من هنا نجد ان الثورة اعدت برنامجاً هائلاً لتوليد الزخم والطاقة، وهذه الامة حينما تريد ان تسير تارةً يُطلب منها ان تكون امة مُهمَلة ومُهمِلة لا اثر لها في التاريخ، فاذا قُدِّر ان عصر العاشر حاول الطغيان ان يقرر قراراً خطيراً للغاية في شأن مصير هذه الامة في قوله اقتلوهم ولا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية هذا الشعار الذي اجتهد بنو امية على تطبيقه بشكل ينم عن حرص شديد ورغبة جادة غيرانهم لم يفلحوا في اصابة هذه الامة بمقتل، هم اذوها وقمعوها واضطهدوها ومن بعدهم بنو العباس فعلوا اكثر من بني امية لكن القدر المتيقن ان الامة بقيت تمانع والمظلوم بقي يحاول ان يعبر باي طريقة من الطرق عن وجوده وعن اثبات هويته، والزخم الذي تولد من ثورة الامام الحسين عليه السلام ظَلَّ يتوهج وينتج زخماً مضاعفاً بالشكل الذي يمكن لنا ان نقول بان اي قراءة استقرائية لما جرى على التشيع كمذهب منذ ثورة الامام الحسين عليه السلام الى يومنا هذا ما كان ليخرج عن النظر الى ان اثر الحسين وثورته عليه السلام وطبيعة الزخم المتوقد من هذه الثورة كان له ابلغ الاثر في ابقاء الامة المنتمية الى مدرسة العدل والقسط الإلهي، اذا اردنا ان ننظر الى يوم عاشوراء فنضع انفسنا كما نفعل في كل سنة، فماذا نفعل في يوم عاشوراء؟ لا نتحدث عن الذهاب الى الزيارة او قراءة الزيارة وما الى ذلك ولكن ماذا يتشكل في داخل قلوبنا في ذلك اليوم تحديداً؟ لا شك ان الجواب التلقائي ان حزناً شديداً يتولد في داخلنا لكن ما يخفى بعد هذا الحزن ان غضباً هائلاً يتوقد في داخل جوانحنا، بحيث نريد ان نعبر عن هذا الغضب باي طريقة كانت، هذا الغضب هو احد صور هذا الزخم الذين نتحدث عنه والذي حافظ على هويتنا وتشيعنا وحافظ على التزامنا طول كل هذه القرون المتمادية، حينما نقرأ زيارة عاشوراء نجد الغضب ولا نجد الحزن في هذه الزيارة، نجد الغضب المتوقد الذي ينضح من كل كلمة من كلمات الزيارة من كلمات البراءة الى كلمات اللعن الى كلمات الوصف الشديد لما جرى على الامام الحسين عليه السلام التي يكون انعكاسها الغضب داخل الانسان، لكن هذا الغضب وضِع له اطار، لم يراد له ان يبقى غضب بلا ناظم او مسيطر يوجهه، هناك قضية أساسية يطلبها قارئ زيارة عاشوراء بعد كل اللعن والبراءة وما الى ذلك وهي انه يتحدث عن الامام المنصور من آل محمد وكيف يمكن لهذا الشخص ان ينصر هذا الامام، الثأر والانتقام للإمام الحسين عليه السلام تكون بالتوجه الى معسكر الامام المنصور من آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين، نحن نتلَّمس هذا المعسكر حينما نقرأ عبارات البراءة والولاء وما الى ذلك، اما اذا ذهبنا الى زيارة الناحية سنجد ان واحدة من مواصفات هذه الزيارة انها بعد التشريح الشديد الذي يقوم به الامام المنتظر صلوات الله عليه لما جرى على الامام الحسين واصحابه وهو حديث مفصَّل ولم ينتهي حديثه عند قوله "لئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور" بل يبدأ بتوليد الزخم المطوب ليُبقي غليان المرجل " لأبكين عليك بدل الدموع دما " هذا الحديث ليس بمستوى سذاجة البعض حينما يفهم ان المطلوب منه هو البكاء فقط، من لا يعيش هذه النعمة لا يفهم هذا الحديث لأنه يرى دموع تنزل من المآقي وايادي تنزل على الصدور لتلطم وارجل تتقدم في هذه الزيارة او في تلك، لكن في داخل قلوب هذه الصدور هناك شيء اخر لا يعلم به هؤلاء وهو الأصل في ان يبقى هذا المرجل يغلي غضباً لينتج ولاءً الى الامام المنصور من آل بيت محمد وينتج استعداداً لمن لم يشهد كربلاء في ذلك الوقت، لكن ماذا لو تجدد ذلك اليوم؟ وما هو فعلنا لو جاء الامام المنصور من آل محمد؟ والجواب اننا لا شك سنشترك في هذه القضية، لذلك نحن نلاحظ ان الامام الحسين عليه السلام رفع كل الشعارات المهدوية سلفاً ومن حسن القضية الحسينية انها لم تكن لتتوقف عند حاجز طائفي او مذهبي بل هي قصة انسانية يمكن ان تستميل اي عاطفة او اي سجية انسانية بعيداً عن ان يكون الانسان مسلماً او غير مسلم وهو ما نشاهده اليوم في دمعه وحزن الامام الحسين عليه السلام انه يستثير ويستقطب الناس، لكن هذا الخطاب العام الى الإنسانية لا يخفى على أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في انه يحتاج الى خطاب التخصيص والى جماعة خاصة تحمل هذه الشعلة ولا تطفئها ابداً، لذلك الحديث عن استمرار البكاء وبدل الدموع دماً وما الى ذلك هذا العمل ليس عبثي وانما هو محاولة لإيجاد الصفوة الخاصة بحيث لو مات كل شيء لن يموت عندهم حب الحسين ولا ذكره صلوات الله وسلامه عليه.. يتبع
https://telegram.me/buratha