الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة نعمتي في عدد من الآيات القرآنية "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" (المائدة 3)، و "يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" (البقرة 40) (البقرة 47) (البقرة 122)، و "يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك" (المائدة 110)، و "ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون" (البقرة 150). حلقات هذه السلسلة تبين تفاسير الآيات التي وردت فيها كلمة (نعمتي) لمجموعة من المفسرين منهم الطبرسي والميسر والطباطبائي وطنطاوي ومكارم الشيرازي.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: عن كلمة نعمتي قوله عز وجل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" ﴿البقرة 40﴾ وذكر النعمة بلفظ الواحد و المراد بها الجنس كقوله تعالى "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" و الواحد لا يمكن عده و قيل المراد بها النعم الواصلة إليهم مما اختصوا به دون آبائهم و اشتركوا فيه مع آبائهم فكان نعمة على الجميع فمن ذلك تبقية آبائهم حتى تناسلوا فصاروا من أولادهم ومن ذلك خلقه إياهم على وجه يمكنهم معه الاستدلال على توحيده و الوصول إلى معرفته فيشكروا نعمه و يستحقوا ثوابه و من ذلك ما يوصل إليهم حالا بعد حال من الرزق و يدفع عنهم من المكاره و الأسواء وما يسبغ عليهم من نعم الدين و الدنيا فعلى القول الأول تكون الآية تذكيرا بالنعم عليهم في أسلافهم وعلى القول الثاني تكون تذكيرا بالمنعم عليهم، و من النعم على أسلافهم ما ذكره في قوله "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ" (المائدة 20) و قال ابن الأنباري أراد اذكروا ما أنعمت به عليكم فيما استودعتكم من علم التوراة و بينت لكم من صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم و ألزمتكم من تصديقه و اتباعه فلما بعث و لم يتبعوه كانوا كالناسين لهذه النعمة. و في هذه الآية دلالة على وجوب شكر النعمة و في الحديث التحدث بالنعم شكر و فيها دلالة على عظم المعصية في جحود النعم و كفرانها و لحوق الوعيد الشديد بكتمانها. قوله جل اسمه "يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ" ﴿المائدة 110﴾ لما عرف سبحانه يوم القيامة بما وصفه به من جمع الرسل فيه، عطف عليه بذكر المسيح فقال: "إذ قال الله" ومعناه: إذ يقول الله في الآخرة، وذكر لفظ الماضي تقريبا للقيامة، لان ما هو آت فكأن قد وقع "يا عيسى بن مريم" وهذا إشارة إلى بطلان قول النصارى لان من له أم لا يكون إلها "أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك" أي اذكر ما أنعمت به عليك، وعلى أمك، واشكره. أفرد النعمة في اللفظ، ويريد به الجمع، كما قال تعالى "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". وإنما جاز ذلك لأنه مضاف، فصلح للجنس. قوله عز شأنه "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" ﴿البقرة 150﴾ وقوله "ولأتم نعمتي عليكم" عطف على قوله "لئلا" وتقديره لئلا يكون لأحد عليكم حجة ولأتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام بين سبحانه أنه حول القبلة لهذين الغرضين زوال القالة وتمام النعمة وروي عن ابن عباس أنه قال ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فأنصركم على أعدائكم وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأما في الآخرة فجنتي ورحمتي وروي عن علي عليه السلام قال النعم ستة الإسلام والقرآن ومحمد صلى الله عليه وآله وسلّم والستر والعافية والغنى عما في أيدي الناس "ولعلكم تهتدون" أي لكي تهتدوا ولعل من الله واجب عن الحسن وجماعة وقيل لتهتدوا إلى ثوابها وقيل إلى التمسك بها.
عن تفسير الميسر عن نعمتي: قوله عز شأنه "أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" ﴿المائدة 3﴾ نِعْمَتِي: نِعْمَتِ اسم، ى ضمير. حرَّم الله عليكم الميتة، وهي الحيوان الذي تفارقه الحياة بدون ذكاة، وحرَّم عليكم الدم السائل المُراق، ولحم الخنزير، وما ذُكِر عليه غير اسم الله عند الذبح، والمنخنقة التي حُبِس نَفَسُها حتى ماتت، والموقوذة وهي التي ضُربت بعصا أو حجر حتى ماتت، والمُتَرَدِّية وهي التي سقطت من مكان عال أو هَوَت في بئر فماتت، والنطيحة وهي التي ضَرَبَتْها أخرى بقرنها فماتت، وحرَّم الله عليكم البهيمة التي أكلها السبُع، كالأسد والنمر والذئب، ونحو ذلك. واستثنى سبحانه مما حرَّمه من المنخنقة وما بعدها ما أدركتم ذكاته قبل أن يموت فهو حلال لكم، وحرَّم الله عليكم ما ذُبِح لغير الله على ما يُنصب للعبادة من حجر أو غيره، وحرَّم الله عليكم أن تطلبوا عِلْم ما قُسِم لكم أو لم يقسم بالأزلام، وهي القداح التي كانوا يستقسمون بها إذا أرادوا أمرًا قبل أن يقدموا عليه. ذلكم المذكور في الآية من المحرمات إذا ارتُكبت خروج عن أمر الله وطاعته إلى معصيته. الآن انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك بعد أن نصَرْتُكم عليهم، فلا تخافوهم وخافوني. اليوم أكملت لكم دينكم دين الإسلام بتحقيق النصر وإتمام الشريعة، وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، ورضيت لكم الإسلام دينًا فالزموه، ولا تفارقوه. فمن اضطرَّ في مجاعة إلى أكل الميتة، وكان غير مائل عمدًا لإثم، فله تناوله، فإن الله غفور له، رحيم به.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿البقرة 47﴾. قوله جل اسمه "يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ" ﴿المائدة 110﴾ لآيتان وكذا الآيات التالية لها القاصة قصة نزول المائدة والتالية لها المخبرة عما سيسأل الله عيسى بن مريم عليه السلام عن اتخاذ الناس إياه وأمه إلهين من دون الله سبحانه وما يجيب به عن ذلك، كلها مرتبطة بغرض السورة الذي افتتحت به، وهو الدعوة إلى الوفاء بالعهد والشكر للنعمة والتحذير عن نقض العهود وكفران النعم الإلهية وبذلك يتم رجوع آخر السورة إلى أولها وتحفظ وحدة المعنى المراد.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: عن كلمة نعمتي قوله عز وجل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" ﴿البقرة 40﴾ ابتدأ اللَّه سبحانه خطابه مع اليهود بالتذكير بنعمه عليهم. ومن هذه النعم كثرة الأنبياء فيهم، وتشريفهم بالتوراة والزبور، وتحريرهم من فرعون، ونجاتهم من الغرق، وانزال المن والسلوى عليهم، واعطاؤهم الملك والسلطان في عهد سليمان، وغير ذلك مما يستوجب الإيمان والشكر، لا الجحود والكفر. وتسأل: ان الخطاب موجه بظاهره إلى يهود المدينة، مع العلم بأن النعم المشار إليها منحها اللَّه لآبائهم، لا لهم؟. الجواب: ان النعمة على الآباء نعمة أيضا على الأبناء، حيث يكتسب الابن شرفا من أبيه. هذا، إلى أن الجميع أمة واحدة. قوله عز من قائل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿البقرة 47﴾. قوله جل اسمه "يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ" ﴿المائدة 110﴾ بعد أن استجوب سبحانه أنبياءه بكلمة موجزة "ما ذا أُجِبْتُمْ" خص عيسى عليه السلام من بينهم بخطاب مطول ومفصل يذكره فيه بنعمته عليه وعلى والدته "إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ" وهو جبريل "تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ" تنزيها لأمك من كل شبهة "وكَهْلًا" أي ان كلامه في المهد كان مثل كلامه، وهو كهل "وإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ " قيل المراد به الخط لأن الكتاب مأخوذ من الكتابة "والْحِكْمَةَ" الشريعة "والتَّوْراةَ والإِنْجِيلَ وإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وتُبْرِئُ الأَكْمَهً والأَبْرَصَ بِإِذْنِي وإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي". مر تفسير نظيره في الآية 49 من سورة آل عمران. وكرر سبحانه بإذني أربع مرات للتأكيد على ان الخلق والأحياء والإبراء من اللَّه، لا من سواه، وانما أظهر سبحانه هذه الأفعال على يد عيسى عليه السلام لتكون دليلا على صدقه ونبوته.. قوله جل جلاله "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿البقرة 122﴾. قوله عز شأنه "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" ﴿البقرة 150﴾ أي أنعمت عليكم بالإسلام، وأتممت النعمة بإعطائي إياكم قبلة مستقلة توحد كلمتكم، وتجمع شملكم، وتتجه إليها شعوب العالم من أقطار الأرض على اختلاف ألوانها وألسنتها.
https://telegram.me/buratha