الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب وضوء عبد الله بن عباس ودور السياسة في اختلاف النقل عنه للسيد علي الشهرستاني: الارث: عن شعبة، عن ابن عباس: أنّه دخل على عثمان بن عفان رضى الله عنه فقال: إن الأخوين لا يردّان الأم عن الثلث؟ قال اللّه عزوجل "فإِن كان له اخوة فلأمّه السدس" (النساء 11) فالأخوان بلسان قومك ليسا بأخوة؟ فقال عثمان بن عفان: لا أستطيع أن أردّ ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه. هذه المفردات تدل على مدى وقوف ابن عباس المتعبّد بوجه عثمان العامل بآرائه، ومدى تمسّك ابن عباس بسنة النبي صلى الله عليه وآله بعد القرآن المجيد، بخلاف عثمان الذي اعتذر بمثل قوله (لا أستطيع أن أردّ ما كان قبلي) أو قوله: (رأى رأيته) مع أنّه مخالف للقرآن والسنة المطهرة، وهذا التضاد والتخالف يؤكد أصالة الوضوء المسحي عند ابن عباس الذي يتقاطع مع مؤسس الوضوء الغسلي عثمان بن عفان.
وعن الحمل لستة اشهر يقول السيد علي الشهرستاني في كتابه: روى الأثرم باسناده عن أبي الاسود: أنه رفع إلى عمر أنّ امرأة ولدت لستة أشهر، فهمَّ عمر برجمها، فقال له علي: ليس لك ذلك، قال اللّه تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" (البقرة 233) وقال تعالى ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" (الأحقاف 15) فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا، لا رجم عليها، فخلى عمر سبيلها. وعن نافع بن جبير: أنّ ابن عباس أخبره، قال: إنّي لصاحب المرأة التي أُتي بها عمر وضعت لستة أشهر، فأنكر الناس ذلك، فقلت لعمر: لا تظلم، قال: كيف؟ قلت: أقرأ "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" (الأحقاف 15)، "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" (البقرة 233) كم الحول؟ قال: سنة. قلت: كم السنة؟ قال: اثنا عشر شهرا. قلت: فأربعة وعشرون حولان كاملان، ويؤخر اللّه من الحمل ما شاء ويقدم، قال: فاستراح عمر إلى قولي. فها هو ابن عباس يوافق عليّا عليهالسلام في النهج والاستدلال ويحذو حذوه، ويقف بوجه من لم يستطع استنباط هذا الحكم الواضح من كتاب اللّه عزوجل. كانت هذه مفردات عابرة عن فقه علي وابن عبّاس نقلناها كشاهد على وحدة الفقه عند الطالبيين، ولو شئنا لأفردنا مجلدا في ذلك.
وعن مخالفة النهج الحاكم مع علي وابن عبّاس يقول السيد الشهرستاني: نقلنا سابقا موقف ابن عبّاس من الخلافة ومخالفته مع بعض رموزها، وهذا هو الذي دعا الخلفاء لاحقا لتشديدهم على الناس بمخالفة فقه ابن عبّاس وعلي بن أبي طالب، لأنّ المعروف عند المحققين أنّ النزاع بين بني هاشم وبني أميّة لم يكن وليد يومه، إذ كان قبل الإسلام، ثمّ انتقل بعد الإسلام، وأنّ معاوية وأضرابه لم يُسْلِموا إلاّ تحت صليل السيوف وقرع الرماح، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله لمّا فتح مكة أطلق سراحهم وعفا عنهم بقوله: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وكان ابن عبّاس غير مستثنى من هذه القاعدة، حيث أسقط معاويةُ عطاءَه عند تسلّطه على المسلمين، وكان يلعنه في القنوت بعد علي بن أبي طالب بعد حادثة الحكمين. وقد بسطنا القول عن اتجاهي الرأي والتعبد على عهد رسول اللّه في بحوث متعدّدة لنا، وقلنا أنّ عامّة القرشيين كانوا من أهل الرأي، وأنّ ابن عبّاس وعليّا ومن تابعهما كانوا من أهل التعبد. فجاء عن ابن عبّاس قوله: ليس أحدٌ إلاّ يؤخذُ من قوله ويدع غيرَ النبي صلى الله عليه وآله. وقوله: ألم يقل اللّه عزّوجلّ "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" (الحشر 7)؟ قلت: بلى، قال: ألم يقل اللّه "وما كان لمؤمن ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" (الأحزاب 36)؟ قلت: بلى. قال: أشهد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله نهى عن النقير والمزفّت والدباء والحنتم. وقوله في آخر: ألا تنتهوا عما نهاكم عنه رسول اللّه صلى الله عليه وآله؟ وقد ثبت عنه رحمه الله أنّه كان يصحح المفاهيم الخاطئة التي وقع فيها الناس، فعن أبي الطفيل قال: قلت لابن عبّاس: يزعم قومك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله رَمَل بالبيت، وأنّ ذلك سنة؟ فقال: صدقوا وكذبوا. قلت: وما صدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا، رَمَل رسول اللّه صلى الله عليه وآله بالبيت، وكذبوا ليس بسنّة، إنّ قريشا قالت زمن الحديبية، دعوا محمدا وأصحابه حتّى يموتوا موتَ النغف، فلما صالحوه على أن يقدموا من العام المقبل ويقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول اللّه، والمشركون من قبل قعيقعان، فقال رسول اللّه لأصحابه: ارملوا بالبيت ثلاثا، وليس بسنّة. قلت: ويزعم قومك أنّه طاف بين الصفا والمروة على بعير، وأنّ ذلك سنة؟ فقال: صدقوا وكذبوا. فقلت: وما صدقوا وكذبوا؟ فقال: صدقوا، قد طاف بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليست بسنّة، كان الناس لا يُدْفَعون عن رسول اللّه ولا يُصْدَفُون عنه فطاف على بعير، ليسمعوا كلامه ولا تناله أيديهم. وجاء رجل إلى ابن عبّاس فقال: إنّ مولاك إذا سجد وضع جبهته وذراعيه وصدره بالأرض، فقال له ابن عبّاس: ما حملك على ما تصنع؟ قال: التواضع. قال: هكذا ربضة الكلب، رأيت النبي صلى الله عليه وآله إذا سجد رُؤي بياض إبطيه. فنهج الخلفاء كان يخالف ابن عبّاس، لتعبده ولمواقفه السياسية المؤيدة للإمام علي.
https://telegram.me/buratha