر في أول ليلة والثانية، ثم يقال له القمر، ولا يقال: له هلال، وجمعه: أهلة، قال الله تعالى: "يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" (البقرة 189) وقد كانوا سألوه عن علة تهلله وتغيره. وشبه به في الهيئة السنان الذي يصاد به وله شعبتان كرمي الهلال، وضرب من الحيات، والماء المستدير القليل في أسفل الركي، وطرف الرحا، فيقال لكل واحد منهما: هلال، وأهل الهلال: رؤي، واستهل: طلب رؤيته. ثم قد يعبر عن الإهلال بالاستهلال نحو: الإجابة والاستجابة، والإهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لكل صوت، وبه شبه إهلال الصبي، وقوله: "وما أهل به لغير الله" (البقرة 73) أي: ما ذكر عليه غير اسم الله، وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام، وقيل: الإهلال والتهلل: أن يقول لا إله إلا الله، ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة كقولهم: التبسمل والبسملة (وهذا يسمى في اللغة النحت. انظر الصاحبي ص 461، والمزهر 1/482)، والتحولق والحوقلة إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومنه الإهلال بالحج، وتهلل السحاب ببرقه: تلألأ، ويشبه في ذلك بالهلال، وثوب مهلل: سخيف النسج، ومنه شعر مهلهل.
عن تفسير الميسر: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿البقرة 189﴾ يَسَأْلُونَكَ: يَسْـَٔلُ فعل، ونَ ضمير، كَ ضمير. عَنِ حرف جر. الْأَهِلَّةِ: الْ اداة تعريف، أَهِلَّةِ اسم. يسألك أصحابك أيها النبي: عن الأهلة وتغيُّر أحوالها، قل لهم: جعل اللهُ الأهلة علامات يعرف بها الناس أوقات عباداتهم المحددة بوقت مثل الصيام والحج، ومعاملاتهم. وليس الخير ما تعودتم عليه في الجاهلية وأول الإسلام من دخول البيوت من ظهورها حين تُحْرِمون بالحج أو العمرة، ظانين أن ذلك قربة إلى الله، ولكن الخير هو فِعْلُ مَنِ اتقى الله واجتنب المعاصي، وادخلوا البيوت من أبوابها عند إحرامكم بالحج أو العمرة، واخشوا الله تعالى في كل أموركم، لتفوزوا بكل ما تحبون من خيري الدنيا والآخرة.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿البقرة 189﴾ قوله تعالى: "يسئلونك" إلى قوله: "والحج"، الأهلة جمع هلال ويسمى القمر هلالا أول الشهر القمري إذا خرج من تحت شعاع الشمس الليلة الأولى والثانية كما قيل، وقال بعضهم الليالي الثلاثة الأول، وقال بعضهم حتى يتحجر، والتحجر أن يستدير بخطة دقيقة، وقال بعضهم: حتى يبهر نوره ظلمة الليل وذلك في الليلة السابعة ثم يسمى قمرا ويسمى في الرابعة عشر بدرا، واسمه العام عند العرب الزبرقان. والهلال مأخوذ من استهل الصبي إذا بكى عند الولادة أو صاح، ومن قولهم: أهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية، سمي به لأن الناس يهلون بذكره إذا رأوا. والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت المضروب للفعل، ويطلق أيضا: على المكان المعين للفعل كميقات أهل الشام وميقات أهل اليمن، والمراد هاهنا الأول. وفي قوله تعالى: "يسئلونك عن الأهلة"، وإن لم يشرح أن السؤال في أمرها عما ذا؟ عن حقيقة القمر وسبب تشكلاتها المختلفة في صور الهلال والقمر والبدر كما قيل، أوعن حقيقة الهلال فقط، الظاهر بعد المحاق في أول الشهر القمري كما ذكره بعضهم، أوعن غير ذلك. ولكن إتيان الهلال في السؤال بصورة الجمع حيث قيل: يسئلونك عن الأهلة دليل على أن السؤال لم يكن عن ماهية القمر واختلاف تشكلاته إذ لوكان كذلك لكان الأنسب أن يقال: يسألونك عن القمر لا عن الأهلة، وأيضا لوكان السؤال عن حقيقة الهلال وسبب تشكله الخاص كان الأنسب أن يقال: يسألونك عن الهلال إذ لا غرض حينئذ يتعلق بالجمع، ففي إتيان الأهلة بصيغة الجمع دلالة على أن السؤال إنما كان عن السبب أو الفائدة في ظهور القمر هلالا بعد هلال ورسمه الشهور القمرية، وعبر عن ذلك بالأهلة لأنها هي المحققة لذلك فأجيب بالفائدة.
وعن من هم أهل العلم الذين يسألون عن القرآن يقول الشيخ جلال الدين الصغير مسألة وجوب أن يكون هناك شريك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرسوخ بهذا العلم أمرا لا مندوحة عنه. فكيف والحال أن مرمى هذا العلم أن يتوصل به الإنسان إلى عبادة اليقين لقوله تعالى: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" (الحجر 99) فلا بد وأن نلقى صدى الامتداد الذي لا يقف عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحسب في بقية الآيات القرآنية، ولربما تأتي الآية القرآنية الكريمة: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل 43) لتكشف عن هذه الحقيقة بجلاء ووضوح، ففعل الأمر هنا فَاسْأَلُوا لا يتعلق بزمان دون غيره بل هو يمتد إلى كل الأزمان، ويخص جميع الأقوام، وهو مبدأ عقلي أيضا. يذهب فضل الله إلى القول بأن متعلق الآية هم علماء أهل الكتاب. قال الله جل علاه "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" (النساء 82) أشار الشيخ جلال الدين الصغير الى هذه الآية الشريفة وقال إننا لا نعلم فيه إشارة كهذه وهو ما يتمثل بقوله تعالى: "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) هذا وقد أجمعت رواية أهل البيت عليهم السلام والكثير من مفسري العامة على أن من عنده علم الكتاب هو علي عليه السلام وما يمثله من بعده من أئمة أهل البيت عليهم السلام. ونفس الأمر نجده في الآية الكريمة "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (الانبياء 7) فأهل الذكر يتطابقون مقاما مع من عنده علم الكتاب، ومع من وصفوا بالراسخين في العلم وفعل الأمر هنا له من الدلالة على الاستمرار المستقبلي.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿البقرة 189﴾ كما اتّضح من سبب نزول هذه الآية الشريفة من أنّ جماعة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الهلال وما يحصل عليه من تغييرات متدرّجة وعن أسبابها ونتائجها، فيجيب القرآن الكريم على سؤالهم بقوله "يَسْألونَكَ عَنِ الأهَلّةِ". (أهلّة) جمع (هلال) ويعني القمر في اللّيلة الاُولى والثانية من الشهر، وقال بعضهم أنّ التسمية تطلق عليه لثلاث ليالي من أوّل الشّهر وبعد ذلك يُسمّى (قمر)، وذهب بعضهم إلى أكثر من هذا المقدار. ويرى المرحوم (الطبرسي) في مجمع البيان وآخرون من المفسّرين أنّ مفردة (الهلال) هي في الأصل من (استهلال الصبي) ويعني بكاء الطفل من بداية تولّده، ثمّ استُعمل للقمر في بداية الشهر، وكذلك اسُتعمل أيضاً في قول الحجّاج في بداية مناسكهم: (لبيّك لبيّك). بصوت عال، فيقال (أهلّ القوم بالحج) ولكن يُستفاد من كلمات الرّاغب في المفردات عكس هذا المطلب وأنّ أصل هذه المفردة هو الهلال في بداية الشهر وقد استفيد منه (استهلال الصبي) أي بكائه عند ولادته. وعلى كلّ حال يُستفاد من جملة (يسألونك) الّتي هي فعل مضارع يدل على التكرار أنّ هذا السؤال قد تكرّر مرّات عديدة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثمّ تقول الآية "قل هي مواقيت للنّاس والحجّ". فما يحصل عليها من تغييرات منتظمة تدريجيّة، يجعل منها تقويماً طبيعياً يساعد الناس على تنظيم اُمورهم الحياتية القائمة على التوقيت وتحديد الزمن، وكذلك على تنظيم اُمور عباداتهم المحدّدة بزمان معيّن كالحجّ والصوم، والهلال هو المرجع في تعيين هذا الزمان، وبالإستهلال ينظّم الناس اُمور عبادتهم وشؤون دنياهم.
https://telegram.me/buratha