الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (وسوس) "فوسوس إليه الشيطان" (طه 120) ألقى في نفسه شرا، يقال: لما يقع في النفس من عمل الخير إلهام، وما لا خير فيه وسواس، ولما يقع من الخوف إيجاس، ولما يقع من تقدير نيل الخير أمل، ولما يقع ما لا يكون للانسان ولا عليه خاطر، و "الوسواس" (الناس 4) الشيطان وهو "الخناس" (الناس 4) أيضا لأنه "يوسوس في صدور الناس" (الناس 5) ويخنس، والوسواس بالكسر، والوسوسة: مصدران. (خنس) "فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس" (التكوير 15-16) وهي خمسة أنجم: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد، وسميت بذلك لأنها تخنس في مجراها أي ترجع وتكنس كما تكنس الظباء في كنسها، و "الخناس" (الناس 4) الشيطان لعنه الله تعالى لأنه يخنس إذا ذكر الله تعالى، وفي التفسير له رأس كرأس الحية يجثم على القلب فإذا ذكر الله تعالى خنس أي تراجع وتأخر وإذا ترك ذكر الله رجع إلى القلب يوسوس فيه.
جاء في معاني القرآن الكريم: شرر الشر: الذي يرغب عنه الكل، كما أن الخير هو الذي يرغب فيه الكل قال تعالى: "شر مكانا" (يوسف 77)، و "إن شر الدواب عند الله الصم" (الأنفال 22)، وقد تقدم تحقيق الشر مع ذكر الخير وذكر أنواعه (راجع مادة (خير))، ورجل شر وشرير: متعاط للشر، وقوم أشرار، وقد أشررته. وسوس الوسوسة: الخطرة الرديئة، وأصله من الوسواس، وهو صوت الحلي، والهمس الخفي. قال الله تعالى: "فوسوس إليه الشيطان" (طه 120)، وقال: "من شر الوسواس" (الناس 4) ويقال لهمس الصائد وسواس. خنس قوله تعالى: "من شر الوسواس الخناس" (الناس 4)، أي: الشيطان الذي يخنس، أي: ينقبض إذا ذكر الله تعالى، وقوله تعالى: "فلا أقسم بالخنس" (التكوير 15)، أي: بالكواكب التي تخنس بالنهار، وقيل: الخنس هي زحل والمشتري والمريخ لأنها تخنس في مجراها (راجع هذه الأقوال في الدر المنثور 8/431)، أي: ترجع، وأخنست عنه حقه: أخرته.
عن تفسير الميسر: قوله تبارك وتعالى "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" ﴿الناس 4﴾ من حرف جر، شر اسم، الْوَسْوَاسِ: الْ اداة تعريف، وَسْوَاسِ اسم. الْخَنَّاسِ: الْ اداة تعريف، خَنَّاسِ صفة. الوسواس: وسوسة الشيطان أو الجني. و الوسواس: الشيطان نفسه. و يطلق كذلك على داء يصيب ذهن المرء بالسوداء. الوَسواس: المُوَسْوس جـِنـِّـيّـا أو إنـْـسِـيّـا. مِن شَرِّ الوَسْوَاسِ: أي من شر الشيطان وهو إبليس يوسوس في الصدور وفي القلوب. الخناس: هو الشيطان الذي يخنس، أي ينقبض و يتوارى إذا ذكر العبد ربَّه. من أذى الشيطان الذي يوسوس عند الغفلة، ويختفي عند ذكر الله. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" "الناس 4" "من شر الوسواس" الشيطان سمي بالحدث لكثرة ملابسته له "الخناس" لأنه يخنس ويتأخر عن القلب كلما ذكر الله.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تبارك وتعالى "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" ﴿الناس 4﴾ فيه أقوال (أحدها) أن معناه من شر الوسوسة الواقعة من الجنة وقد مر بيانه (وثانيها) أن معناه من شر ذي الوسواس وهو الشيطان كما جاء في الأثر أنه يوسوس فإذا ذكر العبد ربه خنس ثم وصفه الله تعالى بقوله "الذي يوسوس في صدور الناس" ﴿الناس 5﴾ أي بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع ثم ذكر أن هذا الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس "من الجنة" وهم الشياطين كما قال سبحانه إلا إبليس كان من الجن ثم عطف بقوله "والناس" على الوسواس والمعنى من شر الوسواس ومن شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من شر الجن والإنس (وثالثها) أن معناه من شر ذي الوسواس الخناس ثم فسره بقوله "من الجنة والناس" كما يقال نعوذ بالله من شر كل مارد من الجن والإنس وعلى هذا فيكون وسواس الجنة هو وسواس الشيطان على ما مضى وفي وسواس الإنس وجهان (أحدهما) أنه وسوسة الإنسان من نفسه (والثاني) إغواء من يغويه من الناس ويدل عليه قوله "شياطين الإنس والجن" فشيطان الجن يوسوس وشيطان الإنس يأتي علانية ويرى أنه ينصح وقصده الشر. قال مجاهد: الخناس الشيطان إذا ذكر اسم الله سبحانه خنس وانقبض وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب ويؤيده ما روي عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (إن الشيطان واضح خطمة على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله سبحانه خنس وإذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس وقيل الخناس) معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور وهو المستتر المختفي من أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين وقال إبراهيم التيمي أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" ﴿الناس 4﴾ قال في المجمع: الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي انتهى فهو مصدر كالوسوسة كما ذكره وذكروا أنه سماعي والقياس فيه كسر الواو كسائر المصادر من الرباعي المجرد وكيف كان فالظاهر كما استظهر أن المراد به المعنى الوصفي مبالغة، وعن بعضهم أنه صفة لا مصدر. والخناس صيغة مبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء بعد الظهور قيل: سمي الشيطان خناسا لأنه يوسوس للإنسان فإذا ذكر الله تعالى رجع وتأخر ثم إذا غفل عاد إلى وسوسته. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تبارك وتعالى "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" ﴿الناس 4﴾ الوسواس بفتح الواو اسم مصدر بمعنى الوسوسة، وهو الصوت الخفي الذي لا يحس، وبكسر الواو مصدر، والفرق بين المصدر واسم المصدر ان الأول ينظر إليه نسبة الفعل إلى فاعل، واسم المصدر لا ينظر إلى الفاعل بل إلى الفعل فقط وبصرف النظر عن الفاعل، وعلى أية حال فإن المراد بالوسوسة هنا ما يحاك في النفس من الأفكار السوداء التي تصد عن الحق وسبيله. وما من أحد ينجو من حديث النفس ووسوستها إلا من عصم اللَّه، وهو سبحانه لا يؤاخذ العباد على الوسوسة إلا إذا انعكست على قول أو فعل، قال الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم: (لكل قلب وسواس، فإذا فتق الوسواس حجاب القلب، ونطق به اللسان أخذ به العبد، وإذا لم يفتق الحجاب ولم ينطق به اللسان فلا حرج). "الْخَنَّاسِ" من خنس إذا تأخر وتنحى، والمراد بهذا الوصف هنا ان الإنسان إذا تنبه للوسوسة الشيطانية، وتعوذ باللَّه منها مخلصا ذهبت عنه واختفت.
عن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تبارك وتعالى "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" ﴿الناس 4﴾ متعلق بقوله أَعُوذُ. والوسواس: اسم للوسوسة وهي الصوت الخفى، والمصدر الوسواس بالكسر، والمراد به هنا: الوصف. من باب إطلاق اسم المصدر على الفاعل، أو هو وصف مثل: الثرثار. و (الخناس) صيغة مبالغة من الخنوس، وهو الرجوع والتأخر، والمراد به: الذي يلقى في نفس الإنسان أحاديث السوء. وقوله: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ صفة لهذا الوسواس الخناس وزيادة توضيح له.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" ﴿الناس 4﴾ كلمة (الوسواس) أصلها كما يقول الراغب في المفردات صوت الحَلي (اصطكاك حلية بحلية). ثمّ اطلق على أي صوت خافت. ثمّ على ما يخطر في القلب من أفكار وتصورات سيئة، لأنّها تشبه الصوت الباهت الذي يوشوش في الأذن. (الوسواس): مصدر، ويأتي بمعنى اسم الفاعل بمعنى الموسوس، وهي في الآية بهذا المعنى. (الخنّاس) صيغة مبالغة من الخنوس وهو التراجع، لأنّ الشياطين تتراجع عند ذكر اسم الله; والخنوس له معنى الإِختفاء أيضاً، لأن التراجع يعقبه الإِختفاء عادة. فقوله سبحانه: "من شرّ الوسواس الخناس" أي أعوذ بالله من شرّ الموسوس ذي الصفة الشيطانية الذي يهرب ويختفي من ذكر اسم الله. الشياطين يمزجون أعمالهم دائماً بالتستر. ويرمون بالقاءاتهم في الإِنسان بطريقة خفية حتى يخال الإِنسان أن هذه الإِلقاءات من بنات أفكاره، وهذا ما يؤدي إلي ضلاله وغوايته. عمل الشيطان هو التزيين، واخفاء الباطل تحت طلاء الحق، والكذب في قشر من الصداق، والذنب في لباس العبادة، والضلال خلف ستار الهداية. وبإيجاز، الموسوسون متسترون، وطرقهم خفية، وفي هذا تحذير لكل سالكي طريق الله أن لا يتوقعوا رؤية الشياطين في صورتهم الأصلية، أو رؤية مسلكهم على شكله المنحرف. أبداً فهم موسوسون خناسون وعملهم الحيلة والمكر والخداع والتظاهر والرياء وإخفاء الحقيقة. لو أنّ هؤلاء أماطوا اللثام عن وجههم الحقيقي، ولم يخلطوا الحق بالباطل; لو أن هؤلاء قالوا كلمتهم صريحة واضحة (لم يُخف على المرتادين) كما يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام نعم لم يُخف في هذه الحالة على روّاد طريق الحق. ولكنّهم يأخذون شيئاً من هذا وشيئاً من ذاك فيخلطونه وبذلك تنطلي حيلتهم على الآخرين أو كما يقول علي عليه السلام: (فهنالك يستولي الشيطان على اوليائه). عبارة (يوسوس) وعبارة (في صدور النّاس) تأكيد على هذا المعنى.
https://telegram.me/buratha