الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: قوله تعالى "ماذا ينفقون قل العفو" (البقرة 219) أي ماذا يتصدقون ويعطون "قل العفو" (البقرة 219) أي يعطون عفوا أموالهم فيتصدقون مما فضل من أقواتهم، وأقوات عيالهم. قوله عز من قائل "مما رزقناهم ينفقون" (البقرة 2) (الانفال 3) (الحج 35) (القصص 54) (السجدة 16) (الشورى 38) أي يزكون ويتصدقون. وقوله تعالى: "ألا يجدوا ما ينفقون" (التوبة 39) أي لئلا يجدوا، متعلق ب "حزنا" (التوبة 39) أو "تفيض" (التوبة 39).
عنجاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ" (البقرة 219) العفو على ما ذكره الراغب قصد الشيء لتناوله ثم أوجب لحوق العنايات المختلفة الكلامية به مجيئه لمعاني مختلفة كالعفو بمعنى المغفرة والعفو بمعنى إمحاء الأثر والعفو بمعنى التوسط في الإنفاق، وهذا هو المقصود في المقام، والله العالم. والكلام في مطابقة الجواب للسؤال في هذه الآية نظير ما مر في قوله تعالى: "يسئلونك ما ذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين" الآية. قوله تعالى: "يبين الله لكم" إلى قوله: في الدنيا والآخرة، الظرف أعني قوله تعالى: "في الدنيا والآخرة"، متعلق بقوله: "تتفكرون" وليس بظرف له، والمعنى لعلكم تتفكرون في أمر الدارين وما يرتبط بكم من حقيقتهما، وأن الدنيا دار خلقها الله لكم لتحيوا فيها وتكسبوا ما ينفعكم في مقركم وهو الدار الآخرة التي ترجعون فيه إلى ربكم فيجازيكم بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا.
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تبارك وتعالى "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ" (البقرة 219) وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ. ومناسبة هذا السؤال لما قبله أنهم بعد أن نهوا عن إنفاق أموالهم في الوجوه المحرمة كتعاطى الخمر والميسر، سألوا عن وجوه الإنفاق الحلال، وعن مقدار ما ينفقون فأجيبوا بهذا الجواب الحكيم. قال الآلوسى: أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا وما الذي ننفقه منها فأنزل الله تعالى "وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ" (البقرة 219) وكان الرجل قبل ذلك ينفق ماله حتى لا يجد ما يتصدق ولا ما يأكل. وأصل العفو في اللغة الزيادة. قال تعالى: "ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا" أى زادوا على ما كانوا عليه من العدد. ويطلق على ما سهل وتيسر مما يكون فاضلا عن الكفاية. يقال: خذ ما عفا لك. أى ما تيسر. كما يطلق على الترك قال تعالى: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ أى تركه وتجاوز عنه. والمراد به هنا: ما يفضل عن الأهل ويزيد عن الحاجة، إذ هذا القدر الذي يتيسر إخراجه ويسهل بذله، ولا يتضرر صاحبه بتركه. والمعنى، ويسألونك ما الذي يتصدقون به من أموالهم في وجوه البر، فقل لهم تصدقوا بما زاد عن حاجتكم، وسهل عليكم إخراجه، ولا يشق عليكم بذله. وفي هذه الجملة الكريمة إرشاد حكيم إلى التعاون والتراحم بين أفراد المجتمع، وتوجيه إلى المنهاج الوسط الذي يأبى التبذير وينفر من التقتير، وفي أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما يؤيد هذا الإرشاد والتوجيه، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول). وأخرج مسلّم عن جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذى قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا). إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى. وللأستاذ الإمام كلام جيد في هذا المقام، فقد قال رحمه الله ما ملخصه: إن الأمة المؤلفة من مليون فرد إذا كانت تبذل من فضل مالها في مصالحها العامة كإعداد القوة وتربية الناشئة.. تكون أعز وأقوى من أمة مؤلفة من مائة مليون فرد لا يبذلون شيئا في مثل ذلك لأن الواحد من الأمة الأولى يعد بأمة، إذ هو يعتبر نفسه جزءا منها وهي كل له، بينما الأمة الثانية لا تعد بواحد لأن كل فرد من أفرادها يخذل الآخر. وفي الحقيقة أن مثل هذا الجمع لا يسمى أمة، لأن كل واحد من أفراده يعيش وحده وإن كان في جانبه أهل الأرض، فهو لا يتصل بمن معه ليمدهم ويستمد منهم.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله سبحانه "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" ﴿البقرة 215﴾ "يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ". الخطاب موجه للرسول الأعظم صلى الله عليه واله. "قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ". المراد بالخير المال "فَلِلْوالِدَيْنِ" المراد بهما الأب والأم والجد والجدة، لأنهم يدخلون في اسم الوالدين "والأَقْرَبِينَ" هم أرحام المعطي " والْيَتامى" كل من لا أب له "والْمَساكِينِ " الفقراء "وابْنِ السَّبِيلِ" المسافر المنقطع عن أهله ووطنه، ولا نفقة له. وتسأل: ان ظاهر الآية يدل على ان القوم سألوا عن نوع النفقة، لا عن مصرفها، وعمن ينفقون عليه، فجاء الجواب عن المصرف، لا عن النوع، فما هو الوجه؟. أجاب أكثر المفسرين عن ذلك بأن القصد من الجواب هو تنبيه السائلين إلى انه ينبغي ان يسألوا عمن ينفقون عليه، لا عن نوع ما ينفقون. ونقل الرازي عن القفال جوابا آخر، وهوان السؤال وان كان بلفظ (ما) الا ان المسؤول عنه هو مصرف النفقة، لا نوعها، لأن النوع معلوم. وأيده الشيخ محمد عبده بقوله: ان علماء المنطق هم الذين قالوا: السؤال بما يختص بالماهية والحقيقة، أما العرب فإنهم يسألون بما عن الماهية وعن الكيفية. والقرآن لا يجري على مذهب أرسطو في منطقه، وانما هو بلسان عربي مبين. وهذا الجواب أرجح من الأول وان كانت النتيجة واحدة. سؤال ثان: هل الإنفاق على من ذكرتهم الآية واجب أم مستحب؟. الجواب: تجب نفقة الأولاد على الوالدين، وبالعكس إذا كان أحدهما قادرا على الإنفاق، والآخر عاجزا عن الإنفاق على نفسه، ولوعن طريق الكسب. وهذه النفقة لا تحسب من أصل الزكاة، لأن النفقة على الآباء والأبناء تجب وجوبا مستقلا عن وجوب الزكاة، أما اليتامى والمساكين وأبناء السبيل فيجوز اعطاؤهم من الزكاة الواجبة، كما يجوز إعطاء الجميع من الصدقات المستحبة، والصدقة المستحبة تعطى لكل محتاج، مسلما كان أو غير مسلم، لأن لكل كبد حرى أجرا، كما جاء في الحديث.. قوله تبارك وتعالى "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ" (البقرة 219) " ويَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو". أي أنفقوا ما زاد عما تحتاجونه أنتم وعيالكم. والأمر بالإنفاق هنا للاستحباب، لا للوجوب، وانما يجب البذل إذا تحققت شروط الخمس والزكاة، وسنتكلم عنهما مفصلا ان شاء اللَّه.. ومهما يكن، فان هذه الآية تجري مجرى الآية 29 من الاسراء: "ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً". وفي الحديث ان رجلا جاء رسول اللَّه (صلى الله عليه واله) بمثل البيضة من ذهب، وقال له: يا رسول اللَّه خذها صدقة، فو اللَّه لا أملك غيرها، فأعرض الرسول عنه، ثم أتاه من بين يديه، وأعاد القول، فقال النبي (صلى الله عليه واله): هاتها مغضبا، فأخذها منه، ثم حذفه بها، وقال: يأتيني أحدكم بماله لا يملك غيره، ويجلس يتكفف الناس، انما الصدقة عن غنى، خذها لا حاجة لنا فيها.. وفي الحديث أيضا ان النبي صلى الله عليه واله كان يحبس لأهله قوت سنته.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" ﴿البقرة 215﴾ يتعرّض القرآن الكريم في آيات عديدة إلى الإنفاق والبذل في سبيل الله، وحثّ المسلمين بطرق عديدة على الإنفاق والأخذ بيد الضعفاء، وهذه الآية تتناول مسألة الإنفاق من جانب آخر، فثمة سائل عن نوع المال الذي ينفقه، ولذلك جاء تعبير الآية بهذا الشكل "يسألونك ماذا ينفقون". وفي الجواب بيّنت الآية نوع الإنفاق، ثمّ تطرّقت أيضاً إلى الأشخاص المستحقّين للنفقة، وسبب نزول الآية كما مرّ يبيّن أنّ السؤال اتّجه إلى معرفة نوع الإنفاق ومستحقّيه. بشأن المسألة الاُولى: ذكرت الآية كلمة "خير" لتبيّن بشكل جامع شامل ما ينبغي أن ينفقه الإنسان، وهو كلّ عمل ورأسمال وموضوع يشتمل على الخير والفائدة للناس، وبذلك يشمل كلّ رأسمال مادّي ومعنوي مفيد. وبالنسبة للمسألة الثانية: أي موارد الإنفاق فتذكر الآية أولاً الأقربين وتخصّ الوالدين بالذكر، ثم اليتامى ثم المساكين، ثم أبناء السبيل، ومن الواضح أنّ الإنفاق للأقربين إضافة إلى ما يتركه من آثار تترتّب على كلّ إنفاق يوطّد عرى القرابة بين الأفراد. "وما تفعلوا من خير فإنّ الله به عليم". لعلّ في هذه العبارة من الآية إشارة إلى أنّه يحسن بالمنفقين أن لا يصرّوا على اطّلاع الناس على أعمالهم، ومن الأفضل أن يسرّوا انفاقهم تأكيداً لإخلاصهم في العمل، لأنّ الذي يجازي على الإحسان عليم بكلّ شيء، ولا يضيع عنده سبحانه عمل عامل من البشر.
https://telegram.me/buratha