الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر عن نعمته: قوله جل اسمه "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ" ﴿النحل 81﴾ نِعْمَتَهُ: نِعْمَتَ اسم، هُۥ ضمير. والله جعل لكم ما تستظلُّون به من الأشجار وغيرها، وجعل لكم في الجبال من المغارات والكهوف أماكن تلجؤون إليها عند الحاجة، وجعل لكم ثيابًا من القطن والصوف وغيرهما، تحفظكم من الحر والبرد، وجعل لكم من الحديد ما يردُّ عنكم الطعن والأذى في حروبكم، كما أنعم الله عليكم بهذه النعم يتمُّ نعمته عليكم ببيان الدين الحق، لتستسلموا لأمر الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا في عبادته. قوله عز وجل "وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" ﴿يوسف 6﴾ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ: بإرسالك رسولاَ. وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسير ما يراه الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه واقعًا، ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب بالنبوة والرسالة، كما أتمها من قبل على أبويك إبراهيم وإسحاق بالنبوة والرسالة. إن ربك عليم بمن يصطفيه من عباده، حكيم في تدبير أمور خلقه.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: عن نعمته: قوله عز من قائل "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" ﴿آل عمران 103﴾ "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ" قيل: أراد ما كان بين الأوس والخزرج، من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة، إلى أن ألف الله بين قلوبهم بالإسلام، فزالت تلك الأحقاد، عن ابن عباس. وقيل: هو ما كان بين مشركي العرب من الطوائل، عن الحسن. والمعنى: إحفظوا نعمة الله ومنته عليكم بالإسلام، وبالائتلاف، ورفع ما كان بينكم من التنازع والاختلاف، فهذا هو النفع الحاصل لكم في العاجل، مع ما أعد لكم من الثواب الجزيل في الاجل، إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم بجمعكم على الاسلام، ورفع البغضاء والشحناء عن قلوبكم. "فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ" أي: بنعمة الله "إِخْواناً" متواصلين، وأحبابا متحابين بعد أن كنتم متحاربين متعادين، وصرتم بحيث يقصد كل واحد منكم مراد الآخرين، لان أصل الأخ من توخيت الشيء: إذا قصدته وطلبته.. قوله تعالى " وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" ﴿المائدة 6﴾ أي: ويريد الله تعالى مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم إياه فيما فرض عليكم من الوضوء والغسل، إذا قمتم إلى الصلاة، مع وجود الماء، أو التيمم عند عدمه، أن يتم نعمته بإباحته لكم التيمم، وتصييره لكم الصعيد الطيب طهورا، رخصة لكم منه، من سوابغ نعمه التي أنعم بها عليكم "لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" أي: لتشكروا الله على نعمته بطاعتكم إياه، فيما أمركم به، ونهاكم عنه. وقد تضمنت هذه الآية أحكام الوضوء وصفته، وأحكام الغسل والتيمم، ومسائلها المتفرعة منها كثيرة، موضعها الكتب المؤلفة في الفقه.
جاء في جريدة الراية عن ما الفرق بين (النِعمة) بكسر النون و(النَعمة) بفتح النون في القرآن الكريم؟ يحوي الخطاب الإلهي لمسات بيانية وبلاغية فريدة في سياقها القرآني، والتعبير القرآني سر من أسرار إعجاز القرآن الكريم، ومن ذلك الفرق بين استعمال كلمة (النِعمة) بكسر النون و)النَعمة) بفتح النون، فقد وردت نَعمة بالفتح في سورة الدخان "وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ" وفي سورة المزمل "وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا" لم ترد في القرآن كلّه إلا في السوء والشر والعقوبات. أما نِعمة بالكسر فقد جاءت في مواضع كثيرة في القرآن منها في سورة النحل "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" وقوله تعالى أيضًا في سورة النحل "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" وفي سورة الأنفال يقول تعالى "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" دائمًا تأتي في الخير في القرآن.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: عن نعمته: قوله تعالى " وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" ﴿المائدة 6﴾ "وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ"، فقد مر معنى النعمة وإتمامها في الكلام على قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي" (المائدة 3) ومعنى الشكر في الكلام على قوله تعالى: "وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ" (آل عمران 144) في الجزء الرابع من الكتاب. فالمراد بالنعمة في الآية هو الدين لا من حيث أجزائه من المعارف والأحكام، بل من حيث كونه إسلام الوجه لله في جميع الشئون، وهو ولاية الله على العباد بما يحكم فيهم، وإنما يتم ذلك باستيفاء التشريع جميع الأحكام الدينية التي منها حكم الطهارات الثلاث. ومن هنا يظهر أن بين الغايتين أعني قوله: "لِيُطَهِّرَكُمْ" وقوله: "لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ" فرقا، وهو أن الطهارة غاية لتشريع الطهارات الثلاث بخلاف إتمام النعمة، فإنه غاية لتشريع جميع الأحكام، وليس للطهارات الثلاث منها إلا سهمها، فالغايتان خاصة وعامة. وعلى هذا فالمعنى: ولكن نريد بجعل الطهارات الثلاث حصول الطهارة بها خاصة لكم، ولأنها بعض الدين الذي يتم بتشريع جميعها نعمة الله عليكم لعلكم تشكرون الله على نعمته فيخلصكم لنفسه، فافهم ذلك.
ورد إظهار الفرح في العيد على نعمة شهر رمضان الذي تم صيامه وقيامه كما قوله تعالى: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" (الضحى 11). يرى علماء بجواز تبادل الود والمحبة مع غير المسلم"لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ" (الممتحنة 8). و يجوز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم كعيد رأس السنة، وعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام وعيد الفصح. و يحق للمسلم أن يتخذ معارف وأصدقاء من غير المسلمين، يخلص لهم ويخلصون له، ويستعين بهم ويستعينون به على قضاء حوائج هذه الدنيا. وقال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم للامام علي عليه السلام (لئن يهدى الله بك عبداً من عباده خير لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها الى مغاربها).
https://telegram.me/buratha