الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن يودوا "يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا" ﴿الأحزاب 20﴾ يَوَدُّوا: يَوَدُّ فعل، وا ضمير بادون اسم، بَاُدوَن في الأَعْرَابِ: كانوا معهم في البادية. يظن المنافقون أن الأحزاب الذين هزمهم الله تعالى شر هزيمة لم يذهبوا، ذلك من شدة الخوف والجبن، ولو عاد الأحزاب إلى (المدينة) لتمنَّى أولئك المنافقون أنهم كانوا غائبين عن (المدينة) بين أعراب البادية، يستخبرون عن أخباركم ويسألون عن أنبائكم، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا معكم إلا قليلا لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم. جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى "يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا" "الأحزاب 20" "يحسبون الأحزاب" من الكفار "لم يذهبوا" إلى مكة لخوفهم منهم، "وإن يأت الأحزاب" كرة أخرى "يودُّوا" يتمنوا "لو أنهم بادون في الأعراب" أي كائنون في البادية "يسألون عن أنبائكم" أخباركم مع الكفار، "ولو كانوا فيكم" هذه الكرة "ما قاتلوا إلا قليلا" رياءً وخوفا من التعيير.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قال الله تعالى عن يودوا "يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا" ﴿الأحزاب 20﴾ "يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم" أي يود هؤلاء المنافقون أن يكونوا في البادية مع الأعراب يسألون عن أخباركم ولا يكونوا معكم حذرا من القتل وتربصا للدوائر. "ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا" أي ولوكان هؤلاء المنافقون معكم وفيكم لم يقاتلوا معكم إلا قدرا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لا لينصروكم ويجاهدوا معكم وقيل معناه قتالا قليلا رياء وسمعة من غير احتساب ولوكان هؤلاء المنافقون معكم وفيكم لم يقاتلوا معكم إلا قدرا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لا لينصروكم ويجاهدوا معكم وقيل معناه قتالا قليلا رياء وسمعة من غير احتساب ولوكان لله تعالى لم يكن قليلا عن الجبائي ومقاتل.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل "يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ" ﴿المعارج 11﴾ قال في المجمع،: المودة مشتركة بين التمني وبين المحبة يقال: وددت الشيء أي تمنيته ووددته أي أحببته أود فيهما جميعا. انتهى، ويمكن أن يكون استعماله بمعنى التمني من باب التضمين. وقال: والافتداء الضرر عن الشيء ببدل منه انتهى، وقال: الفصيلة الجماعة المنقطعة عن جملة القبيلة برجوعها إلى أبوة خاصة عن أبوة عامة. انتهى، وذكر بعضهم أن الفصيلة عشيرته الأقربين الذين فصل عنهم كالآباء الأدنين. وسياق هذه الآيات سياق الإضراب والترقي بالنسبة إلى قوله: "ولا يسأل حميم حميما" فيفيد أن المجرم يبلغ به شدة العذاب إلى أن يتمنى أن يفتدي من العذاب بأحب أقاربه وأكرمهم عليه بنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته وجميع من في الأرض ثم ينجيه الافتداء فيود ذلك فضلا عن عدم سؤاله عن حال حميمه. والمعنى "يود" ويتمنى "المجرم" وهو المتلبس بالأجرام أعم من الكافر "لو يفتدي من عذاب يومئذ" وهذا هو الذي يتمناه، والجملة قائمة مقام مفعول يود. "ببنيه" الذين هم أحب الناس عنده "وصاحبته" التي كانت سكنا له وكان يحبها وربما قدمها على أبويه "وأخيه" الذي كان شقيقه وناصره "وفصيلته" من عشيرته الأقربين "التي تؤويه" وتضمه إليها "ومن في الأرض جميعا" من أولي العقل "ثم ينجيه" هذا الافتداء.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قال الله تعالى عن يودوا "يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا" ﴿الأحزاب 20﴾ وإذا تأكد المنافقون من هزيمة الأحزاب، ثم عادت إلى المدينة كرة ثانية تمنى المنافقون لو كانوا بعيدين عنها يقيمون في البادية مع أهلها يسألون كل قادم عما جرى على المسلمين. قوله عز من قائل "يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ" ﴿المعارج 11﴾ هيهات أن ينجيه ذلك، والمراد بالصاحبة الزوجة، وبالفصيلة العشيرة، والمعنى واضح ويتلخص بأن أسير جهنم يود لو يفادى من الهول بجميع أهل الأرض حتى الزوجة والأبناء الذين كان بالأمس يفتديهم بنفسه، ويرتكب من أجلهم المخاطر والأهوال. وهذا أبلغ تصوير لأسف المجرم على ما فات، ولهفته على الخلاص والنجاة.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه وتعالى "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" ﴿البقرة 96﴾ لجمع مزيد من متاع الدنيا، أو خوفاً من عقاب الآخرة لكن هذا العمر الذي يتمناه كل واحد منهم لا يبعده عن العذاب، ولا يغيّر من مصيره شيئاً. قال الله تعالى عن يودوا "يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا" ﴿الأحزاب 20﴾ "وإن يأت الأحزاب يودّون لو أنّهم بادون في الأعراب" أي منتشرون في الصحراء بين أعراب البادية، فيختفون هناك ويتتبّعون أخباركم و "يسألون عن أنبائكم" فيسألون لحظة بلحظة من كلّ مسافر آخر الأخبار لئلاّ تكون الأحزاب قد إقتربت منهم، وهم مع ذلك يمنّون عليكم بأنّهم كانوا يتابعون أخباركم دائماً. وتضيف الآية في آخر جملة: وعلى فرض أنّهم لم ينهزموا ويفرّوا من الميدان، بل بقوا معكم: "ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلاّ قليلا". فلا تحزنوا وتقلقوا لذهابهم، ولا تفرحوا بوجودهم بينكم، فإنّهم اُناس لا قيمة لهم ولا صفة تحمد، وعدمهم أفضل من وجودهم.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالُوا إِنَّ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَئُونَةً فِي نَفَقَتِكَ وَ فِيمَنْ يَأْتِيكَ مِنَ الْوُفُودِ وَ هَذِهِ أَمْوَالُنَا مَعَ دِمَائِكُمْ فَاحْكُمْ فِيهَا بَارّاً مَأْجُوراً أَعْطِ مَا شِئْتَ وَ أَمْسِكْ مَا شِئْتَ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِ الرُّوحَ الْأَمِينَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يَعْنِي أَنْ يَوَدُّوا قَرَابَتِي مِنْ بَعْدِي فَخَرَجُوا فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ مَا حَمَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَلَى تَرْكِ مَا عَرَضْنَا عَلَيْهِ إِلَّا لِيَحُثَّنَا عَلَى قَرَابَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِنْ هُوَ إِلَّا شَيْءٌ أَقَرَّهُ فِي مَجْلِسِهِ وَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ عَظِيماً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام بِهَذِهِ الْآيَةِ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ النَّبِيَّصلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ هَلْ مِنْ حَدَثٍ فَقَالُوا إِي وَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ قَالَ بَعْضُنَا كَلَاماً غَلِيظاً كَرِهْنَاهُ فَتَلَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْآيَةَ فَبَكَوْا وَ اشْتَدَّ بُكَاؤُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ فَهَذِهِ السَّادِسَةُ وَ أَمَّا الْآيَةُ السَّابِعَةُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً وَ قَدْ عَلِمَ الْمُعَانِدُونَ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْنَا التَّسْلِيمَ عَلَيْكَ وَ كَيْفَ الصَّلَاةُ قَالَ تَقُولُونَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَ آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ فَهَلْ بَيْنَكُمْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا خِلَافٌ؟ فَقَالُوا لَا.
https://telegram.me/buratha