الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن نعماء "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" ﴿هود 10﴾ نعماء اسم، ضراء اسم. ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ: مصيبة و نكبة أصابته. ولئن بسطنا للإنسان في دنياه ووسَّعنا عليه في رزقه بعد ضيق من العيش، ليقولَنَّ عند ذلك: ذهب الضيق عني وزالت الشدائد، إنه لبَطِر بالنعم، مبالغ في الفخر والتعالي على الناس. جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن نعماء "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" (هود 10) "ولئن أذقناه نعماءَ بعد ضرَّاء" فقر وشدة "مَسَّته ليقولون ذهب السيئات" المصائب "عني" ولم يتوقع زوالها ولا شكر عليها، "إنه لفرح" بطر "فخور" على الناس بما أوتي.
جاء في معاني القرآن الكريم: ضرر الضر: سوء الحال، إما في نفسه لقلة العلم والفضل والعفة، وإما في بدنه لعدم جارحة ونقص، وإما في حالة ظاهرة من قلة مال وجاه، وقوله: "فكشفنا ما به من ضر" (الأنبياء 84)، فهو محتمل لثلاثتها، وقوله: "وإذا مس الإنسان الضر" (يونس 12)، وقوله: "فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه" (يونس 12)، يقال: ضره ضرا: جلب إليه ضرا، وقوله: "لن يضروكم إلا أذى" (آل عمران 111)، ينبههم على قلة ما ينالهم من جهتهم، ويؤمنهم من ضرر يلحقهم نحو: "لا يضركم كيدهم شيئا" (آل عمران 120)، "وليس بضارهم شيئا" (المجادلة 10)، "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" (البقرة 102)، وقال تعالى: "ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم" (البقرة 102)، وقال: "يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه" (الحج 12)، وقوله: "يدعو لمن ضره أقرب من نفعه" (الحج 13).
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (نعم) نعم: بقر، وغنم، وإبل، وهم جمع لا واحد له من لفظه، وجمع "النعم" (المائدة 98) أنعام، و "أولي النعمة" (المزمل 11) أي التنعم في الدنيا وهم صناديد قريش كانوا أهل ثروة وترف، والنعمة بالكسر الانعام، وبالضم المسرة، و "نعمة كانوا فيها فاكهين" (الدخان 27) أي تنعم وسعة في العيش، و "ما أنت بنعمة ربك بمجنون" (القلم 2) أي ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك وهو جواب لقولهم: "يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون" (الحجر 6) فيكون "بنعمة ربك" (القلم 2) في محل النصب على الحال، و "من يبدل نعمة الله" (البقرة 211) أي الدين، والاسلام، و "يعرفون نعمت الله" (النحل 83) أي نبوة محمد صلى الله عليه وآله، و "خوله نعمة" (الزمر 8) يعني العاقبة.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن نعماء "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" ﴿هود 10﴾ "ولئن أذقناه" أي: أحللنا به وأعطيناه "نعماء بعد ضراء مسته" أي:بعد بلاء أصابته "ليقولن" عند نزول النعماء به "ذهب السيئات عني" أي: ذهبت الخصال التي تسوء صاحبها من جهة نفور طبعه عنه وهوهاهنا بمعنى الشدائد والآلام والأمراض عني فلا تعود إلي ولا يؤدي شكر الله عليها "إنه لفرح فخور" يفرح به ويفخر به على الناس فلا يصبر في المحنة ولا يشكر عند النعمة.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن نعماء "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" ﴿هود 10﴾ قال في المجمع،: النعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه والضراء مضرة يظهر الحال بها لأنهما أخرجتا مخرج الأحوال الظاهرة مثل حمراء وعيناء مع ما فيهما من المبالغة، والفرح والسرور من النظائر وهو انفتاح القلب بما يلتذ به وضده الغم إلى أن قال: والفخور الذي يكثر فخره وهو التطاول بتعديد المناقب وهي صفة ذم إذا أطلقت لما فيها من التكبر على من لا يجوز أن يتكبر عليه. انتهى. والمراد بالسيئات بقرينة المقام المصائب والبلايا التي يسوء الإنسان نزولها عليه، والمعنى: ولئن أصبناه بالنعمة بعد الضراء ليقولن ذهب الشدائد عني، وهو كناية عن الاعتقاد بأن هاتيك الشدائد والنوازل لا تعود بعد زوالها ولا تنزل بعد ارتفاعها ثانيا. وقوله: "إنه لفرح فخور" بمنزلة التعليل لقوله: "ذهب السيئات عني" فإنه يفرح ولا يزال على ذلك لما ذاقه من النعماء بعد الضراء، ولوكان يرى أن ما عنده من النعماء جائز الزوال لا وثوق على بقائه ولا اعتماد على دوامه، وأن الأمر ليس إليه بل إلى غيره ومن الجائز أن يعود إليه ما تركه من السيئات لم يكن فرحا بذلك فإنه لا فرح في أمر مستعار غير ذي قرار. وإنه ليفخر بما أوتي من النعماء على غيره، ولا فخر إلا بكرامة أومنقبة يملكها الإنسان فهويرى ما عنده من النعمة أمرا بيده زمامه ليس لغيره أن يسلبه وينزعه منه ويعيد إليه ما ذهب عنه من السيئات ولذلك يفخر ويكثر من الفخر.
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى عن نعماء "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" ﴿هود 10﴾ والنعماء: النعمة التي يظهر أثرها على صاحبها، واختير لفظ النعماء لمقابلته للضراء. والضراء: ما يصيب الإنسان من مصائب يظهر أثرها السيئ عليه. والمراد بالسيئات: الاضرار التي لحقته كالفقر والمرض. والمعنى: ولئن أذقنا هذا الإنسان اليؤوس الكفور نَعْماءَ بعد ضراء مسته كصحة بعد مرض، وغنى بعد فقر، وأمن بعد خوف، ونجاح بعد فشل. لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي أى: ليقولن في هذه الحالة الجديدة ببطر وأشر، وغرور وتكبر، لقد ولت المصائب عنى الأدبار، ولن تعود إلى. وعبر سبحانه في جانب الضراء بالمس، للإشارة إلى أن الإصابة بها أخف مما تذوقه من نعماء، وأن لطف الله شامل لعباده في كل الأحوال. وجملة "إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" جواب القسم. أى: إنه لشديد الفرح والبطر بالنعمة: كثير التباهي والتفاخر بما أعطى منها، مشغول بذلك عن القيام بما يجب عليه نحو خالقه من شكر وثناء عليه سبحانه. وإنها أيضا لصورة صادقة لهذا الإنسان العجول القاصر، الذي يعيش في لحظته الحاضرة، فلا يتذكر فيما مضى، ولا يتفكر فيما سيكون عليه حاله بعد الموت، ولا يعتبر بتقلبات الأيام، فهو يؤوس كفور إذا نزعت منه النعمة، وهو بطر فخور إذا عادت إليه، وهذا من أسوأ ما تصاب به النفس الإنسانية من أخلاق مرذولة. الذين صبروا على النعمة كما صبروا على الشدة، وعملوا في الحالتين الأعمال الصالحات التي ترضى الله تعالى. "أُولئِكَ" الموصوفون بذلك "لَهُمْ" من الله تعالى "مَغْفِرَةٌ" عظيمة تمسح ذنوبهم "وَأَجْرٌ كَبِيرٌ منه" سبحانه لهم. جزاء صبرهم الجميل، وعملهم الصالح. وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لا يقضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد غير المؤمن).
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن نعماء "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" ﴿هود 10﴾ وعلى هذا يكون المراد بالإنسان في قوله: "ولَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسانَ"من لا يؤمن باللَّه، أوآمن به نظريا لا عمليا، لأن من آمن به حقا فإنه يتوكل عليه وحده في جميع حالاته، ويشكره في السراء والضراء، ويخشى ويتواضع إذا استغنى، ويصبر ويرجوإذا افتقر، فإن الايمان نصفان: نصف خوف، ونصف رجاء. والذي يؤكد ان المراد بالإنسان من ذكرنا، وليس مطلق الإنسان قوله تعالى بلا فاصل: "إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ". صبروا على ما أصابهم من الضراء ايمانا باللَّه وطمعا بثوابه ورضوانه، وعملوا الصالحات في الشدة والرخاء، وهذه هي سمة أرباب العقائد والمبادئ، لأن العقيدة متى استقرت في القلب تصبح كالروح في الجسم لا تفارقه إلا بالموت.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن نعماء "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" ﴿هود 10﴾ كما أشرنا إِليه سابقاً ـ المراد من الإِنسان في مثل هذه الآيات هوالافراد الذين لم يتلقوا تربية سليمة والمنحرفون عن جادة الحق، لذلك يتطابق هذا البحث مع البحث السابق عن الأفراد غير المؤمنين. ونقطة الضعف الثّالثة عند هؤلاء أنّهم حين يتنعمون بنعمة ويشعرون بالترف والرفاه يبلغ بهم الفرح والتكبر والغرور درجة ينسون معها كل شيء، ولذلك يشير القرآن الكريم إِلى هذه الظاهرة بقوله تعالى: "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ". وهناك احتمال آخر في تفسير هذه الجملة "ليقولن ذهب السيئات عني" وهوأن مثل هؤلاء الأشخاص حين يُصابون بالشدائد ثمّ يبدل الله بلطفه هذه الشدائد نعمّا من عنده يقول هؤلاء: إِنّ الشدائد السابقة كانت كفارة عن ذنوبنا وقد غسلت جميع معاصينا، لذلك أصبحنا من المقربين إِلى الله، فلا حاجة للتوبة والعودة إِلى ساحة الله وحضرته.
https://telegram.me/buratha