الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: عن درجات المواساة للعترة النبوية ورتب استحقاقها من الأجر: يُظهر الدعاء مراتب استحقاق الأجر ضمن درجات المواساة للعترة النبوية عليهم السلام في نطاق سنة إلهية مرتبة بالأعمال التي يقوم بها الإنسان، وهو يسير أي هذا الدعاء جنبا إلى جنب مع قوله تعالى: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه" (الزلزلة 7). بمعنى: أنّ الله تعالى يجازي العامل على عمله حسبما يقدمه من مكنوناته القلبية والنفسية والجسدية، فقد يُعبّر الإنسان من خلال نعمة قوة البدن عن الطاعة لله وقلبه منصرف لغير الله، وقد يتفاوت الانصراف لغير الله تعالى، كما يتفاوت التوجه إليه أيضا. كما يدل عليه الأثر النبوي، حينما دخل. إلى المسجد ورأى مصلياً يصلي وهو يعبث بلحيته، فقال: (أما إنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه).
وعن دور القائد في ترسيخ حب الصلاة وإقامتها يقول السيد الحسني في كتابه: تشكل الصلاة أحد أهم الفرائض التي جاء بها الإسلام وأكثرها ظهورا في الدلالة على هذا الدين، ناهيك عن دورها الأساس في تقويم السلوك الإنساني بصفتها: "تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُون" (العنكبوت 45). ولقد سعى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى ترسيخ هذه الفريضة في أذهان المسلمين لكونها من ضروريات الدين، حتى (أن مستحل تركها كافر إن لم يدع شبهة محتملة). ولذلك: لم تعذر الشريعة الإسلامية بأي حال من الأحوال ترك الفريضة، (فهي واجبة حتى على الكافر وإن لم تصح منه). والموقف الذي قدمه سيد الشهداء عليه السلام يوم العاشر هو رسالة عملية لجميع متبعي الأديان تنص على أن الأنبياء وأوصياءهم عليهم السلام جاهدوا لأجل هذه الصلاة، وأن آخر عهدهم من الحياة الدنيا هو الصلاة. ولذلك: لم تمنعه كثرة العدو وشدة ما نزل به من الرزايا ممثلا بقتل أكثر أصحابه ومحاصرته من كل جانب ورميه بالسهام من كل جهة من أقامة الصلاة بمن بقي من أصحابه. فما جهاده وقتاله وبذله لنفسه وأهله وأصحابه إلا لأجل إقامة الصلاة التي إن ذهبت ذهب عماد الدين، وهو المعنى الذي دل عليه قول الإمام الصادق عليه السلام في خطابه لجده الحسين عليه السلام: (أشهد أنك أقمت الصلاة).
وعن اللعن في اللغة يقول السيد نبيل الحسني: (اللعن) لغة هو الطرد من الخير، أي رحمة الله تعالى، فلا تنفعه شفاعة أحدٍ فهو في سخط الله تعالى وموضع نزول نقمته عزّ شأنه ، وبهذه الحالة كيف لا يستحق اللعن من كان هذا حاله، وقد لعن الله تعالى في محكم كتابه الجاحدين والظالمين والمنافقين، وأمر سبحانه بمتابعة اللعن لهم: "أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون" (البقرة 159). وبقوله: "أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعين" (آل عمران 17). ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي.، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، ويكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال، وتنشق منه الصخور، ويبقى سوء عمله على كر الشهور ومر الدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. فان قيل: فمن علماء المذهب من لا يجوز اللعن على يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد، قلنا: تحاميا على أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى، كما هو شعار الروافض، على ما يروى في أدعيتهم، ويجري في أنديتهم، فرأى المعتنون بأمر الدين الجام العوام بالكلية طريقا إلى الاقتصاد في الاعتقاد، بحيث لا تزل الأقدام عن السواء، ولا تضل الأفهام بالأهواء، وإلا فمن خفي عليه الجواز والاستحقاق، وكيف لا يقع عليهما الاتفاق؟، وهذا هو السر فيما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال، وسد طريق لا يؤمن أن يجر إلى الغواية في المآل، مع علمهم بحقيقة الحال وجلية المقال). قال الشيخ محمد قاهر القمي: انظر إلى هؤلاء كيف يجوزون تحريم ما حلل الله من لعن من يستحق اللعن من غير اذن من الله، وقد قال الله تعالى: "قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُون" (يونس 59). وسخافة عذر التفتازاني من قبل المانعين من اللعن السائغ شرعا لا يخفى عن اللبيب المنصف.
وعن من هم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ يقول السيد الحسني في كتابه: إنّ من الحقائق التاريخية التي تحدث عنها القرآن الكريم هي حقيقة المسخ الذي عاقب الله به جماعة من بني إسرائيل. وقد اختلفت الآراء حول هذه الحقيقة القرآنية، فقال الشريف المرتضى: (المسخ أن يغير صورة الحي الذي كان إنساناً يصير بهيمة، لا أن يتغير صورته إلى صورة البهيمة، الأصل في المسخ قوله تعالى: "كُونُوا قِرَدَةً خاسِئينَ" (البقرة 65). وقوله تعالى: "وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازيرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوت" (المائدة 60). وقد تأول قوم من المفسرين آيات القرآن التي في ظاهرها المسخ، على أن المراد بها أنا حكمنا بنجاستهم، وخسة منزلتهم، وايضاع أقدارهم، لما كفروا وخالفوا، فجروا بذلك مجرى القرود التي لها هذه الأحكام، كما يقول أحدنا لغيره: ناظرت فلانا وأقمت عليه الحجة حتى مسخته كلبا على هذا المعنى. وقال آخرون: بل أراد بالمسخ أن الله تعالى غير صورهم وجعلهم على صور القرود على سبيل العقوبة لهم والتنفير عنهم، وذلك جائز مقدور لا مانع له، وهو أشبه بالظاهر وأمر عليه، والتأويل الأول ترك للظاهر، وإنما تترك الظواهر لضرورة وليست هاهنا. فإن قيل: فكيف يكون ما ذكرتم عقوبة؟ قلنا: هذه الخلقة إذا ابتدأت لم تكن عقوبة، وإذا غير الحي المخلوق على الخلقة التامة الجميلة إليها، كان ذلك عقوبة، لأن تغير الحال إلى ما ذكرناه يقتضي الغم والحسرة. فإن قيل: فيجب أن يكون مع تغير الصورة ناس قردة، وذلك متناف.
https://telegram.me/buratha