من يتصوّر ان الأمريكان غادروا العراق متوهم تماماً
صحيح أن جنودهم خرجوا.. ولكن هل خرجت المخابرات الأمريكية؟
هل خرجوا مجندوها؟
إذا كان لسجن بوكا لوحده ان يجنّد من خلاله الأمريكان 2500 مجموعة شيعية وسنية لتنفيذ اعمالهم.. فهل خرج هؤلاء يا ترى؟
ولماذا يجندونهم؟ ولأي شيء جندّهم هؤلاء؟
هل ترى حينما تحدّثت النيويورك تايمز قبل أسبوعين عن الأعمال السرية للمخابرات الأمريكية في العراق كانت تقصد ان هؤلاء سيكونون شغوفين بتوزيع الشوكولاته السويسرية على العراقيين؟ أو انهم سيكونون منشغلين بتوزيع الدونات الأمريكية على أطفال العراق؟
من يتصور أمريكا حملاً وديعا ما أن قيل له أخرج فخرج إنما يثبت أنه هو حمل وديع لا يعرف اي ذئاب تعيش من حوله وبين ازقته.
ومن يتصوّر ان فريق المجرم طارق الهاشمي وأزلامه كانوا ينفّذون اجندتهم الداخلية متوهم هو الآخر، فمثل هذه الأجندة تتحرك داخلياً ولكن بأصابع من الخارج.. قد يقف وراءها مجرم اسمه سعيد خنجر أو الراوي أو أي صنيعة قطرية أو سعودية أو إماراتية، ولكن ترى من يقف وراء هذا المليونير أو ذاك؟
لقد قيل للشهيد سيد قطب ان الإنجليز قد خرجوا من مصر وجاؤوا يهنؤونه فما كان منه إلا ان قال، خروج الإنجليز الحمر سهل، ولكن مشكلتنا الأكبر مع الإنجليز السمر، ويقصد المصريين الذين ينفّذون الأجندة الإنجليزية.
إن اخشى ما اخشاه أن نرى أعداءنا أصدقاءاً؟ وأن نجد في قاتلنا هو المعين لنا؟ وإن كان لأمريكا أن تستفيد كل الإفادة من التجربة الطائفية لتكريس وجودها فلماذا لا تفعّل وجودها بعد أن طردتها إرادة المرجعية الدينية والتيارات السياسية الوطنية؟
تيقّنوا بان إنفجارات اليوم هي رسالة لا تتعلق بالهاشمي ومجاميعه فهؤلاء بيادق، ولا يعقل أن يتم ضربهم بهذه الشاكلة التي ضربوا بها ويبقى لهم قوة تنفيذ اكثر من خمسة عشر إنفجاراً بعد أيام من استهدافهم وبشكل متزامن ومدروس.. اسمحوا لي ان أقول لكم إنكم مشتبهون 100 مرة لو تصورتم أن هؤلاء مدفوعون باجندة داخلية.. بل حكّموا عقولكم وانظروا للنفوذ الخارجي عبر الأيادي الداخلية كم استشرى وكم امتد؟
ولذلك لم نتورع من القول بان من ارتكب هذه الجريمة إنما هم مجندون أمريكيون ولكن سحنتهم عراقية، يضغطون طائفياً وسيضغطون ولكن من اجل أن يعودوا من الشبابيك الكثيرة التي ترك الصراع السياسي بين التيارات أشرعتها مفتوحة لكل من هب ودبّ لكي يستفيد من لا مجال له أن يدخل من الباب في ان يلج إلى مصالح هذا الشعب من اشرعة هذه الشبابيك.
ولأني أقرأ الجغرافية بعين التاريخ فإني لا أراهن كثيراً على الحكومة في ان توصد هذه الشبابيك، ولأن أفعال الحكومة لا يجوز لنا أن نراقبها في انطلاقاتها في البداية وإنما يجب ان نقرن النهاية مع البداية، وحينما اجد ان ما سبق للحكومة أن اعلنته من موقف من البعثيين وأعتقللت بموجبه أكثر من ألف بعثي لم يكن فيهم بعثياً واحداً من داخل الحكومة سرعان ما انتهى بعد عشرة أيام من اطلاق سراح هؤلاء جميعاً، ولكن بصمت وهدوء لا يتناسب مع الجعجعة الإعلامية التي اقترنت مع ضجيج اعتقالهم.. ولذلك أخشى ان جعجعة اعتقال مجاميع الإرهاب المشهدانية ستضمحل مع الضغوط لتحوّل المشهداني إلى خانة الأبرياء وليعود المطلك إلى كرسيّه كما رأيناه مجتثّاً في يوم ونائبا لرئيس الوزراء في اليوم الثاني.. ولهذا ادعوا القراء أن لا يتخلوا عن المشاغبة في التحليل السياسي فهي وحدها التي تظهر لكم حقيقة المجريات في كواليس السياسة لأن الإعلام في الكثير من الأحيان يعطي صورة مخادعة والعاقل يفهم جيدا لو قرأ الجغرافية السياسية بعين التاريخ.
اسمحوا أن أقول لا يوجد بريء في السياسة إلا الشعب، اما أهل السياسة فالأصل فيهم عدم البراءة، فإن تحدّثوا بأمر فاعكسوه واقلبوه واجمعوه واطرحوه وقسموه واضربوه وثلثوه وربعوه حتى تروا صورته الحقيقية، ومن دون ذلك فما انتم إلا أبرياء هذا الشعب ولكن وسط قطيع من الخبثاء..
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
ألجأني الحدث إلى أن أمسك بقلمي من بعد غياب طويل وقاهر
https://telegram.me/buratha