الدكتور فاضل حسن شريف
ويستطرد مؤلف الكتاب مركز الرسالة عن بعض الآيات المُفَسّرة في المهدي قائلا: 2 ـ ومنها: قوله تعالى: "وَلو تَرى إذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِن مكانٍ قريب" (سبأ 51). فقد أخرج الطبري في تفسيره، عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يُخسف به، وسيأتي ما يدل على أنّ ذلك الخسف لم يحصل إلى الآن على الرغم من روايته في كتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، وأنه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي بلا خلاف. وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في التذكرة مرسلاً عن حذيفة بن اليمان، وبه صرّح أبو حيان في تفسيره، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر، والسيوطي في الحاوي للفتاوى، وأورده الزمخشري في كشّافه عن ابن عباس، وقال الطبرسي في مجمع البيان: (وأورده الثعلبي في تفسيره، وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي عبدالله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام مثله). 3 ـ ومنها: قوله تعالى: "وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُستَقيم" (الزخرف 61). فقد صرح البغوي في تفسيره، وكذلك الزمخشري، والرازي، والقرطبي، والنسفي، والخازن، وتاج الدين الحنفي، وأبو حيان، وابن كثير، وأبو السعود، والهيثمي أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان. وقد أوّلها مجاهد في تفسيره، وهو من رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير، بنزول عيسى عليه السلام أيضاً. وقد أشار السيوطي في الدرّ المنثور إلى ما أخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طرق، عن ابن عباس أنها بخصوص ما ذكرناه. وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان: (وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في تفسير قوله عز وجل: "وإنّه لَعْلِمٌ للساعة" (الزخرف 61) هو المهدي عليه السلام، يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأمارتها). ومثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر الهيتمي، والشبلنجي الشافعي، والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي، والشيخ الصبّان. ولا خلاف بين هؤلاء وأولئك لأن نزول عيسى سيكون مقارناً لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث الاُخرى، كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث. ويؤيدّه إشادة بعض من ذكرنا الصريحة بذلك فقد نقلوا عن تفسير الثعلبي أنّه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن عباس، وأبي هريرة، وقتادة، ومالك بن دينار، والضحاك ما يدل على أنها في نزول عيسى بن مريم مع التصريح بوجود الإمام المهدي وقت نزول عيسى بن مريم، وأنه يصلّي خلف المهدي عليهما السلام. 4 ـ ومنها: قوله تعالى: "فَلا اُقْسِمُ بالخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّسِ" (التكوير 15-16). فقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (إمام يخنُس سنةَ ستين ومائتين، ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرّتْ عينك). ولا يخفى أن هذا من الإخبار المعجز الذي علمه أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تلقّاه من الوحي عن الله جلّ شأنه. ونكتفي بهذا القدر، على أن الشيخ القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسّرها أئمة أهل البيت عليهم السلام بالامام المهدي وظهوره في آخر الزمان.
وعن المهدي من ولد الحسين عليه السلام جاء في كتاب المهدي المنتظر: مع فرض صحة الحديث على الرغم مما تقدم فيه فإنّه لاتعارض بينه وبين الاحاديث الاَُخرى المصرحة بكون المهدي من ولد الإمام الحسين عليه السلام ويمكن الجمع بينه وبينها، بأن يكون الإمام المهدي عليه السلام حسيني الأب حسني الاَُم، وذلك لأن زوجة الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أُم الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام هي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. وعلى هذا يكون الإمام الباقر عليه السلام حسيني الأب حسني الاَُم، وذريته تكون من ذرية السبطين حقيقة. وهذا الجمع له مايؤيده من القرآن الكريم قال تعالى: "وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ كُلًّا هَدَيۡنَاۚ وَنُوحًا هَدَيۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ (85)" (الانعام 84-85). فعيسى عليه السلام أُلحق بذراري الانبياء من جهة مريم عليهاالسلام، فلا مانع اذن في ان تُلحق ذرية الإمام الباقر بالامام الحسن السبط من جهة الاَُم كما أُلحق السبطان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام.
جاء في كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي عن مركز الرسالة: وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول: (اللّهم هؤلاء أهلي) وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر واختصاص. وإلا فتسعة أشهر وهي المدّة التي أخبر عنها ابن عباس في وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة صباح كل يوم وهو يقرأ: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" (الاحزاب 33) كافية لأن يعرف الجميع من هم أهل البيت عليهمالسلام. ومع هذا فلا معنى لسؤالهم واستفسارهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمّن يعصموا الأمّة بعده من الضلالة إلى يوم القيامة فيما لو تمسكت بهم مع القرآن. فحاجة الأمّة والصحابة أيضاً ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يأخذ دوره في عصمة الأمّة من الضلالة، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمة، وهكذا حتى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبي الحوض.
وعن أحاديث: (الخلفاء اثنا عشر): أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش). وفي صحيح مسلم: (ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش). وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال: (كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال عبدالله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل). ويستفاد من هذه الأحاديث أُمور، وهي: 1 ـ إن عدد الاَُمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف. وهذا العدد ينطبق تماماً مع ماتعتقده الشيعة بعدد الأئمة وهم كلّهم من قريش. قد يقال: ان التعبير ب (الامراء أو الخلفاء) لا ينطبق مع واقع الأئمة عليهم السلام، والجواب واضح جداً، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد بذلك الإمرة والاستخلاف باستحقاق، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدرات الاَُمّة. بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس، ولا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم. ولهذا جاء في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) ما نصه: (قال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث وما يتعقبه في هذا المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ولايلزم أن يكونوا على الولاء، وان قدّر أنّهم على الولاء، فإنّ المراد منه المسمّون بها على المجاز، كذا في المرقاة). 2 ـ إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيّون بالنص كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، قال تعالى: "ولقد أخذ اللهُ ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" (المائدة 12). 3 ـ إن هذه الأحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة. وقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما هو صريح جداً بهذا، إذ ورد فيه: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان).
https://telegram.me/buratha