الدكتور فاضل حسن شريف
جاء عن دار السيدة رقية عليها السلام للقرآن الكريم منهج السيد محمّد باقر الحكيم قدّس سرّه في التفسير للدكتور خليل خلف بشير العامري: إن مما يميز تفسير السيد الشهيد (قدّس سرّه) للسور القرآنية أنه نهج نهجاً خاصاً كان أقرب إلى الجانب الأكاديمي إذ يعمد إلى انتقاء المفردات التي تحتاج إلى إيضاح، وقد يلجأ إلى ذكر مجموعة من الاحتمالات التي تشير إليها المفردة القرآنية من أجل إزالة الإبهام وتوضيح النص ثم يقوم بتقسيم السورة إلى مقاطع يحمل كل مقطع وحدة دلالية أو موضوعاً محدداً تصب جميعها بالهدف العام التي ترمي إليه تلك السورة ثم يحكم الربط بينها وبين ما تحمله من مضامين سياسية، واجتماعية، وتربوية، وغيرها من المقاصد القرآنية، فمثلاً في تفسيره أوائل سورة الصف نجده يركّز على جهتين هما: (بحث المفردات)، و(البحث التفسيري) ففي بحثه المفردات يركّز على المفردات التي تحتاج إلى بيان وتوضيح إذ يبدأ بمفردة (التسبيح) ويأخذ معناها اللغوي ثم يتناول صيغها في القرآن الكريم واختلاف الواحدة عن الأخرى تبعاً لاختلاف السياق القرآني الذي ترد فيه، بعدها ينتقل إلى مفردة ثانية هي (المقت) ويبحثها لغوياً ودلالياً في التركيب القرآني ثم يصل إلى مفردة ثالثة هي مفردة (القتال في سبيل الله) باحثاً مفهوم القتال في سبيل الله رابطاً ذلك بمراحل تطور الرسالة، بعدها يورد مفردة رابعة هي مفردة (الصف) ويذكر معناها اللغوي رابطاً سبب تسمية السورة بورود هذه اللفظة القرآنية ثم ينتهي بمفردة خامسة هي (مرصوص) الواردة في قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ" (الصف 4) إذ يذكر المراد من كلمة (المرصوص)، وأصلها اللغوي، ودقة اختيار اللفظة القرآنية فقد اختيرت للبيان والكناية عن الإحكام والإتقان والوثوق في الأشياء، وهو بهذا يكون قد نهج نهجاً ترتيبياً، ونراه يمزج التفسير التجزيئي (الترتيبي) بالتفسير الموضوعي؛ لأنه لا يستغني عن الأخير في بحثه التفسيري عند تقسيمه السورة إلى مقاطع كل مقطع يعطيه وحدة دلالية معينة ثم تقسيمه المقطع إلى آيات كل آية لها موضوع خاص بها فموضوع الآية الأولى من سورة الصف: التسبيح والعزة والحكمة، وموضوع الآية الثانية: خطورة التراجع عند مرحلة الحسم واضعاً يده على احتمالات عديدة تحتملها آية "كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف 2)، وموضوع الآية الثالثة: المقت الإلهي وأبعاده أما الآية الرابعة فيجعل موضوعها (دور الصبر والثبات) واضعاً يده على استفادات عامة من الآية فالاستفادة الأولى: ظاهرة النفاق وأبعادها وموقف الإسلام منها، والثانية: ظواهر المقت الإلهي، والثالثة: الكيفية القتالية للمسلمين، والرابعة: المعادلة الإسلامية في النصر على أنه قد جعل الآيات الأوائل من سورة الصف مقطعاً عنوانه (التأكيد على القتال المنظم)، وبعد أن ينتهي من هذه التفصيلات في هذا المقطع يأتي على مقطع آخر ويفعل معه ما فعل في المقطع الأول، وهذا يدلنا على أن الشهيد الحكيم قدّس سرّه يميل إلى تفسير السور تفسيراً موضوعاتياً إيماناً منه بأن النص القرآني نص مترابط ذو موضوع واحد تتفرع منه عدة مواضيع تترابط مع بعضها. على أنه في بداية تفسيره لكل سورة يمهد ببيان قرائن تعينه على فهم السورة مثل: فضل السورة، وسبب النزول أو زمنه، وسبب التسمية، وموضوع السورة العام أو الهدف والغاية أو المضمون العام. ولكنه في ذلك كله يراعي الجانب التربوي والتغييري في القرآن الكريم، وهذا نابع من إيمانه بأن الهدف الأساس من القرآن الكريم هو النهوض بعملية التغيير الجذري للمجتمع، وبيان المنهج الصحيح الذي يهدف إلى إيجاد القاعدة الثورية. وللسيد الشهيد اهتمامات تفسيرية أخرى نوجزها بالآتي: 1ـ الاهتمام بالسياق القرآني؛ لأن القرآن رتب ترتيباً معيناً يبدأ من سورة الحمد وينتهي بسورة الناس. 2ـ الاهتمام بالظواهر القرآنية التي لا يلتفت إليها الباحث أو الإنسان العادي مثل ظاهرة (البسملة)، وظاهرة ربط الإسلام وهو الدين الخاتم بإبراهيم عليه السلام، وظاهرة (الاستهلال) بالحروف المقطعة في أوائل السور القرآنية. 3ـ الاهتمام بتفسير مفردات النص القرآني، ويتميز بأنه لم يقتصر على تفسير اللفظ بل تعدى ذلك إلى تفسير المعنى. 4ـ الاهتمام بالتفسير الموضوعي فضلاً عن اهتمامه بالتفسير التجزيئي. 5ـ الاهتمام بالقضايا ذات الخلافات المذهبية الفكرية أو العقائدية أو الفقهية التي ترتبط بالقرآن الكريم لا الخارجة عنه. 6ـ الإشارة إلى المأثور عن المعصومين عليهم السلام في تفسير النص القرآني.
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: دراسة قصة موسى عليه السلام: الآية التي جاءت في سورة الصف: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون اني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) (الصف 5). وفي هذه إشارة إلى موقف معين لبني إسرائيل تجاه موسى، حيث آذوه مع علمهم بنبوته، وقد كان الغرض من الإشارة إليه هو مقارنة موقف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله تجاهه وموقف هؤلاء تجاه موسى، وكذلك موقف بني إسرائيل تجاه عيسى عليه السلام من تكذيبه ومخالفته بعد أن جاءهم بالبينات، وفي هذا تذكير لأصحاب النبي وتحذير لهم من الوقوع في مثل هذه المواقف والمخالفات، وإلا لساروا في طريق النفاق، وكانوا ممن يقولون ما لا يفعلون، كما يدل السياق على ذلك.
قال الله تعالى "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (الصف 8) جاء في صفحة التقارير / وكالة انباء براثا عن مقتطفات من حياة آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: 1- الجانب الاجتماعي: ولادته : ولد اية الله العظمى المجاهد السيد محمد باقر الحكيم في الخامس والعشرين من جمادي الاولى عام 1358هـ -1939م في مدينة النجف الاشرف والده هو الامام السيد محسن الطباطبائي الحكيم ( المرجع الديني للشيعة في العالم منذ اواخر الخمسينات حتى وفاته عام 1970م – 1390 هـ في السابع والعشرين من ربيع الاول بن السيد مهدي بن السيد صالح بن السيد احمد بن السيد محمود الحكيم . نشاته وتربيته : نشا اية الله السيد محمد باقر الحكيم وهو في تسلسل العمر الخامس بين إخوته التسعة في احضان والده الامام الحكيم في جو عابق بسيرة الصالحين عبر تاريخنا الاسلامي . 2- الجانب العلمي : نشاته العلمية ونشاطه الفكري والثقافي : تلقى علومه الاولية في كتاتيب النجف الاشرف ثم دخل في مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة منتدى النشر الابتدائية حيث انهى فيها النصف الرابع ونشأت عنده الرغبة في الدخول في الدراسات الحوزوية بصورة مبكرة حيث بدا بالدراسة سنة 1370هـ -1951م ومن اساتذته السيد محمد سعيد الحكيم وقد انهى دراسة اللمعة الدمشقية سنة 1375هـ -1956م . وتمتع شهيد المحراب بقابلية ذهنية وفكرية عالية فحظى باحترام كبار العلماء والأوساط العلمية كما نال في اوائل شبابه من الشيخ مرتضى ال ياسين شهادة علوم الفقه والأصول وعلوم القران وذلك في العام 1383هـ . اختير (قده) اواخر الخمسينات من القرن الماضي عضوا في اللجنة المشرفة على مجلة الأضواء الإسلامية وهي مجلة إسلامية ساهمت كثيرا في تشكيل الوعي الفكري والسياسي لدى جيل الخمسينات الميلادية . وبعد ان نال سماحته مرتبة عالية في العلم بفروعه وفنونه المختلفه مارس التدريس لطلاب السطوح العالية في الفقه والاصول وكانت له حلقه للدرس في مسجد الهندي في النجف الاشرف وكان يطلع على الافكار الجديدة التي اخذت تدخل إلى اوساط المجتمع العراقي عبر الكتب والمجلات والصحف . وتخرج على يديه علماء انتشروا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، نذكر منهم : 1ـ شقيقه الشهيد آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم . 2ـ حجة الاسلام والمسلمين السيد محمد باقر المهري . 3ـ حجة الاسلام والمسلمين الشيخ علي الكوراني . 4ـ الشهيد حجة الاسلام السيد عباس الموسوي . 5ـ حجة الاسلام والمسلمين الشيخ أسد الله الحرشي . 6ـ حجة الاسلام والمسلمين الشيخ عدنان زلغوط . 7ـ حجة الاسلام والمسلمين السيد حسن النـوري . 8 ـ حجة الاسلام والمسلمين السيد صدر الدين القبانجي . 9ـ حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حسن شحاده . 10ـ حجة الاسلام والمسلمين الشيخ هاني الثامر. وساهم في مراجعة كتاب فلسفتنا للسيد الشهيد محمد باقر الصدر فقد كتب الشهيد الصدر كتاب فلسفتنا مرتين بمنهجين لسماحة سينا المترجم في تشخيص التصميم العام للمنهج في الكتاب وكذلك قراءة الكتاب لمناقشة افكاره ووضع العناوين وتقسيمها لفصول وموضوعات ومن ثم الإشراف على تصحيحه وطبعه . انتخب العام 1964 م استاذا في كلية اصول الدين في بغداد يدرس علوم القران والشريعة والفقه المقارن وقد استمر في التدريب حتى عام 1975م -1395هـ .
https://telegram.me/buratha