الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: عن الفكر الجبري: ما رواه الطبري في أحداث سنة 61هـ، من قول عن يزيد بن معاوية وهو يحاول بث الفكر الجبري أمام الحاضرين في مجلسه، وهو يحادث الإمام علي بن الحسين علیهما السلام قائلا له: (أبوك نازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت). وقوله: (إن الحسين لم يقرأ قوله تعالى: "قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدير" (آل عمران 26)). ولم ينحصر الفكر الجبري بيزيد بن معاوية، وإنما هو عند ولاته أيضا مما يدل على أن هذا الفكر منتشر في الساحة الإسلامية آنذاك. ومن الشواهد على ذلك: قول عبيد الله بن زياد والي الكوفة للعقيلة زينب بنت علي أمير المؤمنين علیهما السلام: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟. فقالت عليها السلام: (ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن يكون الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة).
وعن الخلط بين الخلافة والملك يقول السيد الحسني: إفراغ موقع خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العنوان الشرعي من خلال المقارنة بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخليفة وبين ملك مصر، في حين كان يلزم الأمر أن تكون المقارنة بين موسى عليه السلام وخليفته على بني إسرائيل، وهذا يدعو إلى الاعتقاد منذ البدء بأنه ملك وليس خلافة مرتبطة بالسماء كما عنون لها القرآن: "إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً" (البقرة 30). وهو نبي الله آدم عليه السلام ومن بعده الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام جميعاً. ولذا حاول أولئك الحكام والملوك إصباغ موقعهم السلطوي بصبغة شرعية محورها إرادة الله، وأن الملك لله تعالى يهبه من يشاء، وعليه فيمكن أن يكون الحاكم أسوأ من فرعون، ولا علاقة للحدود الشرعية في أمره ونهيه وفعله وتركه، وهو ما كان عليه حال المسلمين خلال القرون الماضية، وليس حالهم اليوم بأفضل من أمسهم. وإن الذين خرجوا لقتال ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما لبوا أمر السلطان الذي يدافع عن عرشه وكرسيه وملكه ولذا قال يزيد لعنه الله للإمام زين العابدين عليه السلام: (أبوك نازعني ملكي). ولأن منبع الثقافة الإسلامية الأصيلة هي القرآن الكريم والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لم يتمكن معاوية من سَرْيَنَة المسلمين ومحو ثقافة حب علي بن أبي طالب عليه السلام. بل هو الذي هلك وهلكت معه ثقافته، وإن كان لها حملة في بعض البلاد الإسلامية بسبب غياب الثقافة القرآنية عنهم ولو تثقف المسلمون بثقافة القرآن ما أصبح هذا حالهم، إذ كانوا: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس" (آل عمران 110). ومحاربة علي بن أبي طالب عليه السلام والمجاهرة ببغضه والخروج لقتاله على الرغم من قول رسول الله: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) وما ينفعهم قول رسول الله. وقد انتهكت حرمته وهو حي يرزق واتهم بالهجر وهو الذي: "وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى" (النجم 3-4). وتغافل ذلك المتبجح والممتهن للحرمات أنّ الرسل والأنبياء عليهم السلام خلفاء الله في أرضه، كما نص عليه القرآن في قضية آدم عليه السلام، قال تعالى: "إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً" (البقرة 30).
وعن الحكمة في ظهور الأثر الغيبي الآني في دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء يقول السيد نبيل الحسني: إنّ مما ساعد على تمركز هذه الثقافة في المجتمعات الإسلامية هو غياب العقاب الإلهي خلال نصف قرن مع كثرة تلك الانتهاكات والتجاهر بحرب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام مستغلين بذلك حلم الله سبحانه ومتغافلين عن حكمته في استدراج الظالمين، وهو ما بنيته عقيلة الطالبين في قمعها لتبجج يزيد بن معاوية حينما تمادى في حربه لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يضرب بعصاه ثنايا سيد شباب أهل الجنة فقالت عليه السلام: (الحمد لله ب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه كذلك يقول: "ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُن" (مريم 10) أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسراء إن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بانفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوثقة والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً أنسيت قول الله تعالى: "وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ" (آل عمران 178). ولقد حاول مؤسسوا هذه الثقافة في ظل غياب العقاب الإلهي تحقيق أكثر من هدف، إذ لم ينحصر الأمر ببقائهم في الحكم وإنما بطمس هذا الدين كي لا يحاول أهله العودة إلى النهوض من جديد.
وعن العلة في تأخر ظهور الأثر الغيبي الآني قبل عاشوراء يقول السيد الحسني في كتابه: يعود للأسباب الآتية: 1ــ أن النبي الأكرم. لم يدعُ على أمته بالعذاب، وأنه توفي وهو غاضب على من آذوه في عترته عليهم السلام. 2ــ كما أن بضعته فاطمة عليه السلام لم تدعُ بتعجيل هلاك ظالميها، وإنما دعت عليهما بالعذاب محتسبة الله في ذلك يصنع فيهما ما يشاء، ونفس الأمر نلحظه في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام، بل في سيرة أغلب أئمة العترة عليهم السلام، إلا ما اقتضته الضرورة الشرعية التي يراها حجة الله تعالى. 3 ــ لقوله تعالى: "وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ" (آل عمران 178). 4 ــ لقوله تعالى: "وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُون" (الاسراء 59).
https://telegram.me/buratha