الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: دعاء الاسحار للامام على بن الحسن السجاد عليه السلام: (فَلو اطّلعَ اليَوم عَلى ذَنبي غَيركَ مَا فَعلته، وَلو خِفت تَعجيل العُقوبة لاجتَنبتُه، لا لِأَنّك أهونُ النّاظرين إليّ، وأخفّ المطّلعين عَليّ، بَل لأنّكَ يا رَبّ خَيرَ الساترين، وَأحكم الحَاكمين، وَأكرَم الأكرمين، سَتّار العُيوبِ، غَفّار الذُنوبِ، عَلّامُ الغيوبِ، تَسترُ الذّنبَ بَكرمكَ، وَتؤخّر العُقوبةِ بِحلمكَ وَيُسرعني إلى التوثّبِ عَلى محارمك معرفتي بسعة رحمتك وعظيم عفوك. يا حليم يا كريم، يا حي يا قيوم، يا غافر الذنب، يا قابل التوب، يا عظيم المن، يا قديم الإحسان أين سترك الجميل؟ أين عفوك الجليل؟ أين فرجك القريب؟ أين غياثك السريع؟ أين رحمتك الواسعة؟ أين عطاياك الفاضلة؟ أين مواهبك الهنيئة؟ أين صنائعك السنية؟ أين فضلك العظيم؟ أين منك الجسيم؟ أين إحسانك القديم؟ أين كرمك يا كريم؟ به وبمحمد وآل مُحمّد فاستنقذني، وبرحمتك فخلصني) وتعلم ما خفى من أعمالهم وجرائمهم عَلى الناس (عالم الغيب والشهادة) "فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى" (طه 7)، فتستر عليهم بكرمك وحلمك، عسى أن يتوبوا، ويعملوا صالحاً. ومن هذه الفقرة يبدو ان تأخير العقوبة من جانب الله يكون عَلى نحوين، فقد يكون إمداداً للمجرم عَلى أن يزداد اثماً وبغيا يقول تعالى: "إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً" (آل عمران 178)، وقد يكون حلماً وكرماً من الله عَلى عباده عسى أن يتوبوا ويعملوا صالحاً. التوب: التوبة. وقد وعد الله تعالى عباده بكل ذلك. يقول تعالى: "كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً" (الإسراء 20)، ويقول تعالى: "وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الحديد 29)، ويقول تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ" (غافر 61)، ويقول تعالى: "وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ" (إبراهيم 11).
ويستمر الامام السجاد عليه السلام في دعائه الذي رواه أبو حمزة الثمالي كما جاء في كتاب الشيخ محمد مهدي الآصفي: (يا محسن يا مجمل يا منعم يا مفضل، لست اتكل في النجاة من عقابك عَلى أعمالنا بل بفضلك علينا لأنك أهل التقوى وأهل المغفرة تبدىء بالإحسان نعماً، وتعفو عن الذنب كرماً، فما ندري ما نشكر أجميل ما تنشر أم قبيح ما تستر؟ أم عظيم ما أبليت وأوليت أم كثير ما منه نجيت وعافيت؟ يا حبيب من تحبب إليك، ويا قرة عين من لاذ بك وانقطع إليك) فلست ادري ماذا أشكر من نعمك الكثيرة "وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها" ( إبراهيم 34) أأشكر جميل ما نشرت عني بين الناس من عمل صالح عملته بين حين وآخر، وهو لا يستحق الذكر، أم أشكر لك ما سترت عليّ من عمل قبيح ارتكبته، ولم يعرف به غيرك، أم أشكر لك عظيم ابتلائك وامتحانك لي لأرقى إليك في مدارج الابتلاء. وبهذا المضمون جاء في الدعاء الذي رواه كميل بن زياد عن الإمام علي عليه السلام. يقول عليه السلام:( اللّهم مولاي كم من قبيح سترته؟ وكم من فادح من البلاء أقلته؟ وكم من عثار وقيته؟ وكم من مكروه دفعته؟ وكم من ثناء جميل لست أهلًا له نشرته؟). الحبيب هنا بمعنى المحب. والمعنى: يا من يحب من تودد إليه وأحبه. فإن الله تعالى يحب من عباده من تحبب وتودد إليه وأحبه يقول تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" (آل عمران 31). وحب الله تعالى من أهم ما يشغل قلب مؤمن، عرف الله حق معرفته، وأحبه حق الحب فيُشغله عن غير الله، ومن متاع الدنيا وزخرفها. الحب والانقطاع الذي يحبب إلى الله يحبه الله لا محالة. "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (آل عمران 31). حب لله تبعية وطاعة لله ورسوله حب الله لعبده. ثم الحركة الامتدادية النازلة حب الأنبياء وحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته. "قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى" (الشورى 23). انقطع إليك: أي افرغ قلبه وفؤاده عن أي حب وتعلق بسوى الله، وانقطع إلى الله.
وعن احسان الله تعالى يقول الامام عليه السلام في دعائه كما جاء في كتاب الشيخ الآصفي رحمه الله: (أنت المحسن ونحن المسيئون فتجاوز يا رَبّ عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك، وأي جهل يا رَبّ لا يسعه جودك؟ أو أي زمان أطول من أناتك؟ وما قدر اعمالنا في جنب نعمك؟ وكيف نستكثر أعمالًا نقابلبها كرمك؟ بل كيف يضيق عَلى المذنبين ما وسعهم من رحمتك؟) والمقصود بالجهل الإساءة الناشئة عن الجهالة والغفلة، فإن الإساءة التي يقدم عليها العبد لا يمكن أن تصدر عن وعي وعقل، وإنما تصدر عن جهالة وغفلة. روى الطبرسي في مجمع البيان 23: 3 عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ" (النساء 17) انه قال: كل ذنب عمله العبد، وإن كان عالماً فهو جاهل، حين خاطر بنفسه في معصية ربه. فقد حكى الله تعالى قول يوسف لاخوته: "هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ" (يوسف 89) فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله. وأي زمان يقضيه الإنسان في معصيتك ومخالفتك أطول من حلمك (أناتك). فمهما قضى الإنسان من عمره في المعصية والإساءة فهو دون حلم الله، وبوسع الإنسان، مع كل ما ارتكب من إساءة ومعصية، أن يأمل في رحمة الله وعفوه، وأن يسرع إلى التوبة عما ارتكبه من إثم، وما اقترفه من موبقة، قبل أن يدركه الموت. فإن الموت إن أدرك الإنسان، ولم يعدل عن المخالفة والمعصية، فليس ينفعه شيء بعد ذلك. يقول تعالى: "وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً" (النساء 18).
وعن مغفرته ورحمته تبارك وتعالى يقول الامام عليه السلام في الدعاء الذي رواه أبو حمزة الثمالي كما جاء في كتاب الشيخ محمد مهدي الآصفي: (يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، فوعزتك يا سيدي لو نهرتني ما برحت من بابك ولا كففت عن تملقك لما انتهى إلي من المعرفة بجودك وكرمك، وأنت الفاعل لما تشاء تعذب من تشاء بما تشاء كيف تشاء، وترحم من تشاء بما تشاء كيف تشاء، لا تُسأل عن فعلك، ولا تنازع في ملكك، ولا تشارك في أمرك، ولا تضاد في حكمك، ولا يعترض عليك أحد في تدبيرك، لك الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين) يقول تعالى: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ" (النجم 32). انتهرتني: أي زجرتني. ما برحت عن بابك: أي لم أذهب عن بابك، ولم أتجاوزها إلى غيرها من الأبواب. ولا كففت عن تملقك: أي لم انقطع عن تملقك، ولم اترك السؤال ببابك إلى غيرها. وإذا اقسم الإمام بعزته تعالى أن لا يبرح بابه، ولن يترك التملق لديه. يقول في حيثية هذا القسم واللجوء والانقطاع إلى الله: فإن عندك السلطان كله، تفعل ما تشاء، وتعذب من تشاء، بما تشاء من عذاب، وترحم من تشاء بما تشاء من الرحمة، وتعفو عمن تشاء، وتنتقم ممن تشاء. فأين يفرّ العبد، وأي سلطان يلتجئ إليه من دون سلطانك، ولك السلطان والأمر كله. وليس لأحد أن ينازعك في سلطانك، أو يشاركك ملكك، أو يعارضك في تدبيرك، أو يضادك في حكمك، فلك الأمر والخلق والسلطان كله، تباركت وتعاليت. يقول تعالى: "قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ" (آل عمران 154)، ويقول تعالى: "أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ" (الأعراف 54) ويقول تعالى: "بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً" (الرعد 31)، ويقول تعالى: "أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ" (الأعراف 54)، ويقول تعالى: "يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ" (إبراهيم 27)، "يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ" (الشورى 19)، يَخْلُقُ ما يَشاءُ (آل عمران 47)، "يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ" (سبأ 36)، "وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ" (البقرة 284)، "و يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ" (الشورى 8). فأين يفر العبد من سلطان الله المطلق إن لم تؤويه رحمة الله. وان لم يلتجأ إلى عفوه. فليس له إذن إلّا أن يقف عَلى باب رحمته تعالى، متضرعاً، خاشعاً، مبتهلًا إليه تعالى، راجياً، آملًا، متملقاً، عسى أن تناله رحمة الله "إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" (الأعراف 56).
https://telegram.me/buratha