طاهر باقر
من لايعرف قضيتنا مع الحسين عليه السلام يظن انها مجرد دموع ونواحي ، ولطم على الصدور وحزن وبواكي، لكنه لايعلم ان الحسين حياة القلوب وعز الامم، والامة التي تملك حسينا مرفوعة الرأس وتاريخها ينصع بالمواقف المشرفة والبطولات الكبيرة.
الحسين يعلّم الانسان العيش بكرامة وعزة وشرف، ومبادءه تبرز في زمن العبودية، عندما يتخذ الحكام افراد الامة عبيدا كما في المستدرك على الصحيحين - 8476 - (... عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا بَلَغَتْ بَنُو أُمَيَّةَ أَرْبَعِينَ اتَّخَذُوا عِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا، وَمَالَ اللَّهِ نِحَلًا، وَكِتَابَ اللَّهِ دَغَلًا) فحركة الامام الحسين عليه السلام هي لتحریر البشرية من العبودية وهي امتداد لحركة الانبياء الذين يعتقون الناس من عبودية الطغاة ويحررون الكتب المقدسة من استغلالهم ويمنعونهم من الاستيلاء على اموال الضعفاء وانتهاك اعراضهم.
فالطغاة ينتهكون الحرمات واول حرمة ينتهكونها هي حرمة الدين، فاذا لم يواجهوا معارضة من الامة يغتصبون حقوقها، واذا لم يتصدى لهم احد سيعتدون على الحقوق الفردية، عندها تضيع الحقوق ولايأمن الناس على حياتهم ولااموالهم ولااعراضهم، يعني كل هذه الانتهاكات تحدث ولااحد يتجرء على معارضة الطاغية.
انظروا الى اوضاع بعض البلدان العربية والاسلامية لايتجرء الناس هناك اعلان موقفهم الداعم لفلسطين، ليس هذا فقط بل لايتجرء رجال الدين الدفاع عن دين الاسلام برغم الانتهاكات الكبيرة التي تحدث في بلدانهم، السؤال: كيف تجرء هذا الحاكم على احداث كل هذا التغيير في بلده دون ان يجد معارضة حقيقية من قبل رجال الدين هناك او من قبل المجتمع الذي يدعي انه مسلم؟
لانهم لايملكون حسينا ينفخ فيهم الحياة وروح الثورة ويحثهم على الفداء لاجل الدين او يضحون في سبيل حريتهم وكرامتهم، ولذا هم سيتقبلون الظلم وسيخضعون لقوانينه الباطلة حتى وان كانت مخالفة للدين.
يزيد بن معاوية انتهك في بادئ الامر قوانين الدين والمعايير التي وضعها الاسلام للحاكم، فقد كشف علانية عدم ايمانه بالدين ليس فقط في مسألة جريمته بقتل الحسين عليه السلام بل بما حدث بعد ذلك من هجوم جيشه على مكة المكرمة واحراق الكعبة المشرفة بالمنجنيق ، وهو عمل لايتجرء عليه الكافر فمابالك بالمسلم الا اذا كان الشخص يضمر العداوة والبغضاء لهذا الدين.
هذا مانشرته صحيفة "اليوم السابع المصرية" حدث ذلك حين قام يزيد بن معاوية بحصار مكة لتحصّن عبد الله بن الزبير فيها، وذلك في صفر سنة أربع وستين هجرية، حسب ما ذكر السيوطي، فحاصروا ابن الزبير وقاتلوه ورموه بالمنجنيق، واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة، وتهدم سقفها، فقام ابن الزبير بعد ذلك بهدمها، وإعادة بنائها من جديد إلا أنه أضاف إليها ستة أذرع وجعل لها بابيْن، وأدخل فيها الحجر. (1)
ومايدل على انتهاك يزيد بن معاوية لحقوق الامة هو عندما مزق الاتفاقية التي جرت بين الامام الحسن عليه ومعاوية بن ابي سفيان اللذان اتفقا على تحويل الامارة الى شورى بين المسلمين بعد وفاته لكنه تسلم الحكم غصبا وخلافا لرأي وموقف الامة التي كانت تريد حاكما ينتخب بالشورى.
روى البلاذري في أنساب الأشراف: دفع معاوية إلى الحسن عليه السلام صحيفة بيضاء وقد ختم في أسفلها وقال له: اكتب فيها ما شئت فكتب الحسن عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان، صالحه على:
أن يسلّم إليه – إلى معاوية - ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين، وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى ، والناس آمنون حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي غائلة سراً ولا علانية، و(على أن) لا يخيف أحداً من أصحابه. شهد عبد الله بن الحرث، وعمرو بن سلمة وردّهما إلى معاوية ليشهد (بما في الكتاب) ويشهدا عليه.(2)
إحجام معاوية بن ابي سفيان وابنه يزيد عن تطبيق بنود الاتفاقية التي توقفت الحرب بين المسلمين بسببها هو اعظم انتهاك لحقوق الامة فواحدة من حقوقها ان يكون الخليفة منتخبا من قبل مجلس للشورى يتشكل من اصحاب السوابق في الاسلام.
بعد تمرد يزيد على النصوص الشرعية ونصوص الاتفاقية المبرمة بين والده والامام الحسن عليه السلام لم تبق حرمة لمسلم ولا لكعبة وحتى حرمة المسلمين تم انتهاكها من قبل جيش يزيد عندما هاجموا المدينة المنورة واغتصبوا نسائها.
ولنا ان نتصور كيف سيحكم التاريخ على الامام الحسين عليه السلام وتقع كل هذه الوقائع والاحداث في ايام حياته، عندها سيصرخ الناس جميعا لماذا سكت الامام على هذه الانتهاكات؟
لااحد يصدق ان تحدث مثل هذه الوقائع في حياة الامام الحسين عليه السلام فهو الذي قام من اجل كرامة الامة وعزة الاسلام، لايمكنه الرضوخ لواقع يفرض عليه السكوت على جريمة هتك حرمة الكعبة المشرفة او الاعتداء على شرف وطهارة النساء المسلمات.
الدعوة الحسينية هي اكبر من ان تكون دعوة دينية انها دعوة انسانية ولذا يظهر من وسط المظلومية شخص ثائر مثل غاندي فهم مضامين هذه الثورة وعرف كيف يحقق النصر من خلال تعليم ابناء امته على العزة والكرامة وعدم الرضوخ للضيم والظلم التي اسسها الامام الحسين عليه السلام من خلال دمائه الطاهرة.
واليوم نلاحظ ان الذين ساندوا القضية الفلسطينية هم الذين تعلموا من مدرسة الحسين الشجاعة والاباء وعدم الانصياع للظلم والخروج بوجه الظالم ونصرة المظلوم في غزة.
لقد برزت مبادئ ثورة الامام الحسين عليه السلام في غزة، فهذا هو طريق الحسين، وتعلم منه اتباع اهل البيت الشجاعة ونصرة المظلوم حتى لو تضررت مصالحهم الشخصية.
لقد حاولوا ان يركّعوا العراق من خلال داعش وجماعات الفكر المنحرف لكنهم فشلوا لان هذه الامة تملك الحسين عليه السلام وهو معلّم الانسانية الكرامة والعزة ولذا لم ينجحوا في تثبيت حكمهم ودولتهم التي قالوا انها باقية وتتمدد ورأيتم راي العين اندثار تلك الدولة وان المدرسة الوحيدة التي وقفت بوجه ذلك التنظيم الارهابي هي مدرسة الامام الحسين عليه السلام "فالامة التي تملك حسينا لاتُذل ابدا"
بقلم: طاهر باقر
===========
الهوامش
(1) اليوم السابع - أحزان الكعبة المشرفة.. الاعتداء على بيت الله الحرام فى زمن المسلمين – كتب أحمد إبراهيم الشريف
https://www.youm7.com/story/2019/8/11
-الأحد، 11 أغسطس 2019 -
(2) البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 287 – الطبعة الاولى – بيروت – لبنان – دار الفكر -
https://telegram.me/buratha