منذ حوالي أربعين عاما، وتحديدا منذ عام 1979، اعتلى مسعود البارزاني هرم السلطة في الحزب الديمقراطي وتمكّن من الحفاظ على مركزيته. إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت صراعا خفيا بين ابنه مسرور البارزاني وابن أخيه نيجيرفان البارزاني.
ظهرت خيوط هذا الصراع بشكل أكثر وضوحا منذ استفتاء الاستقلال الذي أجراه الحزب الديمقراطي في سبتمبر من العام الماضي والذي كان من تداعياته استقالة مسعود البارزاني من رئاسة إقليم كردستان العراق.
ويرصد هونر حمه رشي، في تقرير على موقع نقاش، ملامح صراع خفيّ بين ابني العم لخلافة “البارزاني الأكبر”، مشيرا إلى أن كل طرف يملك مجموعة قوية يسعى عبرها إلى ترسيخ دوره.
وينص القانون الصادر عن برلمان كردستان على نقل معظم سلطات مسعود البارزاني إلى رئيس الحكومة، ويشغل هذا المنصب حاليا نيجيرفان البارزاني. لكن يبدو أن رئيس الحكومة لا يمكنه ممارسة جميع سلطاته، ففضلا عن وجود معادين له داخل الأحزاب الأخرى، يصطدم داخليا بجدار ابن عمه مسرور البارزاني الذي يتحكم في المفاصل الأمنية لكردستان.
ويتولى نيجيرفان، إلى جانب رئاسته لحكومة إقليم كردستان، منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي، أما مسرور فهو مستشار مجلس الأمن وعضو المكتب السياسي في الحزب. ويحتفظ كل واحد بقوة وسلطة كبيرتين داخل الحزب وخارجه ومن الصعب معرفة أيهما أكثر نفوذا من الآخر.
وينشر كل واحد منهما يوميا عبر مواقع التواصل الاجتماعي نشاطاتهما المتعددة من زيارات واستقبال للوفود. وفي قطاع الإعلام يملك نيجيرفان البارزاني قناة “روداو” التلفزيونية وهي أكبر قناة كردية، فضلا عن صحيفة أسبوعية ومؤسسة ثقافية أخرى. في المقابل يملك مسرور قناة بارزة وهي كردستان 24 مع صحيفة أسبوعية ومؤسسات إعلامية وثقافية أيضا.
ويملك نيجيرفان كذلك جامعة كردستان فيما يملك مسرور الجامعة الأميركية في دهوك، كما يملك نيجيرفان مؤسسة روانكة الخيرية ويملك مسرور البارزاني مؤسسة البارزاني الخيرية. وكذلك الحال بالنسبة للمجالات الأخرى، وقد يكون أبرزها المجال الأمني والعسكري الذي يبدو أن مسرور البارزاني أكثر نفوذا فيه، إذ له السلطة على أجهزة الأسايش (قوات الأمن الداخلي الكردية) ومكافحة الإرهاب وقوات الزيرفاني والعديد من الألوية في قوات 80 التابعة للحزب الديمقراطي، أما نيجيرفان فله السلطة على عدد من الألوية في قوات البيشمركة عن طريق أخيه روان إدريس البارزاني.
وقال عبدالله حويز، الباحث في دراسات الشرق الأوسط في جامعة كينغز كولج في لندن، إن “وجود إعلام وجامعات ومؤسسات وشركات استثمارية مختلفة يشير إلى وجود أجنحة مختلفة داخل الحزب الديمقراطي”. ونقل “نقاش” عن عبدالله حويز، الذي يتابع الشؤون الداخلية للحزب الديمقراطي بدقة، أن “نيجيرفان ومسرور يختلفان من حيث الرؤية والأسلوب السياسي ما يزيد من الصراع بينهما”.
وأضاف أن جماعة مسرور البارزاني “قوميون متشددون وتقليديون وأكثر تنظيما وتأسيسا، فهم عسكر ويؤمنون باللغة المتشددة ومدعومون من الأكثرية بين أعضاء الحزب الديمقراطي، وعلى العكس منهم فإن جماعة نيجيرفان البارزاني ليبراليون ويمتازون باللين وقريبون من تركيا وينصب اهتمامهم أكثر على التجارة”.
وكما هو حال باقي الأحزاب في كردستان، إذ يندر الحديث عن الخليفة في ظل حضور الشخص الأول، يشهد الحزب الديمقراطي الأمر نفسه، ولكن بعد انسحاب مسعود البارزاني يرى الكثيرون أن تحركات ابني العم الداخلية والدولية هي من أجل إظهار نفسيهما كخليفة لـ“البارزاني الأكبر”.
وكان أحدث ظهور لنيجيرفان البارزاني ومسرور البارزاني على المستوى الدولي ومعاملتهما بدلا عن مسعود البارزاني، عندما تمت دعوتهما لمؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا الذي عقد في أواسط شهر فبراير 2018. ولا يرى علي عوني، القيادي في الحزب الديمقراطي، أي حالة غير طبيعية في عدم ظهور مسعود البارزاني ويقول “كان الرئيس البارزاني يشغل منصب رئيس الإقليم في السابق، أما الآن فلم يعد له هذا المنصب، لذلك تجتمع الوفود مع المسؤولين الآخرين في الإقليم مثل رئيس الحكومة وغيره من المسؤولين”.
حدثت توترات واشتباكات عسكرية بين البيشمركة والقوات العراقية منذ شهر أكتوبر الماضي، وبرز آنذاك دور نيجيرفان البارزاني من خلال محاولاته لفتح الأبواب الموصدة على الإقليم؛ إذ زار بغداد ودول الجوار وأوروبا أكثر من مرة. ولم تمر هذه التحركات الدبلوماسية دون رد مقابل من ابن العم، فقد قام مسرور البارزاني في الثاني والعشرين من فبراير بزيارة غير متوقعة إلى الولايات المتحدة واجتمع مع مسؤولين أميركيين في البيت الأبيض.
رئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني لا يمكنه ممارسة جميع سلطاته، ففضلا عن وجود معادين له داخل الأحزاب الأخرى يصطدم داخليا بجدار ابن عمه مسرور البارزاني
ويرى هيمن هورامي، المستشار السياسي لمسعود البارزاني، أن التحركات الدبلوماسية لنيجيرفان ومسرور هي “تحركات طبيعية” وقال “إنهما يسعيان فقط إلى انفتاح الإقليم بوجه العالم بعد ردود الأفعال ضد الإقليم بعد عملية الاستفتاء”.
ولكن كامران منتك، الأستاذ في جامعة أربيل والمحلل السياسي، رأى عكس ذلك، واعتبر أن تلك التحركات غير طبيعية، مشيرا إلى أن “المشكلات والصراعات بين نيجيرفان ومسرور البارزاني قديمة وقد استمرت على مدى تاريخ الحزب الديمقراطي”.
وأضاف أن “تراجع دور البارزاني على المستويات المختلفة مهّد الطريق لتشتد الصراعات أكثر ومن المحتمل تزايد الخلافات مستقبلا، ولا سيما إذا لم يعد مسعود البارزاني إلى الساحة”. وأكّد هورامي “أن جميع تحركات نيجيرفان ومسرور الداخلية والخارجية هي لخلافة مسعود البارزاني وبناء علاقات أكثر لأنها ستكون دعما قويا لهما ليصبح أحدهما الشخص الأول في الإقليم مستقبلا”.
وكان القياديان البارزان يختلفان حتى في موضوع إجراء الاستفتاء، فقد كان مسرور البارزاني يؤيد إجراءه بقوة، فيما كان نيجيرفان ينأى بنفسه عن الأمر بعيدا. ومع أن صراع ابني العم واضح في مختلف المستويات، إلا أنهما لا يزالان متمسكين بالمركزية في الحزب الديمقراطي الذي يتقدم على الأحزاب الأخرى في تماسكه وقد يتفقان مستقبلا وبخلاف الأحزاب الأخرى على نوع من تقاسم السلطة يحافظ على مصالحهما.
https://telegram.me/buratha