الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن كريم "أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" ﴿الأنفال 4﴾ كريم صفة، رِزْقٌ كريمٌ: عطاء عظيم. هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال هم المؤمنون حقًا ظاهرًا وباطنًا بما أنزل الله عليهم، لهم منازل عالية عند الله، وعفو عن ذنوبهم، ورزق كريم، وهو الجنة. قوله عز من قائل "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" ﴿الأنفال 74﴾ والذين آمنوا بالله ورسوله، وتركوا ديارهم قاصدين دار الإسلام أو بلدًا يتمكنون فيه من عبادة ربهم، وجاهدوا لإعلاء كلمة الله، والذين نصروا إخوانهم المهاجرين وآووهم وواسوهم بالمال والتأييد، أولئك هم المؤمنون الصادقون حقًا، لهم مغفرة لذنوبهم، ورزق كريم واسع في جنات النعيم.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن كريم "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" ﴿النور 26﴾ "أولئك مبرؤون مما يقولون" أي: الطيبون مبرؤون أي: منزهون من الكلام الخبيث، عن مجاهد. وقال الفراء: يعني به عائشة، وصفوان بن المعطل، وهو بمنزلة قوله تعالى: "فإن كان له إخوة"، والأم تحجب بالأخوين فجاء على تغليب لفظ الجمع. "لهم مغفرة" أي: لهؤلاء الطيبين من الرجال والنساء، مغفرة من الله لذنوبهم. "ورزق كريم" أي: عطية من الله كريمة في الجنة. قوله عز وجل "فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" ﴿يوسف 31﴾ "مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" أي: رفع الله منزلته عن منزلة البشر فنعوذ بالله أن نقول إنه بشر ومعناه :أنه منزه أن يكون بشرا وليس صورته صورة البشر ولا خلقته خلقة البشر ولكنه ملك كريم لحسنه ولطافته وروي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصف يوسف حين رآه في السماء الثانية رأيت رجلا صورته صورة القمر ليلة البدر قلت يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف وقيل معناه ليس هذا إلا ملك كريم في عفته قال الجبائي: وهذا يدل على أن الملك أفضل من بني آدم لأنهن ذكرن من هو في نهاية الفضل ولم ينكر الله تعالى ذلك عليهن وهذا من ركيك الاستدلال لأنه سبحانه إنما حكى عن النساء إعظامهن ليوسف حين رأين جماله وبعده عن السوء فشبهنه بالملك ولم يقصدن كثرة الثواب الذي هو حقيقة الفضل وإنما لم ينكره سبحانه عليهن لأنه علم أنهن لم يقصدن في كلامهن ما حمله عليه الجبائي على أن الظاهر يقتضي أنهن نفين أن يكون يوسف من البشر وقطعن على أنه ملك وهذا كذب ولم ينكره الله سبحانه عليهن لما علم من أنهن يقصدن بذلك تشبيه حاله بحال الملائكة.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن كريم "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ" ﴿لقمان 10﴾ أي وأنزلنا من جهة العلو ماء وهو المطر وأنبتنا فيها شيئا من كل زوج نباتي شريف فيه منافع وله فوائد، وفيه إشارة إلى تزوج النبات وقد تقدم الكلام فيه في نظيره. قوله جل كرمه "لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ" ﴿الواقعة 44﴾ الظاهر أنهما صفتان للظل لا ليحموم، وذلك أن الظل هو الذي يتوقع منه أن يتبرد بالاستظلال به ويستراح فيه دون الدخان.
عن مركز الامام الحسن للدراسات التخصصية كرم الإمام الحسن عليه السلام: نازع رجلان، أحدهما أموي يقول: قومي أسمح، والآخر هاشمي يقول: بل قومي أسمح، فقال أحدهما: فاسألْ أنت عشرة من قومك، وأنا أسأل عشرة من قومي، يريد أن يسأل كلٌّ عطاء عشرة من قومه، فينظروا أيّ القومين أسخى وأسمح يداً، ثمّ إذا عرفوا ذلك أرجع كلّ منهما الأموال إلى أهلها، كلّ ذلك شريطة أن لا يخبرا من يسألاه بالأمر. فانطلق صاحب بني أمية فسأل عشرة من قومه فأعطاه كلّ واحد منهم ألف درهم، وانطلق صاحب بني هاشم إلى الإمام الحسن عليه السلام فأمر له بمائة وخمسين ألف درهم، ثمّ أتى إلى الإمام الحسين عليه السلام فقال: (هل بدأت بأحد قبلي)؟ قال: بدأت بالحسن، قال: (ما كنت أستطيع أن أزيد على سيّدي شيئاً)، فأعطاه مائة وخمسين ألفاً من الدراهم. فجاء صاحب بني أمية يحمل عشرة آلاف درهم من عشرة أنفس، وجاء صاحب بني هاشم يحمل ثلاثمائة ألف درهم من نفسَين، فغضب صاحب بني أمية، حيث رأى فشله في مبادراته القبلية، فردّ الأوّل حسب الشرط ما كان قد أخذه من بني أمية فقبلوه فَرحِين، وجاء صاحب بني هاشم إلى الإمام الحسن والحسين عليهما السلام يردّ عليهما أموالهما فأبيا أن يقبلاهما قائلين: (ما نبالي أخذتها أم ألقيتها في الطريق). من هذه القصص وغيرها الكثير يتّضح لنا كيفية تعامل الإمام الحسن وأهل البيت عليهم السلام مع المال، فهم بتوكّلهم على الله حقّ التوكّل، يعطوا عطاء من لا يخاف الفقر، لأنّ الشيطان عندما يرى المؤمن يريد العطاء يوسوس له ويظهر له قيود كثيرة حتّى لا يبذل المال، يقول تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم" (البقرة 268).
جاء في موقع العتبة الحسينية المقدسة عن الإمام الحسن المُجْتَبَى عليه السلام عنوان الكرم للكاتب علي عباس فاضل: الكرم من الصفات الحميدة التي يتصف بها الإنسان، وقد عُدَّ الكرم من الشجاعة لما لكريم من شجاعة الإعطاء وشهامة البذل للمقابل، وقد عرف عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وأهل بيته اتصافهم بكرم منقطع النَّظير، فهم سند لمن لا سند له، يبذلون كل ما يملكون في سبيل الله، حتى نفوسهم والجود بالنفس أقصى غاية الجود، ومما يطالعنا في سيرة أهل البيت عليهم السَّلَام ما نزل من القرآن الكريم عن كرمهم وسخائهم، قال تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا" (الانسان 8-9). ومن أهل البيت الذين اتصفوا بالكرم الإمام الحسن المُجْتَبَى عليه السلام، وله في ذلك أقوال وحكم كثيرة نأخذ بعضًا منها، قوله عليه السلام: (أما الكرم فالتبرع بالمعروف والاعطاء قبل السؤال والإطعام في المحل)، وروي (التَّبَرُّعُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِعْطَاءُ قَبْلَ السُّؤَالِ، مِنْ أَكْبَرِ السُّؤْدَدِ)، فالإمام عليه السلام يحث على التبرع للمعروف، والإعطاء قبل السؤال لأنفي السؤال إراقة لماء وجه السائل، فحفاظا على حياء السائل كان الإمام عليه السلام يعطيه حاجته قبل سؤاله له، ويصف ذلك بأنه أكبر السؤدد، أي هو من أعظم مراتب المجد والشرف. ومن أقٌواله عليه السلام: (إِنَّ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ قُوَّةً فِي دِينٍ، وَ كَرَماً فِي لِينٍ، وَ حَزْماً فِي عِلْمٍ، وَ عِلْماً فِي حِلْمٍ، وَ تَوْسِعَةً فِي نَفَقَةٍ، وَ قَصْداً فِي عِبَادَةٍ)، فقد جعل الإمام الحسن عليه السلام الكرم من أخلاق المؤمن، فلا بد للمؤمن أن يكون كريما لا بخيلا، وهو الصفة الثانية بعد قوة الدين، ويجب أن يكون مقرونا باللين لا بالغلظة، حتى يكون الكرم على أتم وجه، لأن الكرم من المعروف وقد قال عليه السلام عنه: (الْمَعْرُوفُ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَطْلٌ، وَ لَمْ يَتْبَعْهُ مَنٌ)، وقال عن البخل وقد سئل عنه: (البُخلُ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ مَا أَنْفَقَهُ تَلَفاً، وَ مَا أَمْسَكَهُ شَرَفاً)، ولا بد للكريم أن لا يتبع كرمه بالمنة والرياء، والأفضل أن يكون سرًّا، وأن لا يعدد ما قام به من أفعال الكرم لأن ذلك يكون مدعاة إلى محق كل ما فعله، روي عن الإمام الحسن عليه السلام قوله: (مَنْ عَدَّدَ نِعَمَهُ مَحَقَ كَرَمَهُ). وأوسع ما يكون من الكريم العفو والمغفرة عند المقدرة، فالعفو عن الذنب من الكرم الذي يتصف به المؤمن الحقّ، قال عليه السلام: (أَوْسَعُ مَا يَكُونُ الْكَرِيمُ بِالْمَغْفِرَةِ إِذَا ضَاقَتْ بِالْمُذْنِبِ الْمَعْذِرَةُ)، وكان الإمام الحسن عليه السلام مثالا لهذا القول فعلا إذ روي عن(الامام الحَسَن بن عَلِيّ المُجْتَبَى عليه السلام وَقَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ فُلَاناً يَقَعُ فِيكَ. فَقَالَ عليه السلام: (أَبْقَيْتَنِي فِي تَعَبٍ، أُرِيدُ الْآنَ أَنْ أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ لِي وَ لَهُ)، فكان منه العفو سجية، ثم لم يكتف بالعفو عن المذبب، بل بالدّعاء له بالمغفرة عن ذنبه الذي أذنبه.
https://telegram.me/buratha